الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قبل أن تتحول "أكشاك الفتوى" إلى فروع لمكتب الإرشاد وتنظيم داعش!


الفتوى في رأيي سيف ذو حدين يمكن أن تبني أوطانًا أو تهدمها هدمًا ، ويمكن أن تفتت أمة أو تدمرها تدميرا، فكم من فتاوى كانت سببا في إسقاط وتخريب دول وجعلها مسرحا للنزاعات المسلحة والحروب الطائفية والمذهبية ، وكم من شيوخ متطرفين لا يمثلون وسطية الإسلام وسماحته كانوا أداة لإسقاط جيوش وطنية عربية بفتاوى مفخخة ، أو جعل جنود الجيش والشرطة في مرمى الإستهداف.

وهناك كثير من الأدلة على ذلك ولعل من أبرزها فتوى الشيخ يوسف القرضاوي الذي يلقبونه بـ" شيخ الناتو" ؛ ذلك الشيخ الذي أفتى بقتل جنود الجيش المصري ورجال الشرطة بل وتحريم الإنتماء للجيش ومطالبة الجنود بالهروب من المعسكرات بشكل جماعي والنزول إلى الشارع في ذكرى حرب أكتوبر لإسقاط السلطة والجيش ، ولا يجب أن ننسى فتاوى القرضاوي التي حرضت على قتل الرئيس صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد ، وكم وكم من الفتاوى لشيوخ التطرف والإرهاب والدم حرضت على استهداف الكمائن وتجمعات رجال الشرطة وغازلت التنظيمات الإرهابية التي تقتل جنودنا في سيناء وأقنت عليهم ، بل وهناك فتاوى وصفت جنودنا الذين يستشهدون دفاعا عن الأرض والعِرض والسيادة بأنهم في النار وأن من يقتلون هؤلاء الجنود في الجنة ، مثل فتوى الشيخ محمد عبد المقصود أحد القيادات السلفية الداعمة للإخوان والتي حرض فيها التيارات السلفية والإخوانية على العنف ضد الدولة والمؤسسات بل وحرض ضد السيسي ووصف بـ "الكافر" ، كما سمعنا ورأينا فتاوى تصف المسيحية بالعقيدة الفاسدة وأن أتباعها في جهنم ، وأن الكنائس ديار للكفر ولا يجوز استحداث كنيسة في ديار الإسلام وأن الكنائس أشبه بالكباريهات وحظائر القطط والكلاب والخنازير ، وأن المسيحيين كفار ، بل ووصلت البجاحة من بعض شيوخ التطرف أن يجعلوا من أنفسهم ديانين للبشر مغتصبين من الله سبحانه وتعالى صفة " الديان" عندما أفتى أحد شيوخ الدعوة السلفية بأن جراح القلب العالمي د. مجدي يعقوب سيدخل النار ولن تنفعه أعمال الخير ،متناسيا الآية القرآنية السمحة التي تقول " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْعِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" ( الحجرات 13 ) .

ولعل قول الرسول عليه السلام في خطبة حجة الوداع يرد على شيوخ وفتاوى النار والدم والقتل والإرهاب والتخريب والتفسيق والتقسيم عندما قال " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى " ( رواه أحمد) ، ومن المؤكد أن فتاوى الإرهاب والدم والقتل والتكفير بعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام كما أكدت ، فالإسلام يحض على حرمة وعصمة الدم والنفس الإنسانية ويحض على البر بالمسيحيين ويجعلهم في مرتبة أعلى من المشركين ، ويشدد على الأخوة في الإنسانية ويحترم التعددية الدينية والثقافية بدليل أنه في دولة المدينة كان الإسلام يستوعب الجميع ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات ، ولعل هذه المقدمة الطويلة بل وما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما تفتق عن ذهن الحكومة المصرية بتأسيس أشكاك للفتوى في محطات المترو ، وحالة الجدل والإنقسام والهرج والمرج التي سادت بين المصريين على مختلف ثقافاتهم وأديانهم ومذاهبهم على خلفية هذا القرار، وفي الحقيقة أنا شخصيا لست ضد الفتاوى التي تحارب الإرهاب والتطرف والتشدد والغلو لأن الفتاوى كما قلت واكدت كانت وسيلة وآلية لتفتيت وإسقاط دول وأنظمة برمتها ، عندما استغلت بعض الدول الإستعمارية والقوى المتآمرة على مصر والدول العربية شيوخ الدم والتكفير والنار والإرهاب كأداة لتبرير جرائمهم في إسقاط هذه الدول وتفتيت جيوشها عبر فتاوى مفخخة لا تتسم مع جوهر وسماحة الإسلام وقد ذكرت لكم بعضا منها في المقال ، ولكنني ضد الأسلوب والطريقة التي يعالج بها الازهر الشريف والحكومة التطرف والغلو ، فالفتاوى الدينية ليس مكانها أكشاك في المترو ولا محطات الاتوبيسات ولا الجامعات لأنها مرافق عامة للجميع ، بل يجب أن يكون مكانها في المساجد والزوايا التي في العشوائيات التي يتغلغل ويتمركز فيها قطاع كبير ممن يحملون الفكر المتشدد بسبب غياب التوعية الدينية والمتابعة والمراقبة من الازهر الشريف على هذه الزاويا ، فهل لا يكفي أكثر من 198000 مسجد وزاوية في مصر لتوصيل الفكر الوسطي المعتدل حتى نختصر الإصلاح الديني في اكشاك للفتوى بمحطات للمترو ؟ وهل لا توجد كتيبات للأزهر الشريف بها رد على الفتاوى التي تتعلق بنظرة الإسلام للمسيحيين بل وكل المختلفين عن المسلمين في الدين ونظرة ومفهوم الإسلام الصحيحة غير الإسلامية و لبناء دور العبادة والتكفير والجهاد ؟ لماذا لا يؤسس الازهر الشريف مكتبا ملحقا بكل مسجد أو زاوية للرد على من يريدون الفتوى ؟ ولماذا لا تطبع سي ديهات أو تخصص قنوات للفتاوى يقوم على الرد عليها شيوخ مؤهلون وقدوة ؟

لماذا لا توضع في مناهج التعليم وفي الحضانات الإسلامية مواد توضح نظرة الإسلام السمحة لغير المسلمين وحقوقهم وواجباتهم ؟ ولعله من الفاجعة الكبرى ذلك الحوار الذي نشرته صحيفة الفجر والذي حاورت فيه محررة الفجر بعض شيوخ اكشاك الفتوى في المترو وهو حوار كشف بكل صراحة أن الأزهر الشريف ما زال دوره في إعداد وتأهيل والتصريح للشيوخ الذين يقومون بالفتوى ما زال به قصور ويحتاج إلى مراجعة مستمرة من الازهر ووزارة الأوقاف حتى يكون الشيخ المؤهل للفتوى يؤتمن عليه في توصيل الصورة الصحيحة عن جوهر الإسلام الصحيح بعيدا عن الآراء المتطرفة والفقهية لبعض الشيوخ التي لا تعبر أقوالهم وتعاليمهم عن جوهر وسماحة الدين ، فإن كان الشيخ المتواجد بأكشاك الفتوى ، وهو المكلف والمؤتمن على توصيل الإسلام الصحيح وتعاليمه السمحة ومحاربة الفكر المتطرف ، متجذره في داخلياته رؤية مخالفة للفطرة الإنسانية النقية والتعاليم الإسلامية السليمة بأن المسيحي نجس معنويا ، فما بالك في بقية الشيوخ الذين في العشوائيات والزوايا وغير المؤهلين للفتوى؟ فماذا يختلف فِكر هذا الشيخ الذي أفتى بنجاسة المسيحي نجاسة معنوية عن فكِر الإخوان بل وعن فكر داعش ؟ فهل حقا هذه فتاوى تبني وطنا ؟ وتدافع عن سماحة ووسطية الإسلام؟ فإذا كنت وانت شيخ وعالم دين تنظر لأخيك المسيحي وشريكك في الوطن بنظرة إستعلائية ودونية على أنه نجس وانت وحدك الطاهر فماذا سيكون مستقبل ومصير وحدتنا ونضالنا معا .

