الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سياسة الاختلاف


يومًا ما تتقلب القلوب مهما كانت على وفاق ووئام، هذه سنة من سنن الحياة، سنة الاختلاف، قد يكون الاختلاف في الرأي وقد يكون اختلافا في التصرف ورد الفعل.. فهل من الممكن أن يتحول الاختلاف إلى خصام ونزاع؟ في الكثير من الأحيان لا يحترم البعض مفهوم الاختلاف فيسارع برد فعل عنيف قد تصل إلى الذم والقذف وقد يصل إلى جرح الآخرين، ما يجعل الأمر يتحول إلى قضية فكرية عميقة هل تبقى على ود ومعرفة بذلك المخالف لرأيك أم تبتعد عنه حتى تحافظ على الذكرى الطيبة.

عن عبد الله بن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال؛ حتى يخرج مما قال"، والخصام في الباطل يحدث كثيرًا بين الناس لذلك أمرنا الله عز وجل بحسن الظن بمن حولنا وتجنب الكثير من الظن فإن بعضه إثم، ومن أبشع العادات أن تتحول إلى حالة من الخصام تجرح فيها من حولك وتحاول الإساءة لهم بشتى الطرق وأنت تخفي بنفسك ما لا تبديه وتحاول أن تسيء لهم وتحول الفضل إلى المن والأذى فينفر من حولك منك ويحاول الابتعاد عنك ويكأنك تسكب الرمال على طبق من الأكل الطازج طيب الرائحة.

فالعمل الصالح تفوح منه رائحة الخير وتزداد معه الحسنات في الميزان، فإذا ما ألحقته بتذكير فضلك على من حولك وإذلال من قد ساعدت يومًا ما تتحول الحسنات إلى سيئات بالتجريح والمن.. فإذا كنت من أصحاب الافضال حاول دائما أن لا تلحق فضلك بالمن والأذى والتباهي أمام من ساعدته ببطولاتك وإنجازاتك فيدير الله عنك وجهه يوم القيامة من هول إذلالك لعباده.

حاول أن لا تحول العلاقات الطيبة بين البشر إلى خصومة وعداوة وتذكر أن العفو والتسامح من أهم صفات المتقين. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" انزع الكبر الذي لا يصل بصاحبه إلا للهلاك وحاول أن تكون من أصحاب القلوب الكريمة التي لا تعرف غلًا لأحد ولا تحمل العداوة والبغضاء لخلق الله.

خُلِقت الحياة على اختلاف وهذا شيء طبيعي نختلف جميعًا في الشكل والصفات وردود الأفعال، ونتوحد جميعًا في التكوين الترابي وقد خلقنا الله عز وجل أُمما متعددة كما قال تعالي وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ والخلاف في الاختلاف هو ما قد يحدث من ردة فعل عنيفة من بعض الناس تؤدي إلى الفرقة والبغضاء وتشتت المجتمع وينتج عنها القطيعة والبعد وتتفرق الأمم وتزهق الأرواح وتنتشر الفوضى.

اذا اختلفت مع غيرك من البشر فلتكن كيسًا فطنًا في ردة فعلك فالعنف والمعايرة وتذكر الأفضال وسوء الظن بالناس وإلقاء التهم الباطلة عليهم ومحاولات الإساءة لمن يخالفك في رأي أو موقف لا يؤدي في النهاية الى التسامح والعفو والصفاء، إنما يؤدي إلى الابتعاد والقطيعة.. قبل أن تقوم بردة فعل عنيفة اذا اختلفت مع الآخرين تذكر أن الأشهاد يشهدون عليك أنك خالفت شرع الله عز وجل في كظم الغيظ والعفو عن الناس وحسن الظن بالعباد.

يقول المولي عز وجل "بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" والخصمون: هم من يُبدعون في الخصام حتى أصبح يمثلهم، يبالغون في ردة فعل لا تتناسب مع المواقف ويتفنون في تناولها بكل الأشكال حتى يسيطروا على من حولهم ويقلبون الحقائق حتى يديروا المواقف وفقًا لما يناسبهم، وقد أمر الله تعالي بالعدل في الأقوال حيث قال "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُرْبَى"، فإن أسوأ ما في الخصام أن يقول المخاصم فيك ما ليس فيك، إساءة في حقك وتتحول الصفات المحمودة لديك على يد المخاصم إلى صفات مذمومة ويحاول أن يتصيد لك أخطاء ويحورها حتى يوقع بك في براثن الغضب، فإما أن تبتعد وتتجنب الفجور في الخصام، وإما أن تجاري المخاصم في ردوده ويزداد تأزم الموقف حينها بين الطرفين، تذكر دائمًا أينما كنت أن هذه الحياة زائلة ولا تتحمل الخَصِمين فَاعْفُو وأصفح وكن كالطِيب بين الناس عطر الرائحة وعطر الأفعال.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط