الفقر والجهل والرغبة في الزواج، ظلام حالك يسود قرى ونجوع المحروسة، ليحرم الفتيات من أقل حقوقهن في التعليم، منهن من رضخن إلى الأوامر، منصاعات لرغبة أهاليهن في تزويجهن، إلا أن القليل منهن تمردن على حالهن، متخذين التعليم راية لهن، والثقافة نورا لطريقهن، ومحو الأمية مشوار حياتهن.
خليكي زي لوزة.. قصة سيدة حطمت عادات قريتها بالصعيد لتعليم بناتهن
بضفيرتها وابتسامتها، أماني تحملها الطفلة "لوزة" في الثالثة عشر من عمرها، إلى عالم في خيالها، لتصطدم الصغيرة بواقعها الذي تعيشه، ويجبرها والدها على التوقف عن حلمها بالذهاب إلى المدرسة والزواج، لتظل "لوزة" حبيسة الجدران في قرية بني عدي بمركز ناصر بمحافظة بني سويف.

حصلت لوزة على الشهادة الإعدادية بنظام المنازل، لتلقى هجوما عنيفا من أسرتها وجيرانها، تحملت السب والقذف والإهانة خلال مشوارها التعليمي، تصف لوزة معاناتها قائلة: "عمي وأهلي قاطعوني وأمي قالتلي خليكي في بيتك وجوزك".
ساندها زوجها خلال مشوارها التعليمي، فكان يدخر مبلغا كل شهر من مرتبه البسيط لمساعدة زوجته في دفع ثمن دروسها الخصوصية، غير مبالٍ بهجوم القرية عليهما، واعتبر حلم زوجته حلمه أيضا، لتتوج حياتها أخيرا ببكالوريوس في كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة الفيوم.
وتابعت قائلة: "كنت عايشة حياة ضلمة اتغيرت 180 درجة بالتعليم، عيلتي كلها بعدما قاطعتني بقوا فخورين بيا"، أمهات القرية بعدما كانوا يعتبرون لوزة فتاة منبوذة ويبعدون أطفالهم عنها، أصبحت لوزة الآن هي مثلهم الأعلى، تحرص كل أم على تعليم فتياتها ليصبحن مثل لوزة.
وبعد تكريم محافظ بني سويف لـ"لوزة" وتعيينها في مركز القرية، أصبح لسان حال قريتها "الناس في البلد كلهم بقوا يقولوا شوفوا لوزة بقت إيه، خليكو زي لوزة"، مشيرة إلى أنها أحدثت ثورة في تعليم فتيات قريتها، لتكون هي أول فتاة تحصل على بكالوريوس جامعي في قريتها، ولم تكتف بذلك بل استكملت مشوارها وحصلت على الماجستير.
هي والمستحيل .. مسلسل غيّر حياة سناء الصعيدية لتمحو أمية قريتها
عزبة حسن موسى الغربية، بقرية الشنوية التابعة لمركز ناصر في محافظة بني سويف، بلدة نائية، يقتصر التعليم هناك على الأولاد فقط، وكأنه حكر على الرجال دونًا عن النساء، يكتفي الآباء بتزويج بناتهم وكأن الزواج هو التربية والتعليم بعيدا عن أي مدارس.

اعتقد الأهل أن هذا اليوم في حياة سناء مجرد يوم عابر، إلا أنها وحدها قررت أن تثور ضد عادات وتقاليد قريتها، لتقف بمفردها أمام أسرتها وتقرر في خفية استكمال تعليمها الذي حرمت منه، واتجهت الفتاة إلى تعلم الرسم على ورق البردي، وبيعه للسائحين، لتدخر نقودا ثمنا للدروس الخصوصية.
كان مسلسل " هي والمستحيل" للفنانة صفاء أبو السعود، مجرد تمثيلية درامية على التلفاز، تلتف الأسرة حوله يشاهدونه باستمتاع، إلا أن الطفلة سناء كان لها رأي آخر، فمن خلاله عرفت معنى فصول محو الأمية، لتقرر خوض رحلة جديدة عليها، ليكون ملهمها الوحيد هو المسلسل التليفزيوني.
مشوار قررت "سناء محمد كامل" خوضه، لتواجه العوائق أمامها، بداية من قرار أسرتها تزويجها من ابن خالتها، وهي في السادسة عشر من عمرها، إلا أنه كان نعم الداعم والمشجع لرحلتها التعليمية، فأصبحت تستذكر دروسها صباحا، وتعمل على ورق البردي ليلا، وبعد خطبتها أصرت على التