الإخوان والأمريكان .. تاريخ من الوفاق خلف الأبواب المغلقة

لم تكن زيارة السيناتور الأمريكي جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس مصحوبا بالسفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون لحزب الحرية والعدالة مؤخرا هي الأولي من نوعها في تاريخ العلاقة بين الدولة الملقبة بشرطي العالم وجماعة الإخوان المسلمين، اللهم إلا إنها نالت نصيبا من العلانية لم تحظ به قائمة طويلة من اللقاءات التي جمعت بين أعضاء بارزين بالجماعة ومسئولين أمريكيين علي مدار عدة عقود.
تلك العلانية، التي بدت منقوصة حينما منع مسئولي الحرية والعدالة الصحفيين من حضور اللقاء كما لم يدعوا إلي مؤتمر صحفي في نهايته، كانت غائبة تماما في كل اللقاءات السابقة التي تناولتها كتابات عديدة تعتبرها الجماعة " افتراءات لامحل لها من الإعراب"، رغم حديث بعض قيادات الجماعة البارزين عنها في كتب تحمل أرقام إيداع بدار الكتب والوثائق المصرية.
قبل عامين تقريبا، نشرت جريدة "الوطني اليوم" التي كانت لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي المنحل حينذاك، حوارا في العدد رقم 118 في الثاني من سبتمبر 2008 مع المفكر الإسلامي عبد الفتاح عساكر قال فيه بعبارة صريحة "اتصالات الإخوان بأمريكا ليست حديثة وإنما هي اتصالات قديمة وبدأت مع حسن البنا عندما قابل السكرتير الأول للسفارة الأمريكية في شقته بالزمالك (رجل المخابرات الأمريكية).
واستند عساكر في كلامه إلي ماكتبه الدكتور محمود عساف والذي يوصف برئيس جهاز المخابرات في جماعة الإخوان في كتابه: «مع الإمام الشهيد حسن البنا» (344 صفحة) ورقم الإيداع بدار الكتب والوثائق المصرية 1993/4415 في ص 13 و14 وتحت عنوان: سكرتير السفارة الأمريكية ما نصه: " إن فليب ايرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة أرسل مبعوثا من قبله للاستاذ الإمام كي يحدد له موعدا لمقابلته بدار الإخوان ووافق الأستاذ علي المقابلة ولكنه فضل أن تكون في بيت ايرلاند حيث إن المركز العام مراقب من القلم السياسي وسوف يؤولون تلك المقابلة ويفسرونها تفسيرا مغلوطا ليس في صالح الإخوان".
ويتابع عساكر في الحوار المشار إليه : " تم في هذا اللقاء تدشين أول تحالف بين الإخوان والأمريكان لمحاربة التيار الشيوعي في مصر"، مضيفا نقلا عن محمود عساف "إن السفير الأمريكي قال لمؤسس الإخوان بلغة عربية سليمة إن موقفكم من الشيوعية معروف لنا ولقد عبرتم كثيرا عن أن الشيوعية إلحاد يجب محاربته كما إن الأساليب البوليسية لن تجدي في محاربة الشيوعية، بل ستزيد الشيوعيين إصرارا وتجعل الناس يتعاطفون معهم باعتبارهم معتدي عليهم، فرد البنا علي السفير الأمريكي بقوله: إن الشيوعية التي بدأت تنتشر في بلادنا العربية وتعتبر خطرا كبيرا علي شعوب المنطقة شأنها في ذلك شأن الصهيونية بل هي أخطر في المدي القريب ولدينا معلومات كثيرة عن التنظيمات الشيوعية في مصر.
وواصل عساكر السرد نقلا عن عساف، فقال ايرلاند "لقد طلبت مقابلتكم حيث خطرت لي فكرة وهي لماذا لا يتم بيننا وبينكم تعاون في محاربة هذا العدو المشترك وهو الشيوعية؟ أنتم برجالكم ومعلوماتكم ونحن بمعلوماتنا وأموالنا، قال الإمام: لا مانع لدينا من مساعدتكم بأن نمدكم بالمعلومات المتوافرة لدينا وحبذا لو فكرتم في إنشاء مكتب لمحاربة الشيوعية فحينئذ نستطيع أن نعيركم بعض رجالنا المتخصصين في هذا الأمر، علي أن يكون ذلك بعيدا عنا بصفة رسمية ولكم أن تعاملوا هؤلاء الرجال بما ترونه ملائما دون تدخل من جانبنا، سوى التصريح لهم بالعمل معكم، ولكن لأسباب خاصة بالأمريكان لم يرسلوا للبنا بتجهيز رجاله للعمل معهم وإن كان هو قد انتظر ذلك طويلا بحسب ما قاله القريبون منه".
ويسرد الحوار علي لسان عساكر "وفي عهد المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني قام بالاتصال بالسفارة الأمريكية في مصر بعد قيام ثورة يوليو 1952 بعدة شهور وطلب من المسئولين في السفارة الأمريكية في اجتماع دام ثلاث ساعات تصفية بعض عناصر قيادة الثورة خاصة جمال عبد الناصر وانسحاب العسكريين من الحكم وطالب الهضيبي عن طريق ممثله الشخصي لدي الخارجية الأمريكية بتأييد الإخوان لمساعي التوصل لتسوية مع إسرائيل من خلال اتصالاتهم بزعماء اليهود في الخارج وفي إسرائيل".
وعن مصادره التي تدعم تصريحاته أضاف المفكر الإسلامي "المصادر عبارة عن الوثائق الأمريكية السرية لوزارة الخارجية الأمريكية والتي أفرج عنها في أغسطس سنة 1984 واتيح للباحثين الإطلاع علي ملفاتها.. ولقد بدأ أحد الباحثين المصريين وهو الدكتور رضا أحمد شحاتة أستاذ العلاقات الدولية والسفير بوزارة الخارجية المصرية جمع مادته العلمية الموثقة من الوثائق السرية الأمريكية غير المنشورة ابتداء من عام 1945 وحتي عام 1956 في الأرشيف القومي الأمريكي بواشنطن ومن الملفات المركزية لوزارة الخارجية التي تضم مئات من الملفات والآلاف من الوثائق المتصلة باتجاهات السياسة الخارجية لأمريكا نحو مصر في تلك الفترة وقد أوضح الباحث في كتابه تطور واتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية نحو مصر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 حتي انتهاء حرب السويس، أن اتصالات مندوب حسن الهضيبي الذي تربطه علاقة مصاهرة بالهضيبي لم تتم مع السفارة الأمريكية بالقاهرة فحسب بل مع إدارة الشرق الأدني بوزارة الخارجية الأمريكية ليؤكد الفائدة من توثيق صلات الولايات المتحدة بالإخوان".