الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شيماء عبدالناصر تكتب: باليه بطعم التين.. قصة قصيرة

صدى البلد

بعد العودة من درس الباليه تتركني أمي في الغرفة وتذهب لتحضير طعام العشاء، قبل أن يأت أبي يكون البيت هادئًا ساحرًا، أمي في المطبخ، غرفتي بعد تشغيل جهاز الحاسوب ووضع قائمة موسيقية للرقص تصبح باللون الأزرق السماوي برغم أن لونها الحقيقي أصفر، وأنا أكره هذا اللون، لكن لا بأس للموسيقى فرشة وألوان تستطيع تتغير لون الحيطان ووشمها بعصافير صغيرة بنفسجية وبرتقالية وحمراء قرمزية، هذه الحياة، بالطبع مع الخلفية السماوية، وأنا.

تقول معلمة الموسيقى في المدرسة: إن الصعيد تقدم وأصبح هناك دروسًا لتعليم رقص الباليه والعزف على ألات الموسيقى المختلفة.

تقول معلمة الدين: إنها حزينة على ضياع الأخلاق والدين في البلاد التي كانت متحفظة فيما مضى.

أقول: الباليه موسيقى جيدة وحركات وهواء أتنفسه بطعم الكرز، حينما تصنع أمي بسبوستها وتضع الكرز، أغمض عيني وأتخيل نفسي أرقص، ويكون للبسبوسة طعم الباليه.

أبي ليس غاضبًا مني فأنا صديقته المفضلة كما يقول، لكنه يكرر على مسامعي أن الباليه للصغار فقط، حينما أكبر سأكف عن الرقص.

تمنيت ألا أكبر، فسن العاشرة مناسب جدًا لفتاة كي تظل عليه طوال حياتها، أما أمي فهي ليست غاضبة لكنها حزينة طوال الوقت وتنهرني، أكره حينما تضربني، أتمنى لحظتها أن أخنقها، أدخل للغرفة، أغمض عيني، أتخيل المكان الذي ضربتني فيه، أحوله بخالي لقطعة بسبوسة، ألتهمه، أرقص، أكره أمي أكثر فأكثر، حينما استيقظ في اليوم التالي أجدني أحبها، لكن طعم الباليه يختلف بعد كل مرة تضربني فيها، يتحول لشيء لا استطيع فهمه أو وصفه، لكن بالطبع ليس له علاقة بالكرز، ربما بالتين، أكره التين كره العمى، وأحب الموز وعلاقتي حيادية بالبرتقال، إنني أخطأت، إن الباليه وحتى معلمة الرقص يتحولان أولا إلى شيء يشبه البرتقال، والآن فقط يتحول إلى التين.

لماذا طلبت من أمي ألا أذهب لدروس الرقص التي أعشقها ثانية؟

أخبرتني علا صديقتي أن والداها يتشاجران كلما ذهبت لدروس الرقص، والدها يرفض الدروس ويعتبرها فاحشة، لا أعرف معنى فاحشة لكنها ربما شيء يشبه التين، وربما والد علا يكره التين مثلي، لكني كنت أحب الباليه والمعلمة جميلة وناعمة كالحرير.

على العموم أمي لم توافق على عدم ذهابي لدروس الباليه الآن لأنها دفعت رسوم الاشتراك، وعنفتني وضربتني، هذا كان منذ شهر تقريبًا، اليوم هو آخر حصة في الشهر، ولم تدفع رسوم الاشتراك لشهر جديد، أخفيت عن أمي أني أرقص في الغرفة، وعلا أيضًا لا تعرف، أخشى أن يمنعها والدها مني، قررت ألا أتخيل الجزء الذي تضربني فيه أمي قطعة بسبوسة، وألا آكلها، ولا أرقص في حضور أمي، سوف اكتفي فقط بأن أكرهها، ولا أُقبلها، لأني أحب الباليه وأكره أن يكون بطعم التين، سوف أجعله يستمر بطعم الكرز، وسوف أكره أمي طوال الليل وأنام، لو استيقظ وأنا أحبها فجيد، لو لم أعد لأحبها مرة أخرى بعد ضربي، فسوف استمر في كرهها إلى الأبد، وهي لم تفهم ذلك حينما رسمتها في كراسة الرسم عبارة عن حبة تين كبيرة، وكتبت أسفلها: ماما، ماما لم تفهم أني بذلك أكرهها، لكنها فهمت أني بدأت أحب التين، أخبرتها عمتي ألا تضربني، أو تعنفني، لكنها ردت عليها: بأن الكلام سهل، وأنها حينما تنجب ستعرف، رسمت عمتي حبة كرز كبيرة وكتبت أسفلها عمتي، وفقط مع عمتي في غرفة مغلقة على كلينا نرقص الباليه، عمتي تجيد الرقص، لقد تلقت دروس الباليه وهي صغيرة، وتوقفت عن الدروس في سن العاشرة، ظننت أن أمها تضربها مثلي، لكن اتضح بعد ذلك أن أمها كانت ترى أن الرقص فاحشة، واوضحت لي ببساطة أن الفاحشة بالفعل هي شيء يشبه التين، وحينما سألتها: هل هذا الكلام صحيح؟

أخبرتني أن كل شخص يرى الباليه بعينه الخاصة، بعضهم يراه كرزًا، ربما برتقال، أو تين، أخبرتني أنها تراه كرز، وأنا أخبرتها بذلك على أن يكون هذا الكلام سرًا بيننا، وسيظل سرًا، وسنظل ربما إلى الأبد نرقص الباليه ونأكل الكرز خفية في غرفة مغلقة، تحول حوائطها الموسيقى وحركات جسدينا، من اللون الأصفر إلى الأزرق السماوي مرسوم عليها عصافير بلون البرتقالي والبنفسجي والأحمر، وأنا وعمتي.