الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وترجل الفارس عن صهوته.. مام جلال


حالة من الحزن تعيشها كردستان بوفاة الزعيم والقائد والرئيس جلال الطالباني بعد صراع طويل مع المرض. مرحلة عصيبة تمر على المنطقة من مشاحنات وتوترات قوموية ودينوية قد توصل المنطقة لحالة من النزاع بين الإخوة الفرقاء وتقطع ما كان يصلهم مع بعضهم البعض من التاريخ المشترك والثقافة والمصير المشترك.

ربما لو أن المام جلال يعيش الآن لنزع فتيل الفتنة والصراع الأخوي هذا قبل فوات الأوان، لأن هذا الزعيم يشهد له التاريخ بأنه رجل الحلول في أوقات الصعاب والأزمات التي مرت بها، فكان داهية ويعرف كيف يتغلب على الأزمات بفضل الحنكة التي كان يتمتع بها.

في أصعب أوقات النزاع والصراع التي كان يعيشها العراق عرف المام جلال كيف يعمل المستحيل لتجنيب العراق والعراقيين نار الفتنة المذهبية والطائفية، والكل يشهد له على ذلك العدو قبل الصديق إن كان داخل العراق أو خارجه، فهو أول رئيس غير عربي لدولة العراق بعد صدام حسين.

الصراع السني – الشيعي والعربي – الكردي أثناء الفوضى الأولى التي عمَّت العراق كان المام جلال بيضة القبان التي عرفت كيف تعمل التوازن بين الشعب العراقي وتجنيبه الصراع لسنوات عديدة.

وكذلك يشهد له الوضع الداخلي الكردي المليء بالتناحرات الحزبية التي تبحث عن مصالحها الضيقة في عالم بات لا يعرف معنى الحدود السياسية ولا المصالح العائلية والعشائرية ولا الحزبية، فكان المام جلال بوصلة الأمان في المعادلة الكردية كما كان في العراق.

حالة الشحن الموجودة الآن بين الكرد والعرب يلزمها شخصية مثل المام جلال تبحث عن الحلول بدلًا من التقربات العاطفية القوموية الشوفينية التي تنكر كل شيء في لحظة من الزمن حينما لا تتوافق وعقليتها التي تعيش في القرون الوسطى.

الكل كان يبحث عن طريقة وأسلوب والتشرف بلقاء المام جلال أثناء نضاله في جبال كردستان أو كفاحه من أجل تحقيق حلم شعبه في الحرية والكرامة، وكذلك الأخوة العربية – الكردية التي لطالما نحن بحاجة إليها في رهاننا أكثر من أي وقت مضى، لكن الفارس ترجل عن صهوته ولم يبقّ له سوى الذكرى الخالدة.

ارقد بسلام أيها الرئيس ولا تفكر بما تركته من إرث ثقيل خلفك، فالمسيرة مستمرة وهناك الكثير ممن سيحمل من أعبائك وحلمك ليوصلها لبر الأمان الذي لطالما كنت تحلم فيه وهو العيش في بلد يكون فيه الإنسان هو إنسان.

سيبكيك الكرد وكذلك العراقيون الذين عرفوا عنك الكثير وتعلموا منك أنَّه لا يمكن أن يعيش الإخوة التوائم بعيدًا عن بعض، وأنَّ ما زرعته من محبة سيجنيه الأحفاد وإن كان بعد حين.

ارقد بسلام ومحبة أيها الزعيم ولا تأكل همَّ أن ما زرعته سيذهب سدىً لأن التاريخ هو الذي سيكون الحكم وليس من جعلوا من أنفهم حالة طارئة على صفحات التاريخ لا يمكن لها أن تغير مجرى التاريخ والمستقبل الذي يسير بإرادته هو وليس كما تشتهيه الظواهر الصوتية.

ارقد بسلام أيها الانسان المام جلال وكلي حسرة أقولها لك إنه كيف كان معظم القادة والرؤساء الدوليين والإقليميين وعلى رأسهم إخوتنا العرب ضد الاستفتاء، هم كذلك في موتك أيضًا، لم يأتِ أحد ليودعك وليلقي عليك السلام الأخير، لكنهم أرسلوا لك تعازيهم الافتراضية عبر الأثير من خلال شاشات التلفزة لا غير.

لكن أعلم أيها الزعيم أننا سنحمل رايتك ونتابع المسيرة بكل محبة وبروح النكتة التي لم تفارقك أبدًا ونقول للآخر إننا ما زلنا نحبكم بالرغم مما أنتم فيه وما تحملونه علينا في داخلكم.

نمَ وارقد بسلام لأننا على يقين أنَّ الشعوب التي ودعتك ستحلم بك دائمًا لأنك خالد في وجدانهم، وتترحم على من بقي في عالم يسوده الأحياء الأموات.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط