الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل ما بعد "داعش" سيكون مثلما قبله؟


تم الإعلان عن تحرير آخر مدينتين كان قد استولى عليهما تنظيم "داعش" الارهابي منذ سنوات ثلاث، وهما مدينتي القائم العراقية والبوكمال السورية. هاتين المدينتين التوأمان الواقعتين على الحدود الفاصلة ما بين العراق وسوريا باتتا محررتين من قبل مجاميع مقاتلة من قِبل مليشيات الحشد الشعبي العراقية ببعض فصائلها التي عبرت الحدود السورية وقامت بحصار هذه المدينة وتحريرها قبل أن يصلها الجيش السوري مع الفصائل التي تقاتل معه.
المفارقة هي أن فصائل الحشد الشعبي التي حررت البوكمال عبرت الحدود حتى من دون موافقة العبادي المسؤول المباشر عن تحركات القطعات العسكرية على الأرض العراقية، ولكن لم نسمع من أحد أي اعتراض على هذا العبور، التي تعني فيما تعنيه أنَّ أي هذه الفصائل لا تعترف بالحدود المقامة وهي نفس تقربات التنظيم الارهابي "داعش" التي لم تعترف بالحدود الموجودة بالأصل، وراحت تتنقل من هذا الطرف إلى ذاك من دون حسيب أو رقيب أو حتى معترض. طبعًا، هذا الأمر ليس مهمًا الآن بقدر الانتصار الذي تحقق على التنظيم الإرهابي من جهة، ومن جهة أخرى أنه تم ربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان بريًا. أي أنه تم القضاء على الهلال الـ "داعشي" مقابل انتصار الهلال الشيعي. ولم يتغير في الأمر شيئًا آخر.

الأمر الآخر الملفت هو أن هذه الدول أعلنت الانتصار على المخطط الفربي الامبريالي الماسوني الذي كان يسعى لتفتيت المنطقة، وهو انتصار لا يقل أهمية عن انتصارات اكتوبر في سبعينيات القرن الماضي، وفق قراءات الدول المنتصرة طبعًا. وتم التلويح بعصا الانتصارات التي تحققت رغبة فيها بترهيب الشعب من القيام بأي عمل أو ثورة يمكن التفكير بها في المستقبل والتي ستكون فاشلة ومهزومة.

لا نريد التقليل من هذه الانتصارات بقدر ما نتمنى أن تكون دائمية وعلى كافة الصعد وليست العسكرية منها فقط. نعم، اتفق مع الذين يقولون أنه كانت هناك مخططات تقسيمية غربية تريد النيل ومن كرامة الإنسان وتمزيق الوطن، لكن الأهم هو أن نفتش عن الأسباب الحقة التي أدت إلى الوصول لهذه النتيجة التي من خلالها ظهرت مجاميع ارهابية استفادة من قناع الإسلام في نشر دويلتها الافتراضية.

ثقافة الفاسد التي كانت تضرب كافة المؤسسات الفكرية منها والعملياتية في منطقتنا يمكن اعتبارها السبب الرئيس في الحالة التي عشناها إن كان في سوريا أو العراق أو حتى في مناطق أخرى. فبدون القضاء على الأسباب لا يمكننا القضاء على الداء من خلال بعض الروشيتات الجاهزة التي حفظناها من كثرة تكرارها من قبل الأنظمة الحاكمة. 

القضاء على "داعش" عسكريًا لن يغير في المعادلة شيئًا آخر كما يقول الكثيرين أنه ربما تظهر بشكل أو لباس آخر. وينبغي على الدول الحاكمة أن تنتصر على الأفكار التي أدت لظهور مثل تلك أو هذه التنظيمات والمجاميع الإرهابية. فبدون تغيير الذهنية الاستبدادية والاقصائية والاستعلائية السلطوية لا يمكن إعلان الانتصار على الارهاب والارهابيين. لأن السبب الرئيسي لظهور هذه التنظيمات كان ثقافيًا قبل أن يكون تدخلًا خارجيًا. 

ثقافة الفساد الادراي والمالي والمؤسساتي والعقلية السلطوية التي لا تقبل بالآخر والظلم والسرقات والنهب والسجون وربط كل شيء بالمركز وإهمال الأطراف، تعتبر من أهم العوامل التي ساعدت على ظهور الإرهاب بكل مسمياته وأشكاله ويلعب العامل الخارجي دور المساعد فقط لا غير.

فبزوال "داعش" عسكريًا وأمنيًا فقط لن تزول الأسباب لظهور تنظيمات ارهابية أخرى بمسميات مختلفة، مثلما أنه حينما تم القضاء على صدام لم يتخلص العراق من حالة المأساة والتراجيديا التي كانت معاشة، بل اتجه العراق نحو الأسوأ. كذلك ليبيا وتونس واليمن أيضًا ستكون سوريا كذلك ويجب أن لا ننسى اقليم كردستان بعد الاستفتاء أيضًا.

الانتصار يدب أن يكون على العقلية والذهنية القديمة المولدة للتطرف وليس الانتصار العسكري فحسب. الاعتراف بالشعوب والمكونات الأخرى ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا هو من العوامل الهامة في المسير نحو الانتصار الحقيقي، وكذلك إعطاء المرأة الأولوية والمكانة المناسبة لها كي تقرر هي ما تريده لأن المرأة في النهاية هي من تصنع المجتمع ولأنها هي من عانت أكثر من الجميع من الإرهاب خاصة لما شهدناه من عمليات بيع وسبي تعرضن لها تحت اسم الدين.

فشكرًا للسيدة لمساء بشار الايزيدية التي حضرت منتدى الشباب العالمي وألقت كلمة فيه والتي اعتبرت من أهم ما قيل في هذا الحضور العالمي الذي رعته مصر. لمياء عن محنتها أثناء سبيها وهروبها بعد ذلك قالت في المنتدى إننا "كضحايا الارهاب نعفو عنكم ونسامحكم، ولكن هل تملكون الجرأة كي تعترفوا بذنبكم". هي نفس الجملة التي يمكن أن تقال لمعظم الحكام في منطقتنا في أننا سنعفوا عنكم فيما اقترفته أيديكم بحقنا، فهل ستتواضعون وتعترفون بذنبكم فيما وصلنا إليه بسببكم"!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط