عمرو على يكتب: ما هي فرص أن يقول الشعب "لا " للدستور

يبدوا
إجابة هذا السؤال لدي الكثيرين محسومة بإنه لم يحدث من قبل أن خرج الشعب
ليقول " لا " لأي دستور وللموضوع أسباب نفسية وتاريخية قديمة تتمحور
أغلبها في تابوه كلمة " لا " التي كانت دائما تعني الإنكار والرفض
ويفسرها العالم الشعبي بمن يريد أن يوقف " المراكب السائرة " فكلمة
" لا " تحمل دائما مدلولات سلبية لدى خلفيات البيئة الشرقية الأبوية
التي دائما ما تحترم ما يملى عليها من الرئيس أو الحكومات " هو إحنا هنفهم
أكثر منهم " .
أضف الى ذلك نسبة الأمية المرتفعة في وطن تتغذى تيارات سياسية
بعينها من تفشيها في المجتمع ولا يقرأ أفرادها نصوص القوانين بل " تقرأ
" لهم من تلك التيارات السياسية التي لها غرض أساسي في تمرير مثل هذه
الدساتير وإختزال مواده في بعض الشعارات الدينية والتي يحلوا للتيارات الدينية
بعثها من جديد عندما يحتاجون الى وازع ديني للموافقة من الشعب على تمرير أي قرار
أو قانون ، فيكفي بالطبع الخروج البهي لأحد المشايخ لوصف مواد الدستور بأنها
مطابقة لشرع الله أو تسعى لتطبيق شرعه ليتقاطر المواطنون المؤمنون على طوابير
الاستفتاء معطيا موافقتهم السامية على مئات القوانين للحصول على " صك الغفران
" والذي يسمح لهم نفسيا بالنوم في فراشهم مطمئنين على أنهم قاموا بمهمتهم
المقدسة في إعلاء كلمة الله في الأرض وتطبيق شريعته – حسب ما يظنون ".
لكن السؤال
الأهم بعد هذه الدفعة من التفاؤل التي بثثتها لكم وبشرت بموافقة الشعب على دستور
وصفه المتخصصون بأنه عنصري الى أقصى درجة ورفضه صيغته الأولى أغلب القوى المدنية
في البلاد ، السؤال هو هل هناك إذا أمل في أن يحطم الشعب التوقعات ويقول " لا
" لهذا الدستور التي تبشرنا مسودته الأولى بالعودة للبلاد لما قبل عصور
النهضة ؟؟ .
بالعودة قليلا للوراء وللمقارنة بين ما سيحدث وما حدث في استفتاء مارس
2011 والمشاركة الكبيرة في أول إستفتاء حقيقي بعد ثورة 25 يناير فإن ما روج له
التيارات الدينية من تمرير الاستفتاء بنسبة وصلت الى ثلثي عدد الحاضرين الذين
وصلوا لرقم 19 مليون مواطن بسبب ما أسمته تلك التيارات وقتها بغزوة الصناديق
المبنية على المادة الثانية في الدستور وتطبيق الشريعة وأن إعطاء الخيار "
نعم " يعني الموافقة على تطبيق شرع الله وأن الإختيار " لا " هو ضد
شرع الله وتطبيقه ، وأن نسبة التصويت مع هذه التعديلات بهذه النسبة المرتفعة تعني
إنتصار للتيارات الدينية وهو ما أثبت – قبل ذلك – في مقالات سابقة وبدراسة موثقة
كذب هذا الإدعاء الذي إستغله " الملالي " الجدد في تحقيق مكاسب
جيوسياسية في الانتخابات البرلمانية اللاحقة لأسباب نفسية .
لكن أيضا ما ظهر لنا
في هذا المثال الحي في مارس 2011 أعطانا كذلك دليلا على فشل " النخبة "
السياسية التي قدمت نفسها على أنها الحاكم والمسيطر الجديد على البلاد بعد الثورة
ودعوتها كقوى مدنية للتصويت بلا لأسباب رأت فيه عمليا الدعوة لدستور أولا قبل
الانتخابات البرلمانية والرئاسية وما هو ما أثبت بعد ذلك صحته حتى لو أخطأنا في
الانحياز للاختيار نعم لأسباب أخرى غير " تطبيق الشريعة " والمادة
الثانية وهي حسب الدراسات والاستطلاعات بتعجيل عملية الإنتقال الفعلي للمؤسسات
المتكاملة وهو ما تساوى فعليا بعد ذلك مع المدة الزمنية لمن قال لا أو نعم في
حقيقة الأمر ؟؟
شغلت نفسي بعد ذلك بفترة طويلة بمقارنة نفس الأرقام في المحافظات
المختلفة في استفتاء مارس 2011 وما خلصت له نتائج البرلمان المنحل في نهاية العام
والخروج بما أسميته " الرقم الحرج " لكتلة الإخوان المسلمين الحقيقية
وعدد المتعاطفين معها واستغلال تلك الحقائق الرقمية في الانتخابات الرئاسية
والتحرك السريع في المنطقة الرمادية والتي تمثل الكتلة المتحركة بين المتنافسين
وهي التي تشكل المنافسة الحقيقية في أي انتخابات من أي نوع عبر جذب تلك الفئة
دائمة التحرك الى صفوف جديدة في كل مرة .
واستغلت حملات المرشحين في الانتخابات
الرئاسية في المرحلة الأولى هذا التذبذب في تلك المرحلة وهو ما حذرت منه وقتها –
وأوضحت أنه دائما في المراحل الأولى للعمليات الانتخابية ذات البدائل المتنوعة
يكون مفتاح العبور للمرحلة الثانية هو " التركيز " وفقط على مؤيدوك
الطبيعيين لذلك ليس من المفاجأة بالنسبة لي على الأقل أن يكون طرفي معادلة الجولة
النهائية المرشحين الوحيدين اللذان حددا منذ البداية نوعية المؤيدين الذين ركزوا
حملاتهم الانتخابية عليهم وشهد انهيار واضح لشعبية كل المرشحين الذين تلاعبوا على
كل الجهات وقدموا أنفسهم بإنهم مرشحي كل المصريين ولم يعترفوا بالانقسام الذي حدث
في المجتمع المصري.
فانحازت الكتلة الحرجة للإخوان المسلمين فقط كما توقعت لمرشح
الجماعة متخطية الفئة الرمادية التي فضلت – كتوقعات الدراسة الرقمية – إختيار محمد
مرسي لأنه ليس مرشحها الوحيد الأصيل وأختار دعاة الاستقرار والدولة العميقة وبعض
التيارات الدينية الأثينية بفضل الانتماء احمد شفيق فيما فشل البقية في تحديد
مؤيديهم الحقيقيين بالنسبة الكافية للانتقال للمرحلة الثانية والنهائية وحققوا
أرقام لا يمكن العويل عليها كثيرا في تحديد تأيدهم الحقيقي فحمدين صباحي على سبيل
المثال مثل التصويت له خيارا إستراتيجيا لمن لا يريد مرسي – شفيق وخصوصا بعد
التأثير المدمر لمناظرة موسى – أبو الفتوح والتي منحت خيارا مثاليا للمنطقة
الرمادية وأهدت لصباحي أصوات انتقامية مهتزة من جميع المرشحين لم تكن في الأصل
إقتناعا به وببرنامجه الانتخابي أكثر من أنه مثل خيارا وحيدا ووسطيا بين جميع
المرشحين ، وبالعودة للأمر الأول في استفتاء مارس 2011 والثانية في الانتخابات
البرلمانية كانت نتيجة تراجع الارقام التي توجهت للإخوان ومرشحيهم و" رغباتهم
" في المراحل الأولى دائما أقل مما يتصور البعض والا لفاز مرشحي الإخوان
والسلفيين الممثلين " للتيار الديني " في الانتخابات البرلمانية
بالمقاعد الفردية بالجولة الأولى بنفس نسبة الموافقة على تمرير التعديلات
الدستورية بمارس 2011 وهو مالم يحدث تماما إلا بانحياز الكتلة الرمادية وبحسن
التنظيم والتحالفات المختلفة في المرحلة الثانية لفردي البرلمان وهو ما يفسر أيضا
بطبيعة الحال الرقم الذي حصل عليه المرشح الاخواني محمد مرسي في الجولة الأولى من
الانتخابات البرلمانية المقارب للكتلة الحرجة للإخوان المسلمين.
مضاف إليها بعد من
التكتلات السلفية والتي نحاذ من ذهب منها للانتخابات بعد خلو التنافس من مرشح سلفي
واضح بعد خروج الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل من السباق متأخرا وعدم قدرة التيار
السلفي على النزول بمرشح جديد في ظل وقت ضيق وشروط قاسية ومغلقة ، وإنحياز أخر
للمرشح المحسوب – شاء أو أبى – ابو الفتوح لأصوات السلفيين ولكن بشكل غير مؤثر
وأقل من الكتلة الحرجة للسلفيين والتي تمثل أعدادهم الحقيقية في الانتخابات ،
الشاهد إذا هو أن المرحلة الثانية والنهائية في إنتخابات الرئاسة شهدت مادة خصبة
لنظريتي حول إتجاهات التصويت والخيار الثاني عند الناخب المصري وتحولت "
المعركة الانتخابية " بسبب طبيعة المتنافسين النهائيين الى صراع بين مدنية
الدولة وتحولها الى دولة دينية وأحسن الاثنين في إستغلال ذلك الصراع لينحاذ
الناخبيين لأحد المعسكرين الكبيرين وكانت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية
وما وصفته حينها بالنتائج " الكاذبة " بسبب طبيعة تلك الانتخابات وقانون
وطريقة إجرائها والا لحصل مرسي على نتيجة نهائية تتجاوز الثلثين من أعداد الناخبين
وهو ما لم يحدث .
والحقيقة أن النتيجة النهائية هي انتصار لمدنية الدولة رغم فوز
مرسي " الظاهري " لأن سياسة التصويت العقابي قد طال شفيق بشكل أكبر من
مرسي وانحازت قوى ثورية عديدة وضد من أسمته " الفلول " الى صفوف مرسي الإخوان
رغم أنها قوى مدنية بالفطرة وهو ما قدرت قوتها التصويتية بأكثر من مليوني صوت وهو
ما صعد بدعاة الدولة المدنية والمدافعين عنها لو أضيفت فعليا لكتلة شفيق المدنية –
بالفطرة – الى حاجز الاقتراب من ثلثي الأصوات الحقيقية وأكد لي على الأقل صدق
الرقم الذي حددته للكتلة الحرجة لأرقام التيار المدني بأكمله في مصر والذي لن
يتعدى حاجز ال 40% من الأصوات وهو ما أنتبه إليه الدارسون جميعا للحالة المصرية
السياسية ، وبذلك أكون قد اقتربت من الإجابة على السؤال المتمحور عليه هذه المقالة
" ما هي فرص أن يقول الشعب " لا " للدستور ".
وباستخدام نفس
طريقة التحليل النمطية المستخدمة فإن فرص أن يقول الشعب " لا " للدستور
ستكون كبيرة لو كان الصراع سيتمحور حول مدنية الدولة أو تحويلها لدولة دينية وهذه
اللعبة التي يلعبها التيار الديني يمكن أن تنقلب عليه هذه المرة ويمكن للتيار
المدني بطبيعة الحال أن يلعبها بفاعلية هذه المرة انتصارا للدولة المدنية التي
يدين لها 60% من الاصوات الانتخابية في اي انتخابات قادمة فيما بين خيارين وحيدين
، إن مفتاح الرفض لهذا الدستور العنصري الذي يعد هو توحد التيار المدني بأكمله نحو
رفض هذا الدستور خوفا على مدنية الدولة ، إنها الجملة السحرية التي ستجمع الدولة
التي انقسمت على نفسها مع توصية خاصة بتحويل " لا " الرافضة الى "
لا " المقدسة التي لها أيضا دلالة دينية واضحة يمكن استغلالها بنفس الشكل
بإثبات أن " لا " المقدسة هي أقوى إثبات إستخدمه الدين في إثبات وتأكيد
وجود الله في استغلال جملة " لا اله الا الله " والتي تدل
للوهلة الأولى أن " لا " هي الإثبات الديني الأول لوحدانية الله ،
وتحويل مجرى التاريخ للمرة الأولى واستغلال هذا الانتصار لعودة التمثيل الحقيقي
للتيار المدني في البرلمان القادم بداية من الدستور الذي سيقول عليه المصريون
" لا ".