الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مسخرة "الطلاق الجماعي" لمتضرري الأحوال الشخصية والمطلوب من الكنيسة


موجة جديدة من موجات الشو الإعلامي ومحاولات الضغط على الكنيسة القبطية ولي ذراعها من قبل " بعض " ما يُطلق عليهم بــ " متضرري الأحوال الشخصية " لإصدار قانون الأحوال الشخصية بالشكل الذي يتماشى مع رغباتهم وأهوائهم الشخصية، حيث قام بعض متضرري الأحوال الشخصية كما يطلقون على أنفسهم بتنظيم حفل طلاق جماعي في إحدى القاعات لكي يوصلوا صوتهم للكنيسة حتى تستجيب لمطالبهم، وفي الحقيقة لست أعلم هل بمثل هذه الفعاليات ووصلات الشو الإعلامي المبالغ فيها وهذه الأفكار الغربية التي لا تتناسب مع عاداتنا وقيمنا وأخلاقنا يمكن لي ذراع الكنيسة ؟ خاصة وأن الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية لا يمكن لها أن تصدر قوانين تخالف تعاليم الكتاب المقدس والتقاليد الكنسية المسلمة للأباء في هذا الشأن، فلا طلاق في المسيحية إلا لعلة الزنا أو تغيير الدين ، ولقد قامت الدنيا ولم تقعد في عهد نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ضد قداسة البابا شنودة الثالث عندما أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما يسمح بالزواج الثاني للمطلقين حين رفض الحكم وقالها بأعلى صوت " نحن لا تلزمنا سوى تعاليم الكتاب المقدس والإنجيل في الأمور التي تتعلق بالأحوال الشخصية" ، وكلام قداسة البابا شنودة جاء انطلاقًا من القرآن الكريم حين قال " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه " وأيضًا استنادًا لقول الرسول عليه السلام " إذا أتاك أهل الذمة فأحكم لهم بما يدينون" ، وبالتالي لا يجب أن يدرك أو حتى يفكر بعض متضرري الأحوال الشخصية أو من يحركونهم أنهم يستطيعوا فرض إرادتهم على الكنيسة أو إجبارها على اتخاذ قرارات تخالف ضميرها وعقيدتها الإيمانية الراسخة بحفلات طلاق أو زواج جماعي أو مظاهرات أو تحالفات مع تيارات متشددة ضد الدولة والكنيسة، لأنهم لو زيّن لهم شيطانهم هذه الأفكار فهم في النهاية واهمون، وقال بعض المنظمون لحفل الطلاق الجماعي للأقباط أنه يعتزم مطالبة القضاء بإلزام الكنيسة بتقنين الطلاق، وفي الحقيقة لست أفهم ولا أعلم يعني إيه يلزم القضاء المصري الذي له كل الإحترام والتقدير وهو احد اعمدة استقرار الدولة المصرية الكنيسة بالتقنين ؟ خاصة وأن هناك نصا دستوريا يوجب إحتكام غير المسلمين من الأقباط واليهود إلى شرائعهم في الأمور التي تتعلق بالأحوال الشخصية ، كما أن الإسلام نفسه يؤكد  أن أهل الكتاب يجب أن يحكموا وفقا لشرائعهم في هذا الخصوص ، ويقول بعض متضرري الأحوال الشخصية أن محاكم الأسرة رصدت قرابة 400 ألف حالة من الأزواج المسيحيين الراغبين في الطلاق، وبغض النظر عن صحة هذا الرقم أو عدم صحته خاصة وان الكنيسة القبطية قالت أن عدد الحالات المتضررة من الأحوال الشخصية 6000 حالة فقط إلا أن ذلك ليس مبررا للضغط على الكنيسة القبطية ولوي ذراعها لتسلق القانون سلقًا وهو قانون يتعلق بإستقرار قطاع كبير من الشعب المصري وهم الأقباط وهو في رأيي قانون يتعلق بأمن مصر القومي ، وهذه ليست مبالغة ، فقد استطاعت بعض التيارات المتشددة والنتطرفة بل والإخوان والأحزاب الدينية استقطاب بعض الشباب الذين فشلت زيجاتهم ليكونوا خنجرا في ظهر الكنيسة وبطاركتها ، ولضرب الكنيسة ومحاولة تشويه صورتها بالباطل بنيران صديقة !

والحق أقول أن الزواج في المسيحية قرار مصيري بل هو أخطر قرار على الإطلاق ، وهو مثل قرار الحرب كما قال البابا تواضروس الثاني ، ولعل أسباب المشكلات التي يعاني منها كثير من الازواج والتي تصل في الغالب إلى طريق مسدود ينتهي في المحاكم بالطلاق وتتشرد الأسرة والاطفال ، ليست الكنيسة سببا رئيسيا فيها بل هي نتاج إختيارات متسرعة للمتزوجين دون دراسة أو حب حقيقي مبني على التضحية والبذل وتعاليم المسيح ومحبته وطهارته ، فهناك من الفتيات في مجتمعاتنا يتزوجن فقط للحصول على لقب متزوجة في البطاقة ، ولتجنب كلام الناس الذين يحشرون مناخيرهم وانفسهم في خصوصيات خلق الله في الأفراح والمناسببات عندما يسألون الفتاة " اتجوتي ولا لسه ؟ وعايزين نفرح بيكي ، وكلام الأهل الذي يضغط بشدة على الفتاة لكي تتزوج ويسيلوا اولادها !!! وهو ما يضغط بشدة على نفسية الفتاة فتتزوج لمجرد الزواج تجنبا للقيل والقال وهربا من حشر الناس مناخيرهم في خصوصياتها ــ وهي عادة خطيرة في مجتمعاتنا يجب التخلص منها واحترام خصوصية البشر ـ

ـ وتكون النتيجة زيجة بلا توافق ولا حب طاهر حقيقي ولا إنسجام روحي وأخلاقي وتنتهي بمشكلات تنتهي على أبواب المحاكم وساحات القضاء ، وهذا لا يجب أن نستثني منه الشاب أيضا الذي يتزوج لمجرد الزواج فقط دون حب حقيقي أو دون إرادته ، فهناك الآف من الشباب يغرهم منظر الفتاة وجمال طلعتها وتفاسيم جسدها وكم عندها من المال دون أن ينظروا لجوهرها أو أخلاقها أو أصلها أو نسبها ودون أن يعلموا أن جمال الجسد إلى زوال ويمكن أن يتغير في لحظة وأن جمال العقل والروح والخلق هي الأمور الباقية .

هؤلاء أيضا ً لا يكمل زواجهم وينتهي بالفشل ، وبالتالي ليست الكنيسة هي السبب الرئيسي والجوهري في المشاكل الزوجية بل الإختيارات والأهواء والإنحرافات الأخلاقية والتفكك الأسري ، وفي رأيي أن الكنيسة القبطية يجب أيضا أن تراعي ظروف كثير من الازواج ومعاناتهم في قانون الاحوال الشخصية الجديد بما يتوافق مع تعاليم الكتاب المقدس والأباء ، وسد الطريق على هؤلاء حتى لا يلجئوا إلى طرق ملتوية للزواج مثل تغيير الدين أو الملة أو الزنا ، نعم ، أو تشويه الطرف الاخر وتلفيق جريمة زنا له للحصول على الطلاق ، فما أتعس الحياة بين زوجين يعيشان فقط متجاورين بالجسد في منزل واحد وأرواحهما منفصلة بسبب زيجة لم يحسنوا فيها الإختيار ، وما أصعب وأمر زيجة تعرض فيها أحد الزوجين للخيانة الزوجية الفعلية أو على وسائل التواصل الإجتماعي كما نسمع ونقرأ ونشاهد كل يوم في الإعلام ..

