الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.فتحي حسين يكتب: الخداع الإعلامي وحرب أكتوبر

صدى البلد

هناك عبارة كتبها الجنرال إيلي زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عام 1973 في كتابه «حرب يوم الغفران»،وهي :"كل موضوعات الإعلام المصري كانت حملة خداع من جانب الرئيس أنور السادات، أو شخص ما بجواره، وأن ذلك ليعتبر أكبر نجاح لمصر في حرب يوم الغفران (أكتوبر)"! وهي عبارة تدل علي مدي نجاح الإعلام المصري في إخفاء قدرتنا على الحرب، وتحقيق المفاجأة الاستراتيجية في حرب أكتوبر والذي كان صاحب الخطة الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام الأسبق! والذي كلفه الرئيس الراحل أنور السادات برئاسة مجلس الوزراء نيابة عنه لإعداد الدولة اعلاميا لحرب أكتوبر 1973 ، والذي بدوره قام بوضع خطوطا رئيسية لسياسة جديدة تقوم علي اتباع المفاجأة الاستراتيجية، فاتبع أسلوبا جديدا لأول مرة لم يكن معروفا من قبل وهو التعتيم والتكتم الإعلامي , فمن يريد أن يحارب لا يعلن عن ذلك تنفيذا للحديث الشريف :"استعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان " صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم . فقد قرر الإعلام المصري –اّنذاك - أنه يجب اتباع التعتيم والكتمان وعدم التصريح أو الإعلان عن أي معلومات يستفيد منها العدو في مرحلة إعداد الدولة للحرب وذلك بعكس ما كان يحدث في حرب 1967 حيث كانت أجهزة الإعلام تبين في تصريحات المسئولين بأننا سنلقن إسرائيل درسا لن ننساه وأننا أكبر قوة حربية وكان هناك تهويل في قواتنا وتهوين في قوات العدو!
حيث طبقت خطة الإعلام أثناء الحرب بنجاح تام عندما جمعت رجال الإذاعة والتليفزيون الساعة 12 ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 وكان البيان الأول قد أعد في قيادة القوات المسلحة وطلبت من المذيعين عمل بروفة لإذاعة البيان، ووضعت الخطوط الرئيسية في هذه الخطة دون خطابة ولا إثارة ولا حماس بالنسبة لكل البيانات العسكرية، فالإعلام هو لنقل الأخبار وليس من عمله صنع الأخبار ومن المهم أن يتفادي كل أخطاء إعلام 1967 وهي سنة اطلق عليها عام النكسة ! ولقد عرف الإعلام المصري في إبان إعداد الدولة للحرب بأنه يجب أن تغير أجهزة الإعلام الأسلوب الذي كان متبعا في حرب 1967 وهو المبالغة وعدم المصداقية في الأخبار التي كانت تذيعها أجهزة الإعلام عام 1967، وأن يلتزم الإعلام المصري بالمصداقية وعدم المبالغة. وربما كان من أسباب الهزيمة في حرب 1967 عدم التعاون بين أجهزة الإعلام والقيادة العسكرية لذلك وضع أسلوب إعلامي جيد في حرب 1973 مبني علي التعاون والتنسيق بين الدولة وأجهزة الإعلام وتولي المسئولية بمركزية واحدة.

كما اقتصرت إذاعة البيانات علي المذيعين فقط، ولاداعي لأن تقوم المذيعات بالإذاعة خشية الانفعال، خصوصا وقد تقع أحداث ليس بها انتصارات فيصعب عليهن التحكم في مشاعرهن, وقد سمحت بإذاعة المذيعات للبيانات بعد يوم 10 أكتوبر بعد أن تحقق النصر.

وكان من سياسات الاعلام وقتها هي ان تذاع جميع الأغاني الهادئة، ولاداعي للصراخ وافتعال أناشيد وطنية لاداعي لها والأغاني تكون مثل "علي الربابة أغني, مع اذاعة أحاديث عن روعة قواتنا وصلابة الجبهة وماقامت به دول متقدمة في الحرب العالمية الثانية من تقييد صرف التموين ببطاقة التموين. و كان دستور الإذاعة والإعلام في عام 1973 هو الصدق والسرعة في نقل الخبر، بحيث يستمع المواطن المصري أول خبر عن أحداث الحرب بسرعة من مصادر الإعلام المصرية وقد نشرت كل أجهزة الإعلام العالمية أن أجهزة الإعلام المصرية لها مصداقية بينما الدعاية الاسرائيلية تذيع الأكاذيب، لأنها أذاعت بأنها هشمت عظام الجنود المصريين بينما الجنود المصريون يأسرون الجنود الإسرائيليين. وكان تعامل الاعلام المصري في 73 يقوم علي أساس أن الحرب بالنسبة لنا ليست هدفا في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لابديل عنها من أجل تغيير الأوضاع والمفاهيم التي سادت في سنوات ماقبل أكتوبر وأنها أداة لتهيئة الظروف المناسبة للتوصل إلي السلام والاستقرار في المنطقة!

ومن هذا المنطلق أرتكز إعلام أكتوبر 1973 علي عنصر الصدق، وحرص علي تحري الحقيقة في كل خبر ينسب إليه، حتي إن العالم بدأ يستقي الأخبار من الإعلام المصري لما له من مصداقية في مقابل أكاذيب وافتراءات كثيرة اتسم بها الإعلام الإسرائيلي.

كما إن مصداقية الإعلام المصري كانت عونا لنا في كسب تعاطف المجتمعات الأخري واحترامهم لنا.. وقبل ذلك استعادة المصريين لثقتهم في إعلامهم التي اهتزت بشدة عام 1967. لذلك فإعلام الدولة إستوعب دروس 5 هزيمة مصر والعرب في عام 1967 ومهد للحرب بتخطيط ودقة عالية و بخداع إستراتيجى بالتنسيق مع القيادة السياسية وقاد المعركة بشفافية واقتدار وايمان بالله , فحاز التحام الشعب ووحدة العرب واحترام العالم كله ..