الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المعدة هي المخ الثاني للإنسان !


أسفرت أبحاث علمية أجريت مؤخرا عن مفاجأة مذهلة، حيث استنتج باحثون أمريكيون أن المعدة هي "المخ الثاني" في الإنسان (The second brain) لعظمة أدوارها وعمق اتصالاتها.

المعدة هي رأس الجهاز الهضمي وبدايته الحقيقية، وكل أجزائه الأخرى تابعة لها، لذا وصفها علماء بـ "قائدة أوركسترا" و "زعيمة محور"، إشارة إلى محور القناة الهضمية – الدماغ، المسئول عن الجوع والشبع والمزاج والمناعة وصحة الإنسان بوجه عام.

تتشاور المعدة مع المخ لكنها تتمتع بحكم الذاتي قوي.. صحيح أن الأكل يبدأ "عقليا" من مراكز الشهية في المخ، لكن بمجرد وصوله إلى المعدة تدار كل مراحل هضمه "محليا"، ولعل أكثر القراء سمع عن العصب الدماغي العاشر (الحائر) الذي يوصف بـ "الطريق الدولي السريع" بين المخ وأجهزة الصدر والبطن، فقد ثبت من رصد المعلومات المنقولة فيه أن 90 % منها صاعد إلى المخ، بينما 10 % فقط نازل منه.. بمعنى أن كل رسالة يرسلها المخ من خلاله يتلقى مقابلها تسعا..

تعمل المعدة ليل نهار.. وبينما تكون منهمكة في انقباضات وانبساطات مستمرة لطحن وتقليب الطعام، تبعث برسائل إلى الكبد والمرارة والاثنى عشر "أن استعدوا لما هو قادم" وتبلغهم بمكونات الوجبة التي وصلتها وكيف عليهم التعامل معها، كما تقيس درجة الحموضة ومراحل الهضم داخلها لنفسها بتحاليل فورية دقيقة، وإن كان دورها في امتصاص الطعام رمزي مقارنة بالأمعاء، لكنها تخصصت وانفردت تقريبا بامتصاص فيتامين بي-12.

ومن عجائب المعدة أيضا أنها تهضم اللحوم وكل شيء يصل إليها لكنها لا تهضم نفسها، مع أن جدارها من اللحم الخفيف وسمكه أقل من نصف سنتيمتر !! والسر في ذلك هو قدرتها على معادلة الحمض باستمرار قرب بطانتها، كما تقوم بتجديد بطانتها بسرعة أكبر من سرعة الحمض في النيل منها..

تفرز المعدة لتر ونصف من حمض الهيدروكلوريك يوميا، يقتل البكتريا والفيروسات التي تندس في الطعام والشراب، ويساعد في الهضم وينشيط إنزيمات هاضمة أخرى، ومع أنها تفرزه بتركيز "صناعي" عال يذيب المعادن، ولو وضع في راحة اليد لأحرقها واخترقها، لكن لا تسمح له بإيذائها ! ولديها أيضا خط دفاع إضافي من التجمعات الليمفاوية في جدارها لاستشعار المواد الغريبة ودعم عمل الحمض ضد الكائنات الغازية.

إضافة إلى الحمض وعدد من الإنزيمات الهاضمة، تفرز المعدة ثمان هرمونات تنظم أعمالها وأعمال باقي الجهاز الهضمي بطريقة التحكم عن بعد، ومن ذكائها وحرصها تقوم بتجميع أي هواء يدخلها مع الأكل لتطرده من حين لآخر، وقد يصل غضبها لتقيوء وطرد الأكلة كلها إن لم تكن على هواها حتى لو دخلت برغبة وشهية صاحبها، كما ترفض وتطرد أي شيء يدخل إليها لو "علمت" أن الطريق بعدها في قناة الهضم مسدود أو غير آمن..

وللمعدة دور أساسي في السعادة فهي تختزن أغلب هرموناتها.. 90 % من هرمون السعادة السيروتونين مخزون في المعدة وباقي القناة الهضمية مع رفيقه الدوبامين، ولو منعت تدفقهما لحزن المخ واكتئب صاحبه.. وكلنا جرب غصة البطن عند الضيق و قبل دخول امتحان.. وتحرص المعدة دائما لإرضاء صاحبها شرط حسن معاملته لها.. أما لو ساءت العلاقة بينها وبين المخ فسوف يقع صاحبهما ضحية لخمسة أمراض قاسية، أبرزها قرحة المعدة والقولون العصبي.. لذا قيل "معدة سعيدة.. مخ سعيد".

وقد يتساءل البعض: وكيف يحيا الإنسان بدون معدة لو تم استئصالها جراحيا؟ والإجابة هي أن الحياة بدونها صعبة فعلا، فبعد إزالتها تكون الوجبات صغيرة ومتعددة وتناولها مؤلم، ويفقد الشخص الإحساس بالجوع ويعاني من فوضى السكر في الدم، إضافة إلى فقد الوزن وترسب حصوات بالمرارة.. ونذكر هنا أن المعدة ليست كالأعضاء التي يمكن إزالتها ووضع بديل صناعي مكانها مثلما يحدث مع القلب والمفاصل والكلى والأطراف، فمن الستحيل إيجاد بديل لها من المعادن والبلاستيك.

يقول حديث نبوي شريف "ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلًا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" وهذا علميا صحيح، فامتلاء المعدة عن آخرها له تداعيات سلبية كثيرة متفق عليها.. قال الفقهاء أن امتلاءها يؤدي إلى الفساد في الدين والدنيا، يثقل البدن ويجلب النوم ويحد من الكفاءة.. وهو نفس قول الأطباء.. ومن الطريف أن نتذكر هنا عادة غريبة انفردت بها الحيوانات المجترة كالبقر والماعز، التي قد تستمر في الأكل حتى تموت (تبشم) بسبب فقدان معدتها لحاسة الشبع، بخلاف معدة الإنسان وباقي المخلوقات التي تعرف متى تتوقف وكيف ترفض..

أما قول "المعدة بيت الداء" فليس بحديث نبوي، بل قول لطبيب قديم يدعى الحارث بن كلدة، والأصح منه بعد كل ما عرضناه هنا أن نقول: "المعدة بيت المعجزات"....
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط