الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إيران.. ثورة لم تنضج بعد!!


لم يكن لتحرك الشارع الإيراني في مظاهرات غاضبة وراءها تلك الهتافات التي تندد بالفقر والبطالة والحرمان والغلاء وتدهور المستوى المعيشي، لتجتاح كل شوارع إيران معلنة تمردها على الوضع البائت وحسب، وإن كان ما حدث ذكرنا بمظاهرات الثورة السورية في بداياتها، والمفارقة أن السلطات الإيرانية اتخذت ردود فعل تذكر بنفس ردود فعل دمشق أول تصديها للحراك الجماهيري قبل أن تدخل الرعايات الإقليمية والدولية إلى ميدان الثورة.

فالتظاهر في إيران كان بمثابة انتفاضة قام بها مجموعة من الشعب منهم بالفعل من ساءت أحواله حيال أوضاع اقتصادية مرتبكة، وإن كان الجزء المخفي غير المعلن منها تقوده ذريعة أمريكانية نتيجة لما تمتعت به إيران من استقرار سياسي داخليا انعكس على دورها خارجيا وكان من المتوقع أن تلك المكاسب ستعود عليها بحجم مكاسب أكبر مما كان مقدرا لها، وعليه كان لابد من خلق شرارة من السهل إطفاؤها فيما بعد، ولكنها تحمل في طياتها العديد من الرسائل!

ولكن لا ننكر أن جزءا من تلك الانتفاضة جاء إثر الغيظ المكتوم للشعب الإيراني من نظام الملالي الموجود منذ أربعة عقود، وهيمنة المؤسسات الدينية والجماعات المرتبطة بأعلى هرم النظام، والمجموعات التابعة لبيت المرشد الأعلى علي خامنئي، والتي تستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني ولا تخضع لأية رقابة، فالنظام الإيراني يدفع فاتورة استنزاف خزينته في دعم التنظيمات الإرهابية بالخارج، ورغم ذلك ما زال يصر على إعطاء أولوية للخارج.

كما أننا أمام مفارقة تاريخية سياسية جغرافية في الشرق الأوسط والتي تتمثل في أن إيران دولة دينية تقمع أي مطالبات للعلمانية في بنيتها، محاطة بأنظمة عربية علمانية مستبدة تقمع التيارات الدينية فيها، ولو نظرنا إلى ماكينة النظام الإيراني شديدة التعقيد، سنجد أن تغيير النظام في إيران جذريا لن يتعدى حد الأمنيات في الوقت الراهن، فتاريخ السلطة الوحشي والقمعي لأربعين سنة يؤكد أن أن التغيير لن يكون سهلا وإن حصل فإن مجرياته لن تكون سلمية وهذا يجعلها بعيدة جدا، ومن السذاجة التسرع في طرح التحليلات المستقبلية، والنظام الإيراني كان حذرا في تعامله مع الاحتجاجات حتى لا يكرر سيناريو عام 2009 التي سميت "الانتفاضة الخضراء" لاحقًا، مع اختلاف أسباب اندلاعها وتطور شعاراتها ومطالبها حول إسقاط النظام، عندما قمع المظاهرات واستنكر العالم ذلك وهو ما بدأ في مشهد مقتل المناضلة، التي تصدرت صورتها وسائل الإعلام العالمية.

غير أن الفصائل الإيرانية المتنافسة تتقافز مثل القطط الغاضبة التي يهاجم بعضها بعضًا ودون أن يدرك ذلك، أو ربما من تحت سطح الأحداث الجارية، ولأن أي ثورة لها وجهان ولها أطراف وخيوط إشعال وإطفاء، وجه مؤامرة ووجه يمثله الشعب يحمل قضية بالفعل، إلا أن الأوضاع في إيران يصيبها خلل اجتماعي سياسي إقتصادي، فالثورة الإيرانية لم تنضج بعد.

الخلاصة.. الأمريكان أعطوا الإيرانيين مساحة كبيرة وفرصة غالية جدا حتى يكونوا قوة إقليمية في المنطقة من أجل تعزيز روح الخلاف في المنطقة وتأجيج الصراعات السياسية القائمة على أساس مذهبي، فإيران ليست بدولة ليبرالية بل دولة دينية يحكمها التيار الديني وبذلك تكون عدوا أول للقوى السنية في المنطقة، وهنا تبدأ لعبة الشطرنج على مستوى أوسع لأن هناك حلما فارسيا وهناك حلم أناضولي وهناك حكم سعوخليجي، حينها تقف جميع الأحلام والأماني أمام بعضها البعض لتعطي مساحة كافية للتدخل الأمريكي واستهلاك الموارد الاقتصادية لدى كل من الخليج وإيران حينما تقف جميع القوى أمام بعضها البعض على أسس سياسية وعرقية ومذهبية، هنا يحدث نوع من أنواع التوازن الإستراتيجي حتى يبدأ أحدهما بالتصعيد ضد الآخر لأي سبب كان، فتبدأ المسكنات الغربية في العمل حتى انتهاء الاستفادة فتبدأ الحرب حينها ويقومون كل بتدمير الآخر.

ولأن إيران اعتقدت أنها أصبحت قوة إقليمية حقيقية وأن لديها بعضا من التحكم في مجريات الأحداث الجارية على الصعيد الإقليمي، قد يكون ما يحدث في إيران رسالة قوية مفادها أنها ليست بمعزل عن العالم وأنها ليست ببعيدة عن مسرح العمليات وتبدأ لعبة الشطرنج الإستراتيجي من جديد، لكن مصالح الولايات المتحدة حتى الآن مع النظام الحالي في إيران، فلولا الفزاعة الإيرانية ما دفعت المملكة العربية السعودية الملايين في صفقات السلاح والبترول وخلافه ونقيس على ذلك جميع المستويات، وعليه لا أحد يستطيع توقع توابع تلك المرحلة في إيران، ولكن من المعروف والمؤكد أنها ليست بثورة!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط