الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ورقة بمليون جنيه مصري


منذ أكثر من عام كتبت مقالا بعنوان ( الدواء والمريض الحائر ) تناولت فى بعض منه احتكارات الأدوية وتسجيلها فى مصر, والروتين المُقنن لهذه الاحتكارات والمساعد على بقائها واستمرارها, وأشرت الى ضرورة السماح بتداول الادوية المسجلة فى أمريكا أو أوروبا والحاصلة على شهادات الجودة فى بلد المنشأ فى مصر دون الانتظار لمدة عامين وإجراء اختبارات روتينية عليها.

وهذه الأيام فاجأتنا وزارة الصحة بالاستجابة لبعض المقترحات والسماح بالفعل بتسجيل الادوية الحاصلة على شهادة الـ FDA من الولايات المتحدة والـ CE من الاتحاد الأوروبى وذلك خلال شهر واحد فقط , والادوية الحاصلة على شهادة واحدة فقط منهما يتم تسجيلها خلال 6 شهور , وهو ما شجعنى على تناول ملف آخر خاص بالادوية وهو ملف المكملات الغذائية , واحد من أهم ملفات البزنس الخفى فى مصر والذى يتحكم فيه معهد الاغذية.

فمعهد الأغذية التابع لوزارة الصحة هو المسئول عن تسجيل الاغذية الخاصة والمكملات الغذائية فى مصر, والتى تشمل تركيبات الفيتامينات والمعادن والأملاح والأحماض الأمينية وغيرها من المكملات الغذائية التى باتت موجودة فى معظم ان لم يكن كل الروشتات الطبية تقريبًا , وهو بزنس بمئات الملايين من الجنيهات فى مصر إن لم يكن بالمليارات .

بزنس التسجيل قائم على استغلال الروتين الحكومى لتحقيق ربح بلا تعب أو مجهود , كل ما هو مطلوب من أصحابه الصبر على الروتين لمدة سنة أو أقل فقط لا غير , ورقة مكتوب عليها تركيبة مكررة أو مشابهة لعشرات بل مئات التركيبات فى الاسواق , وتصميم علبة ووضع اسم مصنع أدوية أو أغذية عليها , ثم تقديم ملف لمعهد الاغذية لدراسته دراسة روتينية تقليدية تنتهى بالموافقة خلال عام.

يلى ذلك إعلان على صفحة من صفحات الانترنت المجانية لبيع هذه الموافقة , والاسعار تبدأ من 200 الف جنيه وحتى 2 مليون جنيه حسب التركيبة المقترحة وحجم الطلب عليها فى سوق الدواء , وما أكثر الاعلانات عن الملفات المعروضة للبيع فى مصر ليل نهار , وأصبح لدينا فى مصر شركات وساطة متخصصة فى تسجيل وبيع هذه الموافقات , وذلك مقابل عمولات مجزية .

وبات من الطبيعى ان تجد ورقة الموافقة على التركيبة , معروضة للبيع بمليون جنيه بدون أية أعباء , لا مكتب عمل ولا ضرائب ولا تأمينات ولا تراخيص ولا دفاع مدنى ولا قيمة مضافة ولا محليات ولا مرور ولا رسوم نظافة ولا رسوم كهرباء ولا رسوم مياه ولا اشتراطات بيئية ولا باقى الـ 18 جهة التى تطارد أى شاب يعمل وينتج فى مصر, فهذه الجهات تطارد المواطن الذى ينتج هذه التركيبة أو يسوقها أو يتاجر فيها فقط لا غير .

ومن هنا أتمنى أن تمتد يد الاصلاح الادارى التى بدأت هذه الايام لمنظومة الدواء فى مصر الى معهد الاغذية, وأن تكون هناك آليات عصرية لتسجيل وتسعير المكملات الغذائية فى مصر, بعيدًا عن البيروقراطية والروتين اللذين لا يتناسبان مع عالمنا اليوم, لأن البديل سيكون تسجيل واستيراد هذه المكملات الغذائية خارج مصر, وبالتالى استنزاف للعملة الصعبة, وقد بدأت بالفعل بعض الشركات فى الهروب من الروتين الى الخارج.

دعونا نسجل تركيبة أى مكمل غذائى معتمدة من أى جهة طبية محترمة سواء كانت خاصة أو عامة فى نفس اليوم أو الاسبوع , ثم نتفرغ للأهم من ذلك وهو الرقابة على هذه المكملات فى الاسواق , فليس المهم هو تركيبة المنتج على ورق الموافقة , المهم هو تركيبة المنتج الحقيقى الموجود على رف الصيدلية وتأثيره الحقيقى على جسم المريض.. كفى ترتيبًا للاوراق ودعونا نرتب الواقع يرحمنا ويرحمكم الله .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط