لسنوات طويلة ظل محمود شكوكو على قمة المونولوج في مصر حيث حقق نجاحا كبيرا ووصل الحال بمحبيه أن وضعوا صورته في الشوارع، إلا أن أكثر المواقف طرافة والتي تعرض لها كانت بسبب أغنية "يا جارحة القلب بإزازة" الغريب أن الأغنية على غرابة اسمها إلا أن ملحنها هو موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
شكوكو المولود في 1 مايو 1912 وهو مثل ومنولوجست مصري، وُلد في منطقة الدرب الأحمر بمدينة القاهرة وعمل مع والده منذ الصغر في ورشة النجارة، مما حرمه من الذهاب للمدرسة. كان شكوكو يحب الغناء والمحاكاة الكوميدية منذ الصغر، مما اهله للانضمام بعد الكبر إلى فرقة علي الكسار، حيث كان يشارك في المسرحيات بأغنياته ومونولوجاته، كما قام فيما بعد بتشكيل فرقة استعراضية مع ثريا حلمي وسعاد مكاوي.
بدأ شكوكو الدخول إلى مجال السينما بعد أن اكتشفه المخرج نيازي مصطفى الذي قدمه في فيلمي (حسن وحسن) و(شارع محمد علي)، وتوالت بعدها مشاركاته السينمائية في العديد من الأفلام، من أشهرها: (شباك حبيبي، الأسطى حسن، بائعة الخبز، عنبر، ليلة العيد، شمشون ولبلب). واصل شكوكو عطائه الفني في مجال الغناء والمونولوج حتى وفاته في عام 1985 عن عمر يناهز 73 عامًا.
أما عن أغنية يا "جارحة القلب بإزازة"؛ فتقول الكاتبة الصحفية سناء البيسي: "في مطلع الأربعينات غنى المونولوجيست محمود شكوكو من تلحين محمد عبد الوهاب «يا جارحة القلب بقزازة.. لماذا الهجر ده لماذا»، حقق شكوكو شهرة طاغية وامتلك مشاعر الناس حتى إنهم أطلقوا عليه شارلي شابلن العرب، وصارت ملامحه أيقونة للمصريين عندما يريدون أن يتفاءلوا بالحياة ويضحكوا للدنيا.
وتضيف البيسي: "وبعد أن تم تصوير الأوبريت مع ليلى مراد في استوديو الأهرام بالهرم قال له عبد الوهاب: "يا محمود صوتك فيه بحة عاجباني وعاوز ألحن لك حاجة تانية"؛ فسارع شكوكو يعرض عليه كلمات كان يحتفظ بها أعجبت عبد الوهاب ليطلب منه الحضور في اليوم التالي بفيلته الضخمة بشارع الهرم.. ويروي ابنه سلطان عن تلك المقابلة: "قعدت ألعب وأنا صغير مع بنات عبد الوهاب فتفت إش إش وتم تم في الجنينة وطلع بابا قعد مع عبد الوهاب يلحن له مونولوجه (يا دابحة قلبي بإزازة لماذا الظلم ده لماذا)..".
أما الناقد طارق الشناوي فيقول: "في حياة شكوكو موقف لم يسبق أن شاهدناه مع أي فنان من السابقين واللاحقين في تاريخنا المعاصر، حيث إن المعجبين به صنعوا له تماثيل خاصة بزيه التقليدي الجلباب والزعبوط والعصا، ولم يكن ثمن الحصول على التمثال عملة نقدية كما هو متعارف عليه ولكن كانت الوسيلة أكثر بدائية، وهو ما يطلق عليه في علم الاقتصاد المقايضة، أي أن الناس تحصل على التمثال مقابل زجاجة مياه غازية فارغة، وعرف الشارع المصري نداء صار لصيقا به وهو «شكوكو بإزازة».
ويضيف الشناوي: "كانت الناس تحصل على التمثال وتستبدله بتلك الزجاجة، المفروض في الأحوال العادية أن تعاد هذه الزجاجات إلى الشركة لتعيد تعبئتها ويحصل بائعها على نقود، ولكن المفارقة هي أن رجال المقاومة من الفدائيين المصريين أثناء مناهضة الاستعمار البريطاني في تلك السنوات كانوا يلجأون إلى هذه الحيلة ويستحوذون على تلك الزجاجات ويضعون بداخلها المولوتوف لإلقائها على معسكرات الإنجليز لإجبارهم على الرحيل، وبالفعل كانت الضربات موجعة للعدو، ولم يدر شكوكو أنه بتمثاله صار رمزا للبطولة وملهما للفدائيين، وعندما تناهى إلى سمعه تلك الخطة ازداد تشبثا بموقفه الوطني، فلم يتراجع أو يتبرأ من هذا الفعل الذي كان من الممكن أن يؤدى به إلى حبل المشنقة أو القتل رميا بالرصاص، بتهمة الخيانة العظمى، تلك هي علاقة الثقافة المصرية بزجاجة المولوتوف التي نلقيها فقط على من يغتصب الأرض".