الاستثمار في صناعة كرة القدم

كرة القدم تعتبر استثمارا وصناعة في ذات الوقت، فقد يكون هذا التعبير جديدا ومخالفا لما هو متعارف عليه، ألا وهو "صناعة كرة القدم".
فمن المعروف أن كرة القدم ما هي إلا لعبة أو نشاط رياضي، إلا إننا إذا نظرنا إليها بعمق نجد أنها استثمار صناعي بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، بل يتطور الأمر لتكون وسيلة لاجتذاب الشباب وتفريغ طاقاتهم الفكرية والبدنية، بل وإيجاد عائد أيضًا سواء لمن يمتهنها أو للدولة التي ينتمي إليها، فهي بالتالي نشاط استثماري، رأسماله يتمثل في الشباب.
وإذا ما نظرنا إلى الجانب المالي لتلك الساحرة، وعلى مستوى أوروبا وحدها، والتي تعد أكبر أسواق كرة القدم حول العالم، فنجد أن حجم الاموال المتدفقة على أندية القارة الأوروبية من الشركات الراعية يصل إلى حوالي 14 مليار يور.
فيبلغ عدد الدول المنضمة للاتحاد العالمي لكرة القدم "الفيفا" 211 دولة. هذا ويصل عدد اللاعبين المسجلين حول العالم إلى 250 مليون لاعب، ويبلغ عدد الحكام والإداريين حوالي خمسة ملايين، وعدد الأندية 301 ألف نادٍ حول العالم، وعدد فرق كرة القدم في المدارس والمؤسسات والشركات والمصانع حوالي مليون و750 ألف فريق.
وفي أوروبا وحدها يصل عدد محترفي كرة القدم إلى حوالي 55 ألف محترف حول العالم. وبالنسبة إلى الدول العربية تحتل مصر المركز الأول بعدد 20 محترفا دوليًا فقط، يليها السعودية في المركز الثاني بعدد 13 لاعبا محترفا خارجيًا. وبالتالي تلك الأرقام التي نسمعها عن عدد المحترفين من مصر مقارنة بعدد المحترفين من أوروبا، تعتبر أرقام هزيلة.
وإذا ما ألقينا الضوء على وضع كرة القدم في مصر بصفة عامة، فنجد إننا قد اسأنا استغلالها بشكل كبير، ما بين ألتراس، وانخراط البعض من رموز الرياضة في المشاحنات السياسية، مرورًا بمذبحة بورسعيد، تلتها مذبحة استاد الدفاع الجوي، وهو ما أدى إلى إقامة المباريات دون حضور جماهيري، وانتهاءًا بتصرفات وألفاظ غير لائقة تصدر عن رموز تلك الساحرة.
هذه الأحداث تنعكس بلا شك على المجتمع المصري، وتأثيرها يكون بالسلب على قطاع الشباب دون غيره من فئات المجتمع، فهم الفئة الأكثر تأثرًا.
وهو الأمر الذي يدعونا أن نتساءل حول ما الذي يمنع أن يتم استثمار تلك اللعبة كما يجب؟، لتكون بمثابة صناعة ذات عائد اقتصادي، وأن يتم تطوير أهدافها لتشكل أهدافا سياسية واجتماعية، فما فشلت فيه الجهود السياسية والحوارات الاجتماعية، تستطيع كرة القدم أن تصلحه، بل وتعيد تهذيبه، فهي أداة لتعبئة الجماهير وتجنيدهم وتقريب بعضهم إلى الآخر.
فما الذي يمنع من تبني مبادرة لتشجيع الشباب على ممارسة كرة القدم، في مختلف الأماكن بدءًا من الحواري والشوارع، وعلى مستوى القرى والمحافظات، وما بها من مراكز للشباب والنوادي والمدارس والجامعات والشركات، واختيار العناصر المتميزة منهم وإلحاقهم بأندية كبرى، ويتم بيع وشراء اللاعبين، وتسويقهم داخليًا وخارجيًا بهدف الاحتراف.
هل من الصعب أن نفرز من شبابنا عشرين لاعب على مستوى دولي كل عام؟ هل من الصعب وضع استراتيجية تستهدف احترافهم خارجيًا؟، على أن تكون النسب السنوية لاستهداف الاحتراف الخارجي متزايدة؟، وبالتالي تدفق العملة الاجنبية متزايد.
فالحمد لله نحن دولة لديها وفرة من العناصر الشباب، وهذا الهدف لا يقل أهمية عن استهداف زيادة معدلات الصادرات، بل قد يزيد أهمية لأنه يتعامل مع فكر وعقلية الشباب بل المجتمع بأسره.
ما المانع في ذلك؟، الأمر لا يحتاج إلى إمكانيات خارقة، فالشعب بأكمله يمكن أن نقول أنه عاشق لكرة القدم، وما تتطلبه تلك الصناعة هو مجرد مبادرات، ومزيد من الاهتمام، إلا أن العائد يكون أكبر بكثير مما نتوقعه، فأنت تعمل على تجميع فئة قد تختلف فيما بينها على الأهداف السياسية ولكنها اتفقت على حب كرة القدم، فما الذي يمنع أن أستثمر هذا التوجه المتحد، وأن أحاول أن أهذب أفكارهم السياسية.
وذلك بتوفير العائد المتمثل في الاحتراف الكروي سواء داخليًا أو خارجيًا، وخلق فرص عمل لكثير من الفئات المرتبط عملها بتلك الصناعة، فالأمر لا ينتهي فقط عند لاعب كرة القدم، ولكنه يمتد ليشمل كافة الأنشطة الهندسية والتشييدية المرتبطة بالملاعب، وكذلك الأنشطة الصحية والبدنية والتعليمية والفكرية والاقتصادية للاعب، وبالتالي تنعكس تداعيات تلك الصناعة على المجتمع ككل بصفةٍ عامة، وفئة الشباب بصفةٍ خاصة.