الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاقتصاد أكبر من أن يترك للماليين


هل نعانى من أزمة اقتصادية، أم نعانى من ازمة مالية؟ الإجابة الحقيقة أننا نواجه أزمة مالية، نتيجة الاعتماد على اراء الماليين في بناء هيكل الاقتصاد المصري الحالي. وكأن أول ملامح سيطرة الماليين على القرار الاقتصادي كانت مع حكومة د. عاطف عبيد.
منذ عام 1998 مع تولي حكومة د. عاطف عبيد بهدف لإجراء عملية التحول الاقتصادي من الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق .. بنينا هذا التحول على أسس خاطئة. إذ أن الطريقة الصحيحة والآمنة كان تأهيل قاعدة السوق المحلى نفسه. وذلك بالاعتماد على التوسع في دعم الرأسماليات الصغيرة في شكل مشاريع متوسطة وصغيرة. تمهيدًا لاقتصاد سوق حقيقي أكثر فاعلية.
د. عاطف عبيد كان رجل مالي بالأساس .. وبطبيعة الماليين. اختار الطريق الأسهل وهي بيع شركات القطاع العام. والتفريط في قطاع إنتاجي كبير. بحجه أن ديونه كثرت. ومشاكله زادت. وتم بيعه بشكل غير منظم وبلا قاعدة معروفه أو أساس واضح. وربما كانت القاعدة الوحيدة هي بيع الشركات بأسعار دفترية، أي أسعارها وقت انشاءها في الستينيات.
مع تولى د. محمود محى الدين تم استئناف سيطرة النخب البنكية والمالية في إدارة الاقتصاد ... فتحولنا الى ثقافة بيع أراضي الدولة بالمزاد .. لتحصيل أكبر قدر من الأموال. والاتجاه لاقتصاديات الخدمات لأن عائدها على رأس المال أسرع من اللجوء الى اقتصاديات الإنتاج التي تأخذ دورة زمنية أكبر لرأس المال.
وقتها سيطرت أفكار ليه نصنع محليًا الاستيراد أسهل وارخص من البديل المحلى ... ليه نزرع محصول كذا استيراده ارخص وأقل في التكلفة الى أخره من الافكار التي أدت بنا الازمة المالية الحالية.. وعلى رأى يوسف بطرس غالى وزير المالية في هذه الفترة عندما سأل عن سياسة الحكومة في الاستثمار رد بالمثل الشعبي " شراء العبد ولا تربيته".
وكان نتيجة هذا أن تحول الاقتصاد المصري الى اقتصاد خدمات سياحية ومولات وكافيهات .. وليس اقتصاد انتاج واسع صاحب تكنولوجيا متقدمة ... وأصبح اقتصاد يبحث عن الكسب السريع. وليس الكسب العادل. وتمادت ثقافة الفهلوة في الاقتصاد اعتمادًا على روح التاجر وليس روح الصانع والزارع.
الماليون بطبيعتهم يفهمون الاقتصاد في شكل بيانات رقمية .. ولا يعنيهم قياس مسألة النمو ومقارنته بتوزيع الدخل أو توزيع الثروة. لهذا فإن مناقشة قضية الاقتصاد الكلى أكبر من أن تترك للماليين ... فالمالي يفكر في الاقتصاد بمنطق الثروة. الايرادات والمصروفات. في حين أن الاقتصاد نمط حياة اجتماعي ... ربما تكون بعض محاوره ذات ايرادات منخفضة في البداية. لكن عائداتها على الاقتصاد الكلى كبيرة ومتعددة.
وهذا يفسر لماذا ارتفعت نسب النمو الى 7%. في حين لم ينعكس هذا النمو في شكل تنمية افقيه. وهناك سؤال آخر لماذا مع الارتفاع الكبير في نسب النمو 7% خلال خمس سنوات في الفترة من 2004 وحتى 2009 استمر ازدياد عجز الموازنة أيضًا؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكشف لنا أن إدارة الماليين للاقتصاد الكلى ستنتج صعود سريع في الأرباح يوازيه صعود أكبر في الالتزامات المالية أو الأعباء المالية على الحكومة.
على سبيل المثال عندما تم التوسع في استيراد السيارات بشكل كبير في السوق المحلى ... أدى ذلك الى ارتفاع حصيلة الحكومة الجمركية .. لكنه في الوقت نفسه أدى الى ارتفاع سعر الدولار الذي يحتاجه الاقتصاد للشراء من الأسواق الأجنبية. وكذلك رفع من حجم دعم الطاقة للمواد البترولية فطبيعي مع ازدياد عدد السيارات ستكون هناك حاجة الى كمية أكبر من المواد البترولية في السوق المحلى وكذلك أدى الى تهالك شبكات الطرق نتيجة الضغط الشديد على الطرق مما أدى الى الحاجة الى صرف مليارات الجنيهات لإعادة تجديد شبكات الطرق.
من حسنات اقتصاد الخدمات أنه أدى الى ارتفاع الاحتياطي النقدي من الدولار .. لكنه أدى أيضًا الى تبخر ما جمعناه في عشر سنوات في فترة اقل من 3 سنوات. ذلك لأن اقتصاد الخدمات الذي يحبذه الخبراء الماليون اقتصاد هش يتأثر بالهزات الأمنية. فجر قنبلة فقط وسترى شلل في عوائد السياحة وغيرها من اقتصاديات الخدمات.
اليوم نحاول الحصول على حل للأزمة بالأدوات نفسها التي أدت الى الأزمة .. والازمة هي سيطرة الماليين على القرار الاقتصادي. فالاقتصاد علم مرتبط بالمجتمع. والمالية العامة علم مختلف تمامًا. إن مجتمعنا يحتاج رؤية اقتصادية تقوم على الإنتاج وإعادة التوزيع للدخل والثروة بشكل طبيعي ودون الحاجة لتدخل الحكومة لحماية الطبقات الأكثر احتياجًا. ونحتاج الماليون لكن في إطار تخصصهم المتعلق بدراسات الجدوى للمشروعات وتدبير الموارد المالية اللازمة لهذه المشاريع.
مثال أخير وكاشف .. المس أن هناك محاولات لإقناع المصريين بأن استراتيجية مصر 2030 خطأ ... وإن المطلوب منا أن نتوقف فورا عن إعادة التوزيع الجغرافي للسكان والذي سينتج عنه نمو واسع في الاقتصاد المحلى وإعادة توزيع الثروة القومية على المدى المتوسط ... المطلوب منا أن نقلص مجهودنا على عملية اصلاح مالي فقط نعالجه بالقروض.
أن الانتقادات السابقة حول المشاريع الجديدة تحت مسميات عدم تحقيق أرباح فعليه هو نوع من أنواع الجهل المتعمد.. على سبيل المثال. إن مشروع إقليم قناة السويس هو الأصل في عملية تنمية سيناء وليس استكمال ازدواج القناة الذي كان البداية. ثم تجد علماء مالية ينتقدون المشروع بزعم انه لم يحقق أرباحًا متناسين أن حالة الركود العالمي تستوجب الاستعداد لمرحلة ما بعد الركود. هذا هو الفارق بين علماء الاقتصاد والخبراء الماليين.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط