الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صنم آخر يتصدع.. إيران


كم هو مفيد قراءة التاريخ بتمعن وتمهل، لأخذ الدروس والعبر منه، لأنه يشكل اللحظة التي نعيشها وبنفس الوقت يُرشدنا نحو المستقبل. التاريخ ليس بأرقام نحفظها وماضٍ تولى وانتهينا منه كما يروجه لنا أساتذتنا أثناء دروس التاريخ والجغرافيا. ولأننا انقطعنا عن تاريخنا ولم نجدده وفق معطيات حاضرنا وتعلقنا بالماضي على أنه هو الفردوس المفقود وينبغي أن نعود إلى أحضانه ونعيش فيه وننقطع عن الحاضر، دخلنا في حالة من انفصام الشخصية التي لا تدرك ولا تعي ماذا تريد.

التاريخ هو اللحظة التي نعيشها بكل مكنوناتها وهو المستقبل الذي نخطط له ولا يمكن الاغتراب عن التاريخ تحت أية حجة كانت، وإلا دخلنا في دوامة تكرار الذات واللطم والبكاء، وأصبحنا لقمة سائغة في أفواه الذئاب والجشع لقوى الحداثة الرأسمالية التي لا يهمها سوى القضاء على المجتمعات والبحث عن الربح الأعظمي.

كم يشبه ما نعيشه اليوم بكل تفاصيله من انهيار وتصدع للدول القوموية والدينوية التي هي في الأساس الدين الرئيس لقوى الحداثة الرأسمالية والتي من خلال هذه الدول تسرق الشعوب والمجتمعات وتعمل على تنميطها وجعلها كبش فداء لمشاريعها الاستعمارية، الأحداث شبيهة جدًا بالفترة التي عاشها سيدنا ابراهيم الخليل حينما ثار على النماردة الذين جعلوا من أنفسهم آلهة عصرهم، وجعلوا من الشعوب عبيدًا لا هدف لهم سوى الطاعة وعبادتهم. ولكي يتم التخلص من هذه الحالة التي عاشتها المجتمعات والتحرر من عبودية النماردة والأصنام التي كانت موجودة في كل مكان، قام سيدنا ابراهيم الخليل أبو الأنبياء وحمل فأسه وراح يحطم هذه الأصنام واحدًا تلو الآخر. وها هي الشعوب المضطهدة والمقهورة تسير على خطا ابراهيم الخليل وتحطم الأصنام والآلهة الذين جعلوا من أنفسهم جبابرة هذا العصر وأنهم خالدون أبدًا.

بدأت الأصنام تنهار وتتهاوى بدءًا من تونس ومصر وليبيا واليمن والعراق وسوريا والآن إيران وستتبعها تركيا وغيرها من الأصنام التي جعلت من نفسها ظل الله على الأرض وتعيث فسادًا فيها. وكأننا نعيش الرحلة والمسيرة العكسية لسيدنا ابراهيم الذي بدأ من أرض ميزوبوتاميا على حواف جبال زاغروس وطوروس ومن أورفا بالتحديد وتوجه نحو سوريا والعراق وفلسطين ومنها إلى أرض الكنانة وشمال افريقيا. فها هي مسيرته تعود أدراجها من حيث بدأت لتكرر ما بدأته في تحطيم الأصنام التي أرعبت الشعوب والمجتمعات منذ مئات السنين.

لكنا يدرك أنه ليس لإيران أية علاقة بالدين الاسلامي عامة وبالمذهب الشيعي على وجه الخصوص. وما هذه الرابطة سوى عمامة تخدع فيها شعوب المنطقة بنشر فكرها التوسعي في المنطقة على حساب الأصحاب الحقيقيين للمجتمعات. وما شعاراتها الرنانة أنها ستدمر إسرائيل سوى جرعات تخدير للشعوب كي تبقيهم في حالة من لطم الجسد والذات بدلًا من صفع وتحطيم القيود الذهنية التي تعتبر العائق الوحيد للتحرر من التعصب الأعمى للدين وآل البيت.

النظام السياسي في إيران هو صنيعة الحداثة الرأسمالية بكل ما للكلمة من معنى، من قبل فرنسا وامريكا بالذات. إذ، ما معنى أن يتم نقل الخميني من فرنسا إلى إيران بمعية الاستخبارات الغربية، إلا إذا كان الهدف منه القضاء على ثورة الشعب الإيراني الذي ثار في وجه الشاه.

ما نعيشه اليوم هو تحطيم لهذه الأصنام الصماء التي لا تعترف بغير وجودها هي فقط. وستستمر المسيرة حتى يتم تحطيم كافة الأصنام بدون تفرقة وطل من استبد على شعبه ومجتمعه. إنه عصر الشعوب التواقة للحرية وكرامة وعصر أخوة الشعوب والعيش المشترك البعيد كل البعد عن الحدود السياسية المصطنعة. سيتم القضاء على النظام الإيراني أو أن يتم تقليم أظافره وكذلك الأصنام الآخرين بغض النظر عن نظرية المؤامرة والتدخلات الغربية إن كانت هي السبب أم لا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط