قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أوراسيا "منطقة الارتطام " لبلورة نظام دولى جديد متعدد الأقطاب


تشهد المنطقة الممتدة من حدود أوروبا الغربية على المحيط الأطلسي حتى ضفاف الصين وروسيا على المحيط الهادئ في الشرق، والمعروفة جغرافيا باسم "أوراسيا" حالة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية ومشاريع البنية التحتية من الطرق والسكك الحديدية وأنابيب نقل الطاقة وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الثنائية أو متعددة الأطراف.

تهدف هذه التفاعلات في مجملها إلى تحقيق تغيير جذري في النظام الدولي والحد من الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، ودعم دور ونفوذ الدول القارية في المنطقة الأوراسية، الأمر الذي يضع "الأطلنطية" مقابل "الأوراسية" في السياسة والاقتصاد والثقافة، مما يشكل تحديًا حقيقيًا للسياسة الأمريكية.

ففي كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى- السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيواستراتيجيًا"، يرى زبيجنيو بريجنسكي مستشار لأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر بين عام1977 و1981، أن أوراسيا تشكل مكمن التحدي السياسي والاقتصادي للسيادة الأمريكية على العالم، وأن قوة أوراسيا تفوق بشكل كاسح قوة أمريكا.. إذ تضم أوراسيا ثلاثة أرباع مصادر الطاقة في العالم، وهي أكبر قارات العالم، وفيها معظم ثرواته وفيها ست دول ضخمة من الناحية الاقتصادية و العسكرية، والدولتان الأكثر سكانًا هما الصين والهند، والدولة الأكبر مساحة وهي روسيا 17.1 مليون كيلو متر مربع.

فالأوراسية ليست جغرافيًا فقط، بل باتت مشروعًا أيدولوجيًا وفكريًا تجمع حولها الحالمون بتحدي الهيمنة الأمريكية في العالم، منذ عام 1944 عندما قسم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "ييل" الأمريكية، الجغرافيا الأوراسية إلى قلب قاري هو روسيا، ولها امتداد بري يتجاوز 17 مليون كيلومتر مربع ، وإلى هلال كبير من الدول الساحلية، وتشمل كل أوروبا وشبه الجزيرة العربية والعراق وآسيا الوسطى، وإيران وأفغانستان والهند وجنوب شرق آسيا والصين وكوريا، وكل هذه الدول لها مكانتها الجيوسياسية، ولديها إمكانات اقتصادية مهمة.

منطقة الارتطام والتنافس
منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقًا للمنظور الاستراتيجي والأهمية الجيوسياسية، تشكل المنطقة الأوراسية " منطقة الارتطام" في تنافس القوى الإقليمية والدولية الكبرى للسيطرة والهيمنة على العالم.

وبدا مع الطرح الروسي رؤية "أوراسيا الكبرى" والطرح الصيني من خلال مشروع "حزام واحد، طريق واحد" أن ثمة تنافسًا إقليميًا تشهده المنطقة الأوراسية، بين العديد من القوى ومنها اليابان والهند الصاعدة اقتصاديًا وتكنولوجيًا وتقنيًا، للقيام بدور كبير على الساحة الدولية من خلال توثيق علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي إما بتوقيع اتفاقيات ثنائية أو مع منظومة مجلس التعاون ذاته مزاحمة في ذلك اليابان.

فضلًا عن أن العلاقات بين الصين وروسيا ليست في أحسن حالاتها، إنما تشهد صراعًا خفيًا من أجل السيطرة وإدارة دفة المنطقة الأوراسية وفق المصالح الاستراتيجية لكل دولة، ومن هنا كانت منظمة شنغهاي أحدى أهم الأدوات السياسية والاقتصادية التي لجأت إليها روسيا لمواجهة قوة النفوذ الصيني.

ولمواجهة تلك الطموحات الأوراسية تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على توثيق علاقاتها مع بعض دول المنطقة كحليفة لها مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أو دول محورية في المنطقة الأوراسية، للتصدي لمشروع الهيمنة الصيني من خلال رؤية أمريكية استراتيجية مفادها التعامل مع المحيطين الهادي والهندي كوحدة استراتيجية واحدة لمواجهة الامتداد القاري الأوراسي.

وإذا كانت الصين استطاعت أن تعزز قدراتها البحرية وأن تنشئ أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، فإن واشنطن ما زالت لها السبق في الأساطيل العسكرية في أعالي البحار وانتشار قواعدها العسكرية في العديد من دول المنطقة الأوراسية والعالم أجمع، ولكن بكين أدركت أن تغلغل نفوذها لن يكون إلا من خلال تطوير الممرات البرية من خلال مشروعها المعروف باسم "حزام واحد، طريق واحد" وإحياء طريق الحرير القديم، الأمر الذي أثار رغبة بعض دول المنطقة الأوراسية في احتواء أو منافسة المشروع الصيني من خلال تطوير شبكات من البنية التحتية البرية.

ميلاد نظام عالمي جديد
إدراكًا من دول المنطقة الأوراسية لأهمية تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي فيما بينها، مما يتطلب شبكة قوية من الطرق وشبكات النقل وتدعيم القطاع اللوجيستي، بدأت دول المنطقة في سد هذه الثغرة من خلال المشروعات المشتركة في مجالات البنية التحتية، من أجل تنشيط التعاون الاقتصادي بين مناطق مختلفة في الإقليم الأوراسي، بما يحقق فوائد اقتصادية وسياسية.

يترتب على ذلك ظهور أنماط جديدة من التفاعلات الدولية فاعليها من غير الدول، مما يعني أن الشركات والمؤسسات الاقتصادية العملاقة سوف تكون ذات أهمية قصوى في معادلات المنظومة الدولية، ومن هنا يصبح الموقع الجغرافي للوحدة السياسية ـ أي الدولة ـ متغير وظيفي مهم إذ تتحدد أهمية موقع الدولة قربًا أو بعدًا من الممرات البرية " الممرات اللوجستية الاقتصادية".

وبالتالي سوف يصبح التنافس على الهيمنة العالمية بين الأوراسية في مواجهة الأطلنطية مرتبطًا بالسيطرة على هذه الممرات الاقتصادية التي تتميز بها الأولى على الثانية، ومن ثم يصبح أساس القوة في النظام الجديد هو الاقتصاد وأن الدول سوف تستمد قوتها من السيطرة على شبكات النقل والمواصلات والأسواق الاستراتيجية والمؤسسات المالية.

وفي السباق نحو استدامة الهيمنة على العالم، يطمح الأمريكيون لإبقاء توازن قوي يمنع الروس أو الصينيون من الهيمنة على هذا المجال الأوراسي، أي منع ظهور قوة هيمنة إقليمية على أوراسيا، ولكن يصعب على واشنطن أن تحكم العالم، على الرغم من كونها قوة عظمى، لأنها تتحرك من خلال إدارة توازنات القوى الإقليمية، ومن هنا فإن عملية التنافس بين الأوراسية والأطلنطية يحكمها استمرار العولمة الاقتصادية، بما يفضي إلى قيام "هيمنة تعددية" تحل محل "الهيمنة الأحادية" من جانب الغرب، وهو ما يحمل بوادر التوجه نحو ميلاد نظام عالمي جديد.