حياة لا تطاق خاصة وأن الخيانة بكافة صورها جريمة ضد الله وضد شريك الحياة وضد الوصية التي أرتمن عليها الزوجين أمام هيكل الله المقدس ومذبحه الطاهر ، ومن يلجأ إليها من المؤكد سيعود إليها مرة اخرى .. إنها جريمة مرتدة .. كما انها تلغي وجود شريك الحياة من القلب والفكر والوجدان للتنعم بالحرام في أحضان الشيطان .. كما أنها جريمة مروعة للطرف الذي يتم خيانته لانها تحول حياته إلى جحيم لا يطاق لفقدانه الثقة الكاملة في الطرف الآخر الذي خان ، كما أنه ما أصعب الحياة بين زوجين غابت عنهما المودة والرحمة والبر وكثر بينهما العراك والشجار والضرب والإهانة والسب وسيطر على أحدهما داء الإدمان و.. و.. إلى غير ذلك من الجرائم التي فشلت كل المحاولات في إصلاحهما .

وبالتالي فالكنيسة يجب عليها أن تراعي كل هذه الامور والمستجدات وتراعي الأبعاد والتطورات المستقبلية وخاصة التغول المرعب لجرائم الخيانة الإلكترونية بين الازواج في المستقبل ، وكلي ثقة في أن الكنيسة تدرس قانونا للأحوال الشخصية يراعي كل هذه الأبعاد ويعالج المشكلات من الجذور وليس معالجة الأعراض والنتائج فقط ، كما يجب أن يراعي القانون المدة الزمنية للقضايا في المحاكم بحيث لا تزيد عن ستة أشهر ، والتوسع في أسباب التطليق لتشمل الخيانة الإلكترونية بكافة صورها واستحالة العشرة والعجز الجنسي الذي لا يرجى شفاؤه ، أو اكتشاف امور لم يصارح بها أحد الأطراف الطرف الآخر قبل الزواج مثل أمور تتعلق بسمعة العائلة أو سمعة الطرف الآخر أو اكتشاف أن الزوجة ليست بكرًا أو اكتشاف أن للزوجة أو الزوج علاقات غير شرعية مع شخصيات كانت على صلة بهما بعد الزواج أو الجنون .. فالله يريد رحمة لا ذبيحة ، فهناك أسر تموت كل يوم بسبب سوء اختياراتها وربما منهم من ينحرفون ويرتكبون الزنا الفعلي بسبب عدم وجود توافق بين الشريكين أو حب حقيقي أو لاستحالة العشرة ، ولعل قانون الأحوال الشخصية المنتظر والذي أثق في أن الكنيسة تدرسه بعناية من منظور محبة ورحمة الله وعدالته أيضا سيكون طوقا للنجاة لهؤلاء الذي يعانون من سوء اختياراتهم أو الذين فشلت زيجاتهم ، ولعل صدور هذا القانون سيكون له دور مهم في معالجة مشاكل الزواج من جذورها تفاديا لوقوع الطلاق ، وأيضا سيسد الطريق على المتاجرين بقضايا الأحوال الشخصية وقضاياهم ، وسيكون له دور مهم وبشكل غير مباشر على الامن القومي لأن بعض الذين يعانون من مشكلات في زيجاتهم قد يغيرون ديانتهم إلى الإسلام حتى يستطيعوا ان يحصلوا على الطلاق ثم بعد ذلك نراهم يعودون مرة أخرى للمسيحية وهذا امر قد يسبب فتن طائفية مصر في غنى عنها ، لأن الإسلام أو المسيحية أو أي دين لا يجب أن يكون مطية لبعض الأفراد يحصلوا منه على ما يريدون بالدخول فيه وبعد ذلك يرتدون عنه ، كما رأينا في بعض حالات قضايا العائدين للمسيحية ، كما سيقطع هذا القانون في حال صدوره الطريق على التيارات المتشددة والتكفيرية التي يمكن ان تستخدم بعض متضرري الأحوال الشخصية لتشويه الكنيسة وقياداتها والتحريض عليها ، واطالب أن يتم تشكيل لجنة لدراسة قانون الاحوال الشخصية تضم بجانب رجال الدين علماء نفس وإجتماع وقانون وأشخاص لهم قضايا طلاق أمام المحاكم والمجلس الإكليريكي لأن معاناة هؤلاء لو تركت دون حل ستضر باستقرار وطن بأكمله وليس باستقرار الأسرة المسيحية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-