الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ناصر خليفة يكتب: النصّاب والمنصوب عليه

ناصر خليفة يكتب..
ناصر خليفة يكتب.. النصّاب والمنصوب عليه

انتشرت عمليات النصب في الآونة الاخيرة بشكل كبير ومزعج، تلك الظاهرة اللاأخلاقية، لأنها -للأسف- عملية ربما لا يستطيع القانون والقضاء معها استرجاع حق المنصوب عليهم، لأن هذا النصّاب -محترف النصب - في الغالب لا يترك خلفه ما يدينه أو يجرمه، فالعملية مدارة بطريقة مدروسة جيدا .. فهم يُسوِقون الوهم ويبيعونه مغلفا بكلمات تشبه الصدق، وكأنها الصدق بعينه فهي وبإتقان معدة سلفا في خطة محكمة، وبأسلوب كله حيطة وحذر، فالكلام المعسول أداة مهمة من أدوات النصب، والعزف على أوتار مختارة بدقة، مستغلين أثناء العملية صفات كائنة في صميم تركيبة النفس البشرية وطباعها ودوافعها السيكولوجية والغريزية، إنه عزف بارع ، يبدو ان النصّاب اجتاز مرحلة تدريب مكثف "كدورات التنمية البشرية" !! .


وبالممارسة اكتسب الخبرة التي جعلته بارعا في إدارة تلك اللعبة "المشينة والقذرة"، ومن -نصباية لنصباية- تعلم وتفوق وأجاد اللعبة بكل حنكة ودقة واحتراف، استطاع في كل مرة أن يسلب لب العميل عقلَه وتفكيرَه أفقده القدرة على التركيز، ولم يعطه فرصة للسؤال، فكلما أراد أن يستفسر عن شيء كانت الإجابة المقنعة بالأدلة الوهمية والبراهين الخيالية وكأنه ساحر!، وربما نسي العميل عما يسأل ! لأن المحتال حاصره في متاهة واحدة حتى لا يفكر ولا يدرك الجانب الملتوي والمخفي في حوار الوهم، غافلا عن كل ما يشير إلى أن شيئا ما غير منطقي فيما يعرضه النصّاب، حتى في أبسط الملاحظات التي يستطيع طفل صغير إدراك ما تحتويه الفكرة من تناقض واضح وتعارض صريح !.

لكن هيهات هيهات.. فالعميل مستسلم كالضحية المخدرة التي تذبح دون أن تشعر وربما كانت مبتسمة فالعميل المستهدف قد يكون إما بلغ من السذاجة والعفوية ما بلغ، أو أنه في أشد الاحتياج فاستسلم طوعا، أو أن الطمع أعمى بصيرته وسلب إرادته في اتخاذ موقف إيجابي !! يستمر العرض المغري وإلقاء الطعم تلو الطعم يلتهمه العميل بكل لهفة وشوق، ويمضغه بل ويستمرئه بمتعة ورضا وكل خلجات نفسه تؤكد له أنه حقق فوزا عظيما، وصفقة لم يحظ بها غيره، حتى يصبح فريسة سهلة وصيد ثمين في شباك هذا اللئيم الكاذب المحتال، ليأخذ منه المال بكامل إرادته وموافقته التامة.

ففي حالة من تلك الحالات يأتيك بالطلب الذي طلبته من ( النت والأون لاين) وحين يسلمك الطلب يعرض عليك خدماته الأخرى : "إنت ابن حلال علشان كده هقدملك خدمة كبيرة معرضتهاش على حد قبلك " ويواصل الحديث فيقول : "يا فندم الشركة عاملة عرض مغري اسمه عرض اليوم الواحد! " وأنت مستسلم كلك آذان صاغية وهو يواصل حديثه ورمي شباكة وصنارته بالطُعم وينصب لك الفخ المتين .

ويضيف : "العرض ده حضرتك انا مش باقوله غير للناس الطيبين المحترمين اللي زي حضرتك يا فندم !! " هكذا كلماته ترضي غرور الصيد الثمين بشخصه، وتلقى هوى في قلبه، هذا الإطراء هو مدخل رائع للمرحلة التالية وهي اللعب على وتر الفائدة المادية الرهيبة التي ستعود على العميل من هذا العرض الذي اختصه دون غيره. !! ويكمل التمثيلية : "يا فندم سيادتك لو اشتريت الآن منتجين بالإضافة للمنتج اللي حضرتك طلبته من حقك عرض على جهازين نسبة الخصم تصل لتسعين في المية !!" .

يسمع العميل هذا الخصم فلا يتحرك تفكيره لحظة بعيدا عنه، خصوصا عندما يكون في حاجة لجهاز معين ثلاجة غسالة الخ.. الخ ويعلم أنه غال الثمن خاصة مع هذا الغلاء المتوالي يوما بعد يوم بل لحظة بعد لحظة !!، وبعد شرح وبالتفصيل عن دوافع شركته العريقة ذات التاريخ الممتد في عالم التجارة والتسويق وعن اسباب تقديم هذا الخصم، وبطريقة تقنعك تماما، في النهاية تجد نفسك قد دفعت ثمنا باهظا في منتجين آخرين يكاد سعرهما يفوق ثلاثة اضعاف ثمنهما الأصل، ودون تعقيب منك ولا اعتراض ولا نقاش، بل أنت سعيد وهائم في حلم الجهازين الآخرين وبسعرهما الخيالي ! وفي نهاية المسرحية ينزل الستار على آخر مشهد فيها، ثم يغادر هذا المحتال على وعد بالاتصال بك غدا لتحديد موعد توصيل وتسليم العرض المغري !! .

ويغادر النصّاب بكل أمان، بل ومصحوبا بالسلامة والشكر والامتنان، وتودعه بكل الرضا إلى أن يركب سيارته ويرحل بصيده الثمين، دون عودة ودون رجعة، أو حتى مجرد التفاته للخلف، وقد أتم صفقته على أكمل وجه وفي منتهى الأريحية ..!.

وبعد ساعات قليلة وأنت تقلب فيما باعك، تبحث وتفتش ! تجد أنك خُدعت بعد ان تكتشف أنك دفعت عن المنتج الواحد قيمة ثلاثة منتجات مثله!! فالثمن ثلاثة أضعاف !! تبكي حالك وترثي مالك الذي ضاع بكامل ارادتك ! وفي عقلك طاحونة تدور رحاها في عالمك الباطن والظاهر ! لتسرع كالمجنون تبحث عن تليفونك الذي نصحك أن تفصله حتى لا يزعجك أحد ويقطع عليك هذا العرض المميز !! تتصل بهذا النصاب المحتال فلا حياة لمن تنادي ولا تستمع غير : هذا الرقم لا يمكن الاتصال به الآن !! وبعدها : هذا الرقم مرفوع من الخدمة مؤقتا..

تستمر في الاتصال دون جدوى !!
عفوا لقد نفد رصيدكم ..