يا فضيلة الشيخ هؤلاء المسيحيون النجسون معنويا كانوا وما زالوا وسيزالون يقدمون أروع الأمثلة في البذل والتضحيات مع إخوتهم المسلمين في الحفاظ على مصر ووحدتها ، وكانوا صمام الامن والأمان للدولة المصرية في مواجهة أي محاولات للتدخل الخارجي ؟ ولم نر منهم يوما خائنا واحدا تخابر مع دولة معادية لبلده ؟ ولم يكن فيهم ولو للحظة من حرض ضد الجيش أو الشرطة أو أشاع الكراهية والبغضاء بين المصريين مسلمين ومسيحيين! .. فمغبوط ومبارك كل من هو نجس معنويا وبه هذه الخصال الحميدة والمتفردة المنافية لكل نجاسة ! مع إنني بحثت وأمعنت ودققت لأجد تفسيرا للنجاسة المعنوية في معاجم اللغات إلا أنني لم أجدها ، وخاب مسعاي، ويبدو أن هذه النجاسة المعنوية تسكن فقط في خيال شيخنا الجليل في كشك المترو ..

إنها بحق كارثة تسيء للإسلام وصورته وهي جرس إنذار للازهر الشريف لبذل كثير من الجهد لتدريب وتأهيل الآئمة والشيوخ والتدقيق في استخراج تصاريح الفتوى للأشخاص المؤهلين فعلا لكي يؤتمنوا على الدين ووحدة الوطن ، وأنا أثق في أن الأزهر يبذل مجهودات جبارة ولكن عليه أن يضاعف هذه المجهودات خاصة وأن حوالي نصف طلبة الأزهر من الإخوان وهذا الكلام ليس من عندي ولكن من شيخ الازهر نفسه الدكتور أحمد الطيب؟..فهؤلاء إن لم يتم تدريبهم وتأهليهم واحتواؤهم سيكونون قنابل موقوتة في وجه الوطن ، لأن الإرهاب والتفخيخ يبدأ بالفكر وإن لم يتم إصلاح وتأهيل هؤلاء وتنقية المناهج الازهرية مما يشوبها من أمور لا تمثل صحيح الإسلام وتبرر للدواعش والإرهابيين جرائمهم فإن القادم سيكون مرعبا وسنرى داعش في كل مكان ، فمواجهة الذات بالحقائق مهمة حتى ولو كانت حقائق مرة ، لأن الإعتراف بالخطأ ومواجهته وتداركه أولى خطوات الإصلاح الحقيقي .

ولعل فضيلة مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور على جمعة كان ذكيا وواعيا وجريئا عندما تكلم بصراحة يحسد عليها وعلى الهواء مباشرة بالصوت والصورة : " ما يحدث من امور تسيء للإسلام من فعل بعض ابنائنا .. هذا من فعل داعش ، داعش دة من أبنائنا ..هو داعش دة مننا مش مستوردينه .. دة مننا .. بل إن داعش دول منتمين وخرجوا من تحت عباءة أهل السنة .... داعش وبيت المقدس والنصرة والقاعدة خرجوا من تحت أيدينا احنا من تحت عباءتنا ... " إلى هنا إنتهى الإقتباس من كلام فضيلة المفتي ، وبالتالي فإنني أرى وأؤكد على أن تحرير الأوطان يبدأ بتحرير الفِكر والعقل وهي المعركة الأولى بالجميع أن يخوضها الآن قبل فوات الاوان وكذلك تنقية الخطاب الديني من الأراء الفقهية المخاصمة والمنافية للسلام والوحدة الإنسانية والقيم والفضيلة إذا كنا نريد بحق بناء دولة قوية ، وشعب متماسك ، وصورة صحيحة للدين حول العالم ، تدفع عنه شبهة الإرهاب والنحر والقتل والدم .. فالدولة القوية يا سادة هي الدولة التي لا تجعل المواطنين أسرى لرجال الدين وهي الدولة التي لا تلجأ لآلية الفتوى في كل كبيرة وصغيرة لتمرير قراراتها الدنيوية ومحاولة إضفاء شرعية عليها ، ولكم في قول الرسول عليه السلام أسوة حسنة عندما قال " أنتم أعلم بشئون دنياكم " ، فالفتاوى ليست ملزمة في الغالب ، وكي لا أنسى هناك بعض الأقباط طالبوا بأكشاك للفتوى أيضا أسوة بإخوانهم المسلمين وهؤلاء دعواتهم مرفوضة وغير مبنية على أسس مسيحية سليمة لأن المسيحية لا توجد بها فتاوى .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-