الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: ضد التنمر‎

صدى البلد

شُنت حملات كثيرة تحت شعار "أنا ضد التنمر "خلال الأسابيع القليلة الماضية عبر شاشات التلفزيون من خلال مشاهد تمثيلية يقوم بها الطلاب مع بعضهم البعض تشمل الإساءة اللفظية، والعنف الجسدي ،ايماءات تنم علي السخرية، محاولات مهينة من شأنها تقليل الذات وزعزعة الثقة بالنفس.

ولقت هذه الحملات نجاح كبير انعكس صداه علي البرامج التلفزيونية التى ألقت اهتماما كبيرا لهذا النوع من الموضوعات ،فقد استضافة تربويين في هذا المجال وتم تناوله بانتشار اوسع من خلال التفاعل مع الجمهور ،وسماع أشكال عديدة ومتنوعة لصور التنمر الذي يتعرض له الطلاب في الحياة الواقعية وبشكل يومي.

فمع بداية العام الدراسي ظن أولياء الأمور أن التنمر سيختفي تماما داخل المدارس استجابة لهذه الحملات الكثيفة. ...ولكن خابت الظنون وضاعت الآمال !!!

تداولت شبكات التواصل الاجتماعي فيديو لطفل في السابعة من عمره، يتعرض لنوبة بكاء شديدة مستغيثا بالمحيطين حوله، لكن باءت كل محاولاته بالفشل، فلم يقتصر الأمر على عدم الاستجابة له ،بل قام أحد الموجودين بتصويريه تهكما على حالته وقتذاك، وانجرافا وراء سلبيات الفيسبوك في تحصيل فيديو ساخر من أجل تحقيق انتشار أوسع وتفاعل أكثر علي اعتبار أنه سبق يستحق النشر. وبالفعل تم تداول الفيديو خلال ساعات من نزوله، وبدأ المستخدمون يتعاملون مع الفيديو أشر استخدم حيث استغلوا صورة الولد في صنع بوستات مضحكة ،وشرع كل واحد في استخدامها بشكل الذي يروق له دون مراعاة الحالة النفسية للطفل أو لمشاعر أهله .لا عجب في أن يقوم رواد السوشيال بذلك ،فهذا أسلوبهم المتعارف عليه في التحامل علي الآخرين ،وسرعة إصدار أحكامهم دون التحري من صحة الموضوع ودراسة كافة جوانبه ،فهم معتادون علي التحرك في الإطار الظاهري للموضوع والتعامل معه علي هذا الأساس، بينما يتعمدون دائما تجاهل بواطنه والتغافل عن مٌْلابساته و خفاياه. لم اندهش من تصرفات المستخدمين بقدر ما ادهشنى رد فعل السيدة التى ظهرت في الفيديو بلا اكتراث لحالته أو اهتمام لأمره ....ألم تحرك دموعه عاطفة الأمومة بداخلها لتربت علي كتفه في محاولة لاحتوائه و استيعاب ذعره وتبديد خوفه؟!
فإذا كان قد أصابني الدهشة من جمود المرأة، فإنه قد أثار غضبي أن يقوم شخص "المدرس "ينتمي إلي مؤسسة تعليمية "المدرسة " بالتعامل مع التلميذ علي أنه مادة فيسبوكية قابلة للنشر لتلقي الإعجابات والتعليقات وتحقيق أكبر قدر من المشاركات، فانحرف عن دوره كمربي مهمته خلق طالب متزن نفسيًا معتدل سلوكيا إلي خلق طالب معقد نفسيا و عدواني سلوكيا بعدما أصبح تسليتهم الوحيدة خلال أيام الأسبوع الأول للعام الدراسي الجديد ،فبدلا من أن يكون عاملا لجذب الطفل إلي المدرسة، بات المصدر المنفر الذي يجعله يبغض المدرسة ويتواري عن أعين العاملين حتى يتحاشي نظراتهم التى ترمي إلي الفيديو مكرا ، وتتبعها ضحكات صاخبة ساخرة. فلم يتوقف الأمر علي السخرية فحسب، بل طال الأهل وابل من الشتائم مع قدر وفير من الاتهامات التى تتضمن الإهمال ،والتهرب من مسؤولية تربية الأبناء ، و فشل الأهل في تطويع الابن للنوم مبكرًا....وغيره ، فانقسم المستخدمون إلي نوعين . الأول :قد تهكم وسخر من هذيان الولد بكلمات الاستعطاف المبللة بدموعه. أما الثانى :فجعل من صفحته منبرا يطلق من خلالها السباب مع تلقين دورسا في أصول التربية والتعامل مع الأبناء. والمفارقة أن هناك نوع ثالث يجمع بين الاثنين حيث يسخر من الطفل تارة ،يتظاهر بالجدية وعدم الرضا تجاه أهله تارة أخري ، لابأس فلابد من استغلال الموضوع أسوأ استغلال، فلا أحد يعلم متى ستأتي وجبة ساخرة مثل هذه كما أن رواد السوشيال ميديا لديهم قدرة في تعظيم التوافة وتحويلها إلي موضوع يستحق النقاش والخلاف.

أيا كان السبب الكامن وراء ذعر الطفل و بكائه الهيستري ،سواء كان وعكة صحية، شعور بالغربة تجاه من حوله -علي اعتبار أنها السنة الأولي ملتحقا بالمدسة، أو حتى في أسوأ الحالات أنه قد خلد إلي نومه في وقت متأخر من الليل مما ترتب عليه عدم احتماله علي الاستيقاظ مبكرًا ورغبته المًلحة للنوم. كل هذه العوامل ليست مبررًا للسخرية منه أو للنيل من أهله بهذا الشكل الخارق للخصوصية ، لا أحد يحق له أن يتسلي بشخص لاسيما الأطفال ،ولا أن ننصب أنفسنا قضاة لإصدار الأحكام علي الاهل. كان من الأفضل أن يتم معالجة الموضوع بدلا من تناوله علي صفحات السوشيال ميديا ، وأن يتوافر أخصائيون داخل المكان لتعامل مع الطفل بشكل تربوي ، في محاولة لتهدئته وتخفيف وطأة فراق أهله، فالصف الأول الدراسي يحتاج دائما إلي أشخاص تشعرهم بالألفة تعويضا عن غياب أهله ،بالطبع لم يخطر بباله يوما أنه سيتم انتقاله إلى عالم جديد سيحجزة عن أهلة مدة لا تقل عن ثمانى ساعات ، وبالتالي فإن حالة الانتقال من البيت إلي المدرسة تمثل صدمة، وهنا يأتى دول الأخصائي في التعامل مع هذه الصدمة ، وكيفية تفتتها بشكل يجعله ينخرط مع كل من حوله ويصبح جزءًا لا يتجزأ من منظومته التعليمية الصغيرة والمستحدثة بالنسبة له والغريبة كذلك، عالم جديد يحتاج إلي يد المساعدة تشد علي يده ليجتازه دون أن يشعر بالغضاضة والوحشة. الامر الثانى أن يتم أمر معالجته في إطار الفصل والقائمين عليه والتعامل مع الوقعة علي أنه عرض تتعرض له المدراس جميعها بلا استثناء، وعلينا أن نكون مستعدين لحدوثه و متأهبين لوقعوه بين آن و آخر، هذا حال المدارس لاسيما في الأيام الأولي للعام الدراسي. فلم يحدث هذا الطفل ظاهرة الأولي من نوعها، فهناك آلاف الأطفال ينتهجون نهجه وييسيرون علي خطاه ...فما العجب في ذلك حتى تخرج الوقعة خارجًا حيث شبكات التواصل الاجتماعي. العوار لم يكن بالابن ولا بأهله إنما بالمدرسة والقائمين عليها وبحالة الاستخفاف التى انتابتهم والتي ترتب عليها حالة السخرية التى تعاملوا بها مع الطفل.

ركزت الحملات علي أن التنمر سلوك يمارسه الطلاب علي بعضهم البعض ،و تغافلت عن أن بعض القائمين بالمدارس قد يمارسوه علي الطلاب سواء عمدا أو بأساليب غير مباشرة ،وهذا ما يحتاج إلي وقفة لنتمعن في سلوك المدرس قبل الطالب ،وأن نراقب أداءه جيدا أثناء اليوم المدرسي في محاولة لتقويم سلوكه حال قيامه بأي تصرف ينذر بالتنمر .

المدرس هو الشخص المنوط لمحاربة التنمر داخل الفصول ،وأثناء احتكاكه اليومي بالطلاب ، ولايصح أن يكون مشاركا فيه بأي صورة من الصور، ولذا لابد أن يخضع لدورات تدروبية تدور في فلك هذا النوع من الظواهر السلبية التى تعشش داخل مدراسنا بسبب استخفافنا بها ،و إغفالنا الجانب النفسي الذي يترتب عليها حال انتشارها، فلابد من اجتثاث التنمر من جذوره سواء كان بين العاملين أو التلاميذ، وأن يعي المدرس أن أي تصرف يبدر منه لابد أن يكون قائم على أسس موضوعية تربوية مدروسة لا علي انفعالات عشوائية تحمل في ثناياها التنمر بأنماطه المختلفة وأساليبه المتفاوتة،