الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سارة مجدي تكتب: معركة القلق

سارة مجدي
سارة مجدي

تريد أن تنتصر في معركة القلق؟

القلق من أكثر الأمور التي تعكر صفو يومنا، فقد تتوقف الحياة لقلقنا من أمرٍ تافه..القلق كالطفل، إما أن ينهمِك في اللعب، أو ينهمك في إزعاج أبويه؛ وهكذا الأمر معنا فكلنا لدينا طاقة متدفقة في أجسامنا، وهذه الطاقة لا بد أن تفرّغ في شيءٍ ما، والذكي هو الذي يعرف كيف يتعامل مع قلقه، ومما اكتشفه علماء النفس أن القلق الذي يوجد في عقولنا يجب أن يوجّه إلى شيءٍ آخر، وإلّا توجّه إلينا وقتلنا، لذا القلق شيء موجود، ويجب أن تجعله في مكانٍ آخر غير عقلك، كأن تضع قلقك في عمل يدوي، أو رسم؛ وبهذه الطريقة سيهدأ عقلك وترتاح.

قالت لي مرة صديقة تعمل كمعلمة للأطفال في اول يوم عمل لي: “أشغليهم قبل ان يشغلونك”.

فكان تعطي الطلاب رسومات وألوانا، وتجعلهم ينهمكون في التلوين، وهذا يصف حالنا مع القلق؛ فإما أن نُشغل قلقنا بشيءٍ ينهمك فيه، أو سيرتدّ القلق علينا ويُشغلنا.

– لا تلتفت للتوافه

لطالما عدَّ الحكماء أنك تملك من الحياة يومك فقط، فالغد لعلك لا تُدركه، والأمس قد مضى بما فيه، وهذا اليوم ما إن يبدأ حتى ينتهي أيضًا لك قدرة مؤطّرة وانتباه محدود فيه، إن أضعت هذا الإنتباه بالتوافه ضاع يومك، تذكّر أن ذلك الموقف التافه الذي عكّر مزاجك قد ذهب بأهم ما تملكه في يومك وهو مزاجك، وإذا ذهب يومك وغدك وبعد غدك ذهب عمرك وذهبت حياتك.

الحياة لا تخلو مما يكدّرها، ولكن هذه المكدّرات عادةً ما تكون صغيرة، مثلًا، لو أُهْدِيَ لأحد ما سيارة، ثم أخذ يتطلّع إلى بقعةٍ في مقبض الباب، فتعكّر مزاجه وذهبت فرحته بالهدية، وأخذ يبحث عن الذي قام بهذا الفعل حتى ضاعت فرحته المميزة في هذا اليوم، سيقول الناس عن هذا الشخص مجنون؛ فما رأيك بمن يُضيع أعظم هدية من الله! وهي الحياة فلا يلتفت إلى جمالها، ولا إلى زينتها، فيترك كل هذا خلفه وينظر في أشياء صغيرة ليس لها قيمة، ويُدير ظهره للحياة وما فيها من متعة، وفي الحقيقة أننا لا يمكننا عيش حياتين معًا، فلدينا حياة واحدة قصيرة جدًا.

“الحياة أقصر من أن نقصّرها”.

– العمل أو الوظيفة

اعمل بكل جهد حتى تنسى خوفك وقلقك، فالعمل هو المفتاح الأول للتخلص من القلق، فالذي يعمل هو مشغول بما في يديه، فلا يفكّر إلا بما عليه إنجازه.

في قصة بحبها اوي حكاها المؤلف المشهور ديل كارنيجي: قابلت سيدة من أهل شيكاغو فقصّت عليّ قصتها، وكيف تغلبت على القلق، فتقول: التحق ابني بالجيش في اليوم التالي لهجوم اليابانيين على”بيرل هاربور” فأخذ مني القلق مأخذه، فصرت لا أنام إلا قليلًا، وكدت أقتل نفسي من الإفراط في التفكير؛ هل قُتل ابني أو جُرح؟ وحتى أتغلب على هذا القلق المزمن شرعت في تدبير منزلي بنفسي، وسرّحت الخادمة من عملها في بيتي، ثم لم أجد هذا كافيًا، فالحتقت بأحد المتاجر الكبيرة بحثًا عن عمل، وقد وفى هذا العمل بالمطلوب؛ إذ ألفيتُ نفسي وسط حلقة متصلة من النشاط، فالعملاء يتزاحمون أمامي يسألون عن: الأثمان، والألوان، والأحجام، فلم تُتِح لي ثانية واحدة أفكر فيها في شيءٍ آخر سوى عملي، وعندما يأتي الليل لم أكن أفكر في شيء غير راحة قدمي اللتين كلّتا من الوقوف طوال اليوم، فأتناول عشائي وأخلد إلى النوم.

واليوم يوجد نوع من العلاج النفسي يسمى بـ(العلاج الوظيفي) فالطبيب يصف “العمل أو الوظيفة” كعلاج، وقد ذُهل أحدُ زائري مصَحّة “كويكرز في عام ١٧٧٤” عندما شاهد المرضى النفسيين منهمكين في غزل الكتّان، وظنّ أن هؤلاء المساكين يُستغَلّون من قِبَل المستشفى، إلى أن شرح له المسؤول أن مرضاهم يبرأون من عِلَلهم عندما ينهمكون في العمل وتسكن خواطرهم.

– القراءة

الكتاب والقراءة أفضل ترياقين للقلق، فعندما تفتح كتابًا تُحلّق في أودية الصين مع الحكيم العجوز، أو تعيش قصة حب في روايةٍ عاطفية، أو حتى تخوض مغامرة في سهول أفريقيا؛ وعندما ينهمك الإنسان في القراءة فسيظل ذهنه وعقله منشغلين بتحليل الكلمات والمواقف الموجودة في الكتاب، فلا مكان لكل أفكار القلق.

لذلك، قَلّ أن تجد من العلماء والباحثين من يصاب بالقلق، لماذا؟ لأنهم ببساطة شغلوا أنفسهم بشيءٍ آخر غير القلق، وقد تحدّث العالم الفرنسي “باستور” عن السلام الذي يجده المرء بين جدران المكتبات أو المعامل، لأن الناس في المكتبات أو في المعامل مستغرقون عادةً في المطالعة أو البحث، فلا يتوفر لديهم وقت للقلق؛ في المرة القادمة التي تشعر فيها بالقلق، جرّب أن تُمسك بكتاب لقراءته.

حاول أن تتخيّل جَملًا أصفر يأكل من العشب، وفي نفس الوقت حاول أن تتخيّل أمرًا ما أعددته لتنفيذه غدًا، إنك لن تستطيع إلا أن تفكر بأمرٍ واحدٍ فقط، وهذا السرّ في هزيمة القلق؛ فعقولنا قد هُيئَتْ للعمل على أمرٍ واحدٍ فقط، وعندما نعمل بعقولنا فلا مكان للقلق أبدًا.