الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تمصير المجتمع المدنى


لماذا لفظ المصريون المجتمع المدني بشكله الحالي.. ولماذا تحولت شعاراته البراقة إلى أدوات ضغط سياسية.. وليس أداة للرقابة والتفاعل الاجتماعي، ولماذا لم ينجح المجتمع المدني بأفكاره الأجنبية وتمويلاته العابرة للحدود في إشراك قطاعات واسعة من المجتمع المصري في عملية البناء الاجتماعي؟

قديما كان الساسة يصرفون على السياسة، لكن الآن الوضع مختلف، وهذا يطرح أسئلة أخرى، لماذا أدى التمويل الأجنبي إلى إفساد الحياة السياسية، خاصة أنه حول العمل السياسي من عمل تطوعى إلى عمل مدفوع الأجر؟ وكيف أدت إلى تدمير المرجعيات الفكرية للأحزاب المصرية؟ وهل نجح المجتمع المدني بمرجعياته الفكرية الغربية فى نقل تبعية جزء من النخب السياسية المصرية إلى الجهات المانحة؟

الإجابة عن هذه الأسئلة، ستفتح الباب للحل، إذ إن المتابع لنمط حركة المجتمع المدنى في مصر، سيكتشف أنه تحول من مساره الطبيعي الهادف إلى دعم المشاركة الاجتماعية.. إلى مجرد أدوات للاحتجاج والتثوير وصناعة الأزمات.
 
وخلال فترة العشر سنوات السابقة على ثورة 25 يناير.. تم تفريغ الأحزاب السياسية، وتم اجتذاب النخب السياسية المصرية المتعددة إلى العمل بأجر، ولخدمة أهداف هذه المنظمات، ونتج عنها نخب تفضل التظاهر على الحوار، وغلق الشوارع وليس بناءها، ليس عليك سوى رصد كم الدعوات للعصيان المدنى والاحتجاج منذ عام 2000 وحتى الآن لتعرف الدور الوظيفى لهذه المنظمات.

تلك طبيعة الأشياء، فالتمويل يستطيع أن يغير ويهندس ويوجه، وليس غريبًان أن نجد أن هذه المنظمات ضمت نقابيين وقادة رأى وحزبيين، والمثير هنا، أنهم جميعًا تعلموا تقنيات حرب اللاعنف باستخدام الإعلام.

وكأن المجتمع المدنى الدولى يصنع أفكار ومرجعيات النخب السياسية والشابة في المجتمع، بأنماط غريبة على مجتمعنا، وبأفكار جعلت المصريين برفضون فكرة العمل السياسي الذى يبنى العمل.

ساهمت منظمات المجتمع المدنى في تفريغ الأحزاب من قياداتها وشبابها، وأصبح التمويل الأجنبى لا يقيد فقط حركة الأحزاب، لكنه تحول إلى سور عالٍ ضد أفكار الخصوصية المصرية.

المجتمع المدنى هو جوهر التنمية، لكن هيكله الحالي جعله جزءًا خارجًا عن جسم المجتمع، ويحاول هذا الجزء فرض وصايته على العمل العام والأهلى المصري.

إن المجتمع المدنى بشكله وكيفيته الحالية، لا يسعى إلى الإصلاح المجتمعى، فهو ببساطة منظومات أخلاقية وفكريه خارجية تحاول صناعة نخب منفصلة عن مجتمعها، نخب تصدر الأزمات ولا تضع حلولا، ولا عجب في أن هذه النخب تنظر بعين التحقير إلى المجتمع المصرى وكل ما يمثله.

إذا سألتهم عن رؤيتهم عن الإصلاح، ستجدهم يفتحون لك الكتب الأجنبية ليقولون لك؛ لابد من تطبيق النموذج الفلانى التابع للدولة العلانية.

إن العمل الأهلي هو جوهر التنمية، وليس العمل المعلب الذى يراد فرضه على المصريين، ونحن جميعًا نحتاج إلى تمصير المجتمع المدنى المصرى، الذى يضيف للعالم تجربه مصرية رائدة في مجال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

إذا لماذا نحتاج إلى مجتمع مدنى مصري خالص؟  حقيقة الأمر أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية المصرية، تستوجب مشاركة كبيرة من المجتمع في عملية البناء، وتستوجب أيضًا إشراك المجتمع على اختلاف اتجاهاته في العمل العام، والتفاعل بما هو أكثر من إبداء الرأي على صفحات "فيس بوك".
 
إذا أردنا مجتمعنا صحيًا، يحترم القانون ويشارك اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، فلابد من ثقافة العمل التطوعي هذا العمل الذى يستهدف مشاركة المصريين في رفع الأعباء عن قراهم وشوارعهم ومدنهم ويذهب بهم إلى صناديق الانتخاب ليس استجابة إلى 100 جنيه ثمن الصوت الانتخابي.

هذا يستوجب أن تكون المرجعية الفكرية للعمل التطوعى مصرية خالصة، معبرة عن الهوية الاجتماعية المصرية، لا أن تتحول فكرة المجتمع المدنى إلى وسيلة لصناعة التبعية الاجتماعية للخارج.

نعم نريد لمجتمعنا أن يكون مواكبًا للعالم، لكن ترجمة ذلك على أرض الواقع، تحتاج منا إلى استعادة فكرة العمل الأهلي، التي حققت نجاحات مصرية خالصة، على سبيل المثال، أنشأت جامعة القاهرة وتجربة طلعت حرب باشا وحتى مستشفى 57357، هي كلها دلائل على قدرة المجتمع المصرى على النجاح في تأسيس مشاركته بشكل أكبر من الموجود الآن.
 
الأمر لن يقتصر على فكرة العمل الاجتماع، فثقافة العمل العام، ستدفع الشباب إلى دخول السوق كمنتجين، إذ إن اقتصاديات السوق تقوم في الأساس على أفكار ريادة الأعمال، والتي تتطلب فكر المبادرة والثقة في النفس، وهذا ما ستوفره مظلة العمل التطوعي.

إذا أردنا الإصلاح السياسي، فلابد أن يبدأ من إعادة هيكلة المجتمع المدنى الحالي بأفكاره وأشكاله المتعددة، ليؤدى دوره الحقيقى في تنمية المشاركة السياسية.

إننا مجتمع عميق في أفكاره وانحيازاته، وليس مجتمعا ساذجا، فحضارته تستوعب تجربة التاريخ الإنسانى كله، نريد أن نقدم للعالم نموذجًا مصريًا شرقيًا، يثرى العالم ويضيف له، ولا نرغب في تجارب شاذة عن مجتمعنا، يراد لها أن تقمع الهوية المصرية الأصيلة التي عبرت عن نفسها في خروج الملايين في 25 يناير و30 يونيو بالملايين في أكبر تظاهرات سلمية عرفها التاريخ، هذا هو جوهر أمتنا، وطبيعتها الأصيله التي ستعبر عنها فكرة العمل التطوعى.

إن تمصير المجتمع المصرى عبر أفكار العمل التطوعى ستقدم للعالم جوهر الشخصية المصرية التي تحارب الإرهاب وتقف في صف كل إبداع إنسانى حقيقي يخدم الشعوب ولا يخدم السياسة الدولية وأهدافها وصراعاتها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط