- يجب تحويل الأخلاق من كلمات إلى قيم إلى مؤسسات إلى حضارة
- مصر في حقيقتهاإنسان وطني قوي شديد الوفاء لوطنه عظيم البر بشعبه
- شخصية المصري فريدة لها معالم وسمات خاصة
- أوطاننا عاصمة للإنسانية والرقي والازدهار في التعليم في العالم القديم كله
- الأزهري: الكتاب لحماية الشخصية المصرية وتسليط الضوء على معالم صناعة التاريخ
منذ ما يقرب من 5 سنوات مضت، كان للدكتور أسامة الأزهري الفقيه والأستاذ بجامعة الأزهر، مستشار الرئيس للشئون الدينية، السبق في الخروج بعمل يفند فيه آراء الجماعات الإرهابية، بكتاب "الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين"، والذي فند فيه مفاهيم الجماعات الإرهابية من الإخوان إلى داعش، مثل الحاكمية والجاهلية والجهاد والوطن، مع بيان التصورات المغلوطة لها عند التيارات المتطرفة، في مقابل التصور الصحيح لها عند علماء الأمة.
وكان الكتاب، مشروعا علميا أزهريا مؤصلا، استعرض على مائدة البحث العلمي، والتحرير المعرفي الدقيق، خلاصة المقولات والنظريات والأفكار، التي بني عليها فكر التيارات السياسية المنتسبة للإسلام في الثمانين عاما الماضية، وصيانة للقرآن الكريم من أن تلتصق به الأفهام الحائرة، والمفاهيم المظلمة المغلوطة.
وخلال الأيام الماضية أصدر "الأزهري" كتاب 'الشخصية المصرية خطوات على طريق استعادة الثقة"، يأتي ذلك الكتاب بالتجارب العريقة في التعامل مع الأزمات"، ويخوض الأزهري بعمق في تكوين وتركيبة الشخصية المصرية مسلطا الضوء على تجارب كثيرة كيف خرجت من أزماتها وقدمت نجاحات كثيرة.
وقال في كتابه": ربما طرأت على مصر أحداث وسنوات جعلت ثباته النفسي يتزلزل ويهتز ويدخل في نوبة من الحيرة والإحباط أو اليأس أو العزوف عن كل شيء، أو الفقر أو الضيق أو المرض والأمية فضاق صدره أو انحرف إلى الإدمان فرارا من الواقع أو ذهب يفكر في الهجرة، وترك الوطن، لكن استعادة الذاكرة وإعادة الحفر والتنقيب عن تجربته العريقة في التعامل مع الأزمات وكيفية اجتيازها وتخطيها، ستكون مفيدة في إخراج الإنسان المصري من أى أزمة خانقة قد تطرأ عليه".
وأكد أنه ليست القضية في التغني بالماضي مع وجود حاضر متغير أو متراجع بل القضية هي الاستمرار على صناعة الحاضر والمستقبل على ضوء التجربة التاريخية لهذا الوطن.
ويستبق "الأزهري" ويغرد منفردا كأول أزهري يتحث عن تكوين وتركيبة الشخصية المصرية، إذ يعد مسألة التوقيت في خروج هذا الكتاب مهمة في وقت يحتاج فيه الكثير من الشباب إلى النصيحة في كيفية الخروج من دائرة الضيق إلى السعي والعمل والإبداع والابتكار، واختراق حواجز الأزمات التي قد تبدو كبيرة ومعقدة، والتي تتصاغر أمام النجاحات.
كتاب "الشخصية المصرية" ليس كتابا دينيا لكن له فلسفة خاصة موجهة لكل المصريين مسلمين ومسيحين ، حيث سلط الضوء على نماذج مسيحية كانت لها أدوار مشرفة في تاريخ وطنها، كما ركز على كيفية تحويل الشخصية المصرية من المحلية إلى العالمية.
وقال في بداية الكتاب": إن هذه بحوث تتعلق بإعادة إحياء الشخصية المصرية وتجديد معالمها ورصد مكوناتها الأصيلة التي صنعت عبر تاريخ شخصية الإنسان المصري المتدين الواسع الأفق الوفي الوطنه، الصانع للحضارة الشغوف بالعمران والذي ينتج العلم والحكمة ويقدم الخير للعالم كله
يأتي في الباب الأول شارحًا لأهم المكونات التي صنعت الشخصية المصرية الرفيعة ويتعرض فيها بالشرح والتفصيل لتلك المكونات.
وعرض لمحات لعدد من الرحالة الذين زاروا مصر وكتبوا عنها وتاريخها وعمق ضخامتها وحضارتها ، وثقل مصر ليقدم لأبناء وطنه مكانتها بين العالم ودور ذلك في صناعة شخصية الإنسان وتفرد بالحديث عن مكونات مصر ومقوماتها ومعالمها وتاريخها وأثر وانعكاس ذلك على شخصية المصري.
وقال إن مصر في حقيقتها إنسان مصري وطني قوي مؤمن عميق الإيمان شديد الوفاء لوطنه عظيم البر بشعبه قادر بفضل الله على أن تستمر جذوة العبقرية بداخله متوقدة رغم كل ما يطرأ عليه في فترات تاريخية متباعدة من تراجع أو فقر أو استعمار، إن مصر إنسان رائد ونبيه شغوف بالعمران واثق في نفسه يستعصى على كل محاولات هدمه، "فأنت أيها الإنسان المصري سر هذا الوطن العظيم رغم فقرك وأزماتك وصعوبات معيشتك فأنت قادر بفضل الله على سرعة استيعاب ظروف عصرك وفهم مشكلاته واختراقها وإعادة صناعة النجاح من جديد.
وفي المكون الأول "إنسان متدين تدينا يصنع الحضارة"، فيه يقول": ربما طرأت أوقات عصيبة على وجدان الإنسان المصري من شدة المعيشة وضيق الأحوال وقلة الأرزاق مما يفرز منظومة قيم مختلة حافلة بالتدافع وتستحضر فيها الشح والمنازعة فتهتز بعض معالم منظومة قيمه، ويضيق صدره حتى ربما البعض رصد أنماطا اجتماعية أو عدد من السلوكيات لا تتسق مع عمق التدين في شخصية الإنسان المصري، وظهرت في عدد من المشاهد مظاهر ادعاء التدين من خلال 3 محاور
الجنوح بالتدين إلى الخرافة واللامعقولية والشعوذة ولها صور كثيرة
التكسب بالتدين والارتزاق وله صور كثيرة
استغلال التدين في تحقيق أهواء ومآرب خاصة وله صور كثيرة
المكون الثاني إنسان واسع الأفق
كانت مصر عبر تاريخها منطقة مركزية فكان طريق الحج القديم يعبر دول كثيرة ويصب في مصر، و ينزل في حابها أبناء الشعوب المختلفة فجاء إليبا الوافدون من المغرب العربي أو القرن الافريقي أو السودان أو الحجاز وكان لهذا أثر كبير في شخصية الإنسان المصري حيث يخرج من ضيق نفسه إلى آفاق واسعة ويدرك أن بلده خير ونماء وكرم ويتعامل بنفس الأريحية والسعة والكرم مع الجميع من الوفود إلى بلده.
لكن طرأت على شخصية الإنسان المصري رياح التغيير جعلته ينكفيء ويتقوقع وينعزل عن الدنيا حتى تضيق عليه الدنيا وتختزل مصر في نظرة شارع ضيق أو حالة من الفقر أو عجز عن تحقيق متطلبات حياته أو ركود في الحياة يجعله فاقدا للأمل ومن أشد الأمور خطرا على الإنسان هو انعزاله التدريجي عن رحابة الحياة والوطن ودخوله في نفق مظلم وسقف منخفض من الاحباط أو الضيق.
المكون الثالث إنسان معمر
الإنسان لديه ولع بالعمران والتشييد في كل أطوار تاريخه، فنحن أمام نفسية تسبح في بحر من فنون المعمار ليجعلنا إنه إنسان معمر.
إنسان قوي
الإنسان المصري مهما حزن أو تألم يقفز خارج أحزانه ويمضي في حياته مزودا بثبات باطني عميق يرجع إلى عمق إيمانه ووعيه بضخامة تاريخه وعمق جذوره فتتصاغر أمامه كل الهموم، فهو خارق في كيفية تحويل الإرادة إلى إدارة وبرنامج عمل وصناعة نجاح وقوة الإرادة تتحلل إلى الهمة العزيمة التحدي الانجاز الاصرار.
المستوى الثالث هو قوة العقل المستنير بالعلم والمعرفة وإدراك الواقع وفهم تعقيداته، والإلمام الواسع بخريطة العالم وهل نسير على طريق الحضارة والتمدن، وإن كان هناك تباطؤ فمال الحلول والمخارج والمقترحات التي ندرك بها عصرنا ويكون لنا بها موضع قدم بين الأمم والشعوب ومفاتيح العلوم والحضارة كانت هنا على أرضنا.
قائد ورائد
ظل المصري عبر تاريخه إنسان رائد وقائد سابقا في الابداع متميزا في كل شيء وهذا يزيده ثقة في ذاته وادراكا لأعبائه ومسئوليته واقبالا وامتنانا لمن حوله والأهم من ذلك أن هذا الوعي قد حدد شخصية الإنسان ورسم له برامج العمل التي تنطلق من هذا الوعي وتكمله، واتسعت الريادة للمصري فأصبح رائدا في كل المادين وأسهم المصريون في مجالات متعددة بنماذج متألقة.
إنسان محب للعلم و الإبداع:
الإنسان المصري عاشق للعلم صانع له ولمؤسساته عنده إدراك عميق لشرف العلم و قيمته و هذه صفة مصر عبر تاريخها لا تكون صفة مصر إلا من خلال ظهورها المتكرر المطرد الثابت في الإنسان المصري عبر الاجيال.
إنسان يقدم الخير للإنسانية :
الإنسان المصري يقدم للعالم عقولا و خبرات و ثروات و يصدر المعرفة و الحكمة، وكم من شخصية مصرية تجاوزت حدود المحلية و اقامت الجسور مع العالم، و تفاعلت معه و عرف العلم من خلاله قدر مصر، و صار صانعا لجزء من صورة هذا الوطن العظيم أمام العالم.
إنسان وطني صاحب إنتماء :
الإنتماء عموما مكون واسع مكونات الفطرة الإنسانية ، وهو من أهم بواعث التصرف و الفعل و الحركة عند الإنسان و الإنتماء إلى الأوطان خصوصا أمر نبيل، يدل على سلامة فطرة الإنسان و استنارة طبعة، و الإنسان المصري له ارتباط وثيق بأرضه، و حنين عظيم إليها، و إكبار و إجلال لقيمتها و أرضها و شعبها و مؤسساتها.
التوسط و التوازن والإعتدال :
و بهذا تضافرت كل المكونات السابقة –من التدين و اتساع الأفق و الريادة و محبة الخير للإنسانية، و القوة و الثبات، و محلة العلم و الإبداع- على صناعة صفة رئيسية عامة للإنسان المصرين و هي اعتدال طبعه فهو ليس عدوانيا و ليس منطويا بل هو معتدل متوازن.
الدين و الحضارة :
ومن أهم مقاصد الدين أن يغرس في النفس الاخلاق الرفيعة، و أن يرتقي بالسلوك الإنساني ليكون سلوكا فاضلا، موزونا يجلو عن النفس كل أسباب الطمع و الهوى و الكبر، و يملأ الصدر بالهمة و المعرفة و الإيثار و الادب الرفيع، وقد تشبعت الاخلاق و كثرت حتى تغطي كل أوجه النشاط البشري بحيث يجد الإنسان في كل تصرف يقوم به خلقا من الاخلاق النبيلة التي تجعل تصرفه في كل موقف موصوف بالحكمة والروانة والأثر الحميد.
تحويل الأخلاق إلى مؤسسات تصنع الحضارة :
قامت الامة المحمدية بتلقي القران الكريم، وعكفت على دراسة المقدمات و الإجرءات التي لا بد من إنشائها حتى تتحقق بها المبادئ القرآنية على أرض الواقع ، و تحويل آيات القران إلى برامج عمل قضية في غاية الأهمية و آثارها جليلة إذ من خلالها يسري القران إلى المجتمع و يتنزل إلى التطبيق و التنفيذ كما إنها عملية علمية تقتضي بحوثا و دراسات واسعة حول المجالات و المحال التي ينبغي تنزيل القران الكريم عليها و كل هذا يحتاج إلى تفصيل و بيان واسع ليس هذا بموضعه.
الرحمة و تحويلها إلى مؤسسات :
تمثل الرحمة قيمة مركزية وجوهرية في فهم الدين تصنع الشخصية و تحرك العقل و تبني تصور الإنسان للكون و للحياة و هي الواسع الذي تنبثق منه منظومة التصرفات الإنسانية في مختلف العلاقات الإنسانية، و إذا كانت منظومة الاخلاق شجرة لها اغصان و فروع فإن منظوة القيم كذلك وبذرة شجرة منظومة الاخلاق هي الرحمة, فهي الام لمنظومة القيم كلها.
اشتراك المسلمين و المسيحيين في صناعة هذه الحضارة:
و تحويل معنى الرحمة من كلمة إلى قيمة إلى مؤسسة إلى حضارة امر واسع من صناعة العلم و تطبيقاته و لم يكن مقصورا على المسلمين فقط هذه الحضارة العربية الإسلامية هي نسق إنساني واسع يتسع للناس مهما اختلفت العقائد و قد تضافر على صناعته المسلم و غير المسلم و هكذا عشنا معا و هكذا نعيش معا و لا مجال لأحد أن يتدخل لينزع و يفسد بين المسلمين و المسيحيين.
السعة و تحويلها إلى مؤسسات:
والمبدأ الذي يرسخه القران الكريم هنا في عقل قارئه هو الاتساع و الانشراح للعالمين، و ما زال القران يؤكد على هذا المعنى حتى يظل الانسان دائما مشدودا إلى العالمين مرتبطا بهم دائم النظر و الفكر في قوانينها يهتدي كل فترة إلى اكتشاف القوانين الدقيقة المحكمة التي بنى الله تعالى عليها تلك الأكوان.
العقول و تحويلها إلى مؤسسات:
آيات القران الكريم حافلة بالحديث المتشعب و الممتد و المتكرر عن العلم و شرفه و منزلته و آفاقه الواسعة و شدة احتياج الإنسان له و أنه مفتاح نهوض الحضارات و به تنكشف الحقائق و تستنير العقول و يحصل الرخاء و تعمل المؤسسات و ينتشر العمران و أنه العلم لا يزال يرتقي بصاحبه حتى يقف به عند مقام جليل يخاطب فيه مقام الألوهية و يعرف به صفات رب العالمين و أنه سبحانه موصوف بكل كمال منزه عن كل نقص.
فبدأت الرحلة المعتادة للعقل المستنير في تحويل قضية العلم من كلمة إلى قيمة إلى مؤسسة إلى حضارة.
و لا بد من استحضار ذلك جيدا لنعالج به واقعا قد تراجع علميا حتى وجدت في مصر نسب مزعجة من الأمية و الأمية الثقافية و الأمية الدينية و الأمية التكنولوجية مع تراجع مستوى التعليم في المدارس و الجامعات و هناك فارق كبير بين تراجع المستوى والتعليم و البحث العلمي مع غياب و انقطاع عن السياق المعرفي المجيد الذي صنعناه على مدى قرون مضت و بين إلمام بأزمات الواقع مع إطلاع واسع على مقدار ما صنعناه و قمنا به من تنوير العقول و صناعة العلم و الشغف بالمعرفة.
إن كثرة إطلاع الإنسان على سجله المشرف في خدمة العلم و إنهاض مؤسساته و التحول من استهلاك المعرفة إلى توليدها و إنتاجها و الإبداع فيها يمنح صاحبه قدرة كبيرة على معالجة الواقع المعثر تعليميا و على اختراق حواجز الأزمات التي قد تبدو كبيرة و معقدة لكنها تتصاغر امام النجاحات السابقة التي كانت فيها عاصمة العلم و التعليم في العالم القديم كله.
الجمال و الذوق الرفيع و تحويل ذلك إلى مؤسسات:
و لا بد من ظهور أثر الجمال في طريقة التفكير و في أسلوب التعامل و في توثيق المعلومة و في آداب التخاطب و الكلام و في احترام الحرف و المهن و في توقير القيم العظيمة كقيمة الوطن و قيمة الاخلاق و قيمة الإنضباط و النظام و قيمة الإنسانية و فيمو احترام الذات و عدم الرضا و لا القبول بأي صورة من صور السلوك و التصرف تجعلها قبيحة أو سيئة.