تحطيم إرادة الخصم هي هدف أي حرب.. والحرب في حد ذاتها هي أحد أشكال العلاقات الدولية التي تستخدم العنف لتحقيق هدفها.. لهذا فإن الحرب العسكرية ليست هدفًا في حد ذاتها.. فالمعركة العسكرية هي وسيلة لتحقيق أهدف الدولة لدى خصومها.
لهذا فإن ما حدث في سيناء صبيحة 5 يونيو لم يكن هو الهدف الرئيسي من الحرب، بمعنى أن الهدف النهائى من الحرب لم يكن فقط احتلال قطعة أرض فقط.. وإنما كان الهدف الأول هو تدمير الجيشين المصري والسوري المتناميين في القوة وقتها.. والثانى هو إسقاط نظام الدولة وانهيار قدرتها على تنظيم أحوال المجتمع بما يؤدي إلى انهيارات اجتماعية وسياسية تؤدى إلى سقوط مشروع البناء الاستراتيجي للدولة المصرية الذى كان يقوده جمال عبد الناصر.. وكسر إرادة المصريين في الحرب على اعتبار أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر.
لم تتوقف الأهداف الإسرائيلية عند هذا الحد .. وكانت إسرائيل تريد الى جانب ذلك تحطيم النظام الإقليمى العربي.. وضرب فكرة القومية العربية.. وإنهاء المطالبة بحل الدولتين.. وتحويل القضية الفلسطينية من قضية العرب المركزية إلى قضية محلية داخل إسرائيل.. وأن يتعامل الاحتلال مع الفلسطينيين على أنها قضية داخلية وليست قضية ذات طابع إقليمي ودولي.
من السذاجة أن نتصور أن إسرائيل قامت بضرب مصر ردًا على غلق خليج العقبة.. أو ردًا على خطابات الرئيس عبد الناصر.. من يتصور ذلك فقد تم تشكيل وعيه على خطاب إسرائيل الدعائي وقتها.
الحقيقة هو أن إسرائيل كانت قد اتخذت قرارها بالحرب لأن هناك خللا في ميزان القوى.. جعل الوقت في صالح مصر .. أكثر منه في صالح إسرائيل.. لاعتبارات مهمة أهمها.. تنامى القطاع الصناعي المصري وتجاوزه مرحلة السلع الاستهلاكية إلى التصنيع الثقيل ومحاولة مصر الدخول في مجال تصنيع الطائرات، والتي تم إفشالها بمعرفة إسرائيل، لكن مصر لم توقف محاولاتها، وكذلك دخول مصر مبدئيًا في مجال تصنيع الصواريخ وتنامي القدرات التسليحية للجيش المصري وفعالية نظام التعليم المجانى الذى انتج مناخ اجتماعي جديد وطبقة وسطى جديدة.. وتمدد النفوذ الجيوسياسي لمصر إقليميًا وقاريًا.. إلى جانب صعود وتيرة المقاومة الفلسطينية ودخول إسرائيل في حالة انكماش اقتصادى وتراجع أعداد المهاجرين اليهود إليها مما شكل خطرًا على فكرة وأساس الدولة اليهودية.
دخلت إسرائيل حرب يونيو باستراتيجية الهروب إلى الأمام ... فهى كانت تسبق عسكريًا كل الدول العربية.. لكنها كانت تعلم أن التغيير الجارى سيقود في القريب العاجل إلى وصول مصر وسوريا إلى مرحلة التوازن العسكري الذى سيجعلها غير قادرة على الدخول في مواجهة معهما.. خاصة في ظل وجود مقاومة عنيفة داخليًا.
دخلت إسرائيل الحرب بمساعدة أمريكا لأهداف أكبر من الانتصار العسكري أو احتلال الأراضى.. وكانت تريد تدمير وتحطيم إرادة النمو لدى النظام السياسي والدولة بما يؤدى إلى التحلل الاجتماعي والتفكك.. لكن رد المصريين وقتها كان حاسمًا.. وهتافات هنحارب.. كانت ذات دلالة حقيقية على استعادة المصريين في لمحة بصر إرادة القتال.
بعد أن بدأت حرب الاستنزاف.. بدأ عبد الناصر عملية هيكلة حقيقية للدولة المصرية والنظام السياسي واستطاع خلال وقت قصير من تجاوز الأخطاء والخطايا التي أدت إلى خسارة المعركة في سيناء.
تلك الدولة في عهد ناصر هي نفسها بكل قوامها وخطتها وحتى حسابات الإقليمية والدولية التي حاربت في أكتوبر 1973 بقيادة الرئيس البطل أنور السادات.
كانوا نفس المصريين ونفس الجيل .. وكانت نفس الدولة التي أصلحت عيوبها واستطاعت أن تعيد إنتاج قدرتها على خوض المعركة .. والانتصار في إطار الإمكانات وتحقيق الهدف الاستراتيجي فيما وراء العملية العسكرية.
في 5 يونيو 1967 .. انتصرت إسرائيل في معركة عسكرية .. لكنها لم تحقق هدفها الحقيقي .. حتى رقعة الاراضى التي استولت عليها كانت عبأ كبير عليها .. فلقد تمددت بأكثر مما تستطيع استيعابه .. حجم الأراضى كان أكبر من حجم السكان بشكل خطير وحجم قدرات إسرائيل في أى وقت أو في أي زمن وحتى الآن.. لذلك لجأت إسرائيل إلى استراتيجية الخطوط الدفاعية " خط بارليف مثال على ذلك".
لم تستول إسرائيلي على مناطق أهله بالسكان.. ولم يكن لديها القدرة على استيعاب كل هذا التمدد العسكري على الأرض المصرية والسورية .. ولهذا لم تستطع الدفاع عن كل هذه الأراضى إلا بمساعدة أمريكية مرة أخرى .. على العكس استطاعت مصر في حرب أكتوبر وبعد سيطرتها على الضفة الشرقية للقناة كسر نظرية الأمن الإسرائيلي التى كانت تقوم على نظرية الحدود الآمنة.
استطاعت مصر بعشرة كيلومترات أن تحقق هدفها الذى لم تستطيع إسرائيل أن تحققه بعد أن استولت على 20 % من مساحة مصر .. نجحت مصر في القضاء على قدرة إسرائيل النفسية كدولة ومجتمع على استئناف الحرب العسكرية .. وإعادة الأرض المصرية .. ولهذا فالأجدر بنا اليوم أن نحتفل هذا اليوم بذكرى العاشر من رمضان .
5 يونيو 1967
-هى درس تاريخي يسعى الوطنيون إلى عدم تكرار حدوثه.. وإلى بحث الأسباب الموضوعية للهزيمة وكذلك التعلم من تجربة إدارة الأزمة والصراع مع العدو فى عهد عبد لناصر والسادات وصولا إلى لحظة الانتصار.
-أما أتباع ثقافة الاحتلال .. يستخدمونها للهجوم على فكرة الوطنية أو المقاومة من خلال الهجوم على شخص عبد الناصر ويقفزون على السياق التاريخي .. ويحاولون أن يقولوا لنا أننا لم ننتصر.. وأننا تسببنا في هزيمتنا وأن المشكلة كلها كانت في خطابات عبد الناصر وغلق خليج العقبة.