الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما تكون القدس ضحية تعصبنا القوموي والديني


لا جديد لدى معظم حُكامنا وشعوبنا ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين سوى التخبط والغرق في مستنقع التعصب القوموي والديني الآسن. كل يوم نصرخ ونبكي علَّها تأتي الشرعية والقوانين الدولية التابعة لقوى النهب والربح الأعظمي، أن تأتي لتغيثنا وتُخرجنا مما نحن فيه. ننتظر النجدة والخلاص من الآخر، الذي هو بنفسه من أوقعنا فيما نحن فيه. ظاهرة تراجيدية نعيشها بكل إرادتنا ووعينا وكأننا نسير نحو الهاوية وما زلنا نلطم ذاتنا وكأنه القدر المحتوم.

ما زلنا نشتم أمريكا وروسيا وأوروبا لأنها تعيث بنا فسادًا وتقسمنا وتقتلنا لتنهب خيرات جغرافيتنا الوطنية التي لم ننتمِ لها في أي يوم من عمرنا الذي نتحسر عليه أننا قضينا على هذه الجغرافيا، وبنفس الوقت الذي نلعن ونصب جام غضبنا على الأعداء المحتلين الغاصبين الناهبين الامبرياليين الغربيين، في نفس الوقت نبيع كل ما نملك ونلهث خفافًا وثقالا علَّنا نحصل على هجرة شرعية كانت أم غير شرعية لتلك الدول التي نسبها ونلعنها ليلًا ونهارًا.

حالة من الانفصام في الشخصية نعيشها في راهننا وما زلنا نتشبث بماضينا ونتغنى به ونحلم أن يعود يومًا كي نحس بذاتنا التائهة بين ثنايا أفكارنا المتأرجحة بين الماضي المفقود والحاضر اللعين والمستقبل المجهول. نرمي بكل نواقصنا وسلبياتنا على الآخر لأنه هو السبب فيما وصلنا إليه من حالة يُرثى لها. وإلى الآن لم نرجع إلى ذاتنا ونتعرف عليها كي نكون "نحن" وليس الآخر. نقلد الآخر بكل شيء في ملبسنا ومأكلنا ونومنا وطريقة عيشنا وحتى في نمط تفكيرنا نقلدهم، على أنها المنطق والعقلانية التي يجب أن نجرَّ أنفسنا إليها، وكأنه لا منطق ولا عقلانية سوى في تقليد الثقافية الرأسمالية الاستهلاكية التي لا تُنتج في النهاية سوى مجتمع نمطي غريب عن ذاته وعن مجتمعه.

تاريخنا ومجتمعنا الذي اغتربنا عنه وبتنا لا نتذكره إلا في القصائد الشعرية والأحلام وعند حكواتيي المقاهي حينما يقص علينا سيرة عنترة وألف ليلة وليلة، هذا كل ما يربطنا بالتاريخ والماضي الذي لا يخرج عن إطار الحكاية وتسلسل الأرقام التاريخية.

واختزلنا تاريخ منطقتنا الممتد لأكثر من عشرة آلاف سنة وبكل قومياته وإثنياته وأديانه في قومية ودين واحد لا سواه. تحجيم المجتمع بفرد وجعله هو فقط من يحق له الحياة وعلى غيره أو الآخر أن يموت أو يضحي بذاته في خدمة هذا الفرد وكذلك وجود. لأنه من غيره سيكون العدم والقيامة وتنتهي الحياة. هذا هو المنطق والعقلانية التي صدرتها لنا القوى الرأسمالية الغربية الناهبة لكدح وجهد المجتمعات الانسانية، واختزال كل العالم بوجودها هي ولا غير سواها. هي التاريخ وهي الحاضر ومن دونها ليس هناك مستقبل. هذه هي نظرتنا للغرب لأننا من دونها لسنا موجودين البتة. ونسينا أنه حينما كنا "نحن" متواجدين "هم" لم يكونوا موجودين أصلًا.

ولكي نعود كما كنا أصحاب الجغرافيا والأرض وننشر العلم والحضارة في كل مكان، لا بدَّ لنا من أن نعود لذاتنا ونتعرف عليها أكثر، لا أن نبتعد عنها ونلعنها. وهذه الأرض لكل القوميات من عرب وكرد وأرمن وأشور وتركمان ودروز، وكذلك لكل الأديان الاسلامية والمسيحية واليهودية. فلا يمكن إنكار هذا التاريخ وكأنه لم يكن موجودًا.

الغرب وأوروبا فعلوا ذلك حينما بدأوا التاريخ والحضارة والفلسفة من اليونان وأنكروا كل شيء قبله، وها نحن نقلدهم في ذلك ونبدأ تاريخنا من انتشار الدين الاسلامي وكأنه لا تاريخ قبله. إنه نفس المنطق الذي لن يوّلد سوى الابتعاد عن الحقيقة المجتمعية للتاريخ والسياسة والأخلاق.

إذا فكرنا بهذا الاسلوب حينها ستعود القدس عاصمة كل شعوب المنطقة وأديانها وستصبح عاصمة الكل مع الكل يبنيها ويحميها ويصونها. وإلا أنه إذا استمررنا بنفس العقلية التعصبية القوموية والدينية حينها لن نلوم الآخر، بل علينا أن نلوم أنفسنا وضيق أفقنا الذي أوصلنا الى ما نحن عليه.

العيش المشترك بين الشعوب والأديان هو الأسلوب الناجع في إخراج المنطقة مما هي عليه من حالة الحروب والقتل والدمار، وليس الصراخ والعويل.

القدس ضحية أفكارنا وتعصبنا الأعمى للقوموية والدين أكثر مما هي ضحية القوى الاستعمارية الغربية. كلنا نعلم أن الأعداء متوحشون وغدّارون وأنهم كالذئاب ينهشون بنا. المشكلة ليست هنا، بل المشكلة هي أننا جعلنا من أنفسنا نعاجا وخرافا نخاف ازعاج ذئابنا التي صنعناها بأيدينا. فلنجعل من أنفسنا أسودًا تهابنا الذئاب وتهرب منا بدلًا من حالة الانبطاح والخنوع التي نعيشها كالخراف التي لا حول لها ولا قوة وتنتظر في السلخانة كي يأتي دورها وتُذبح.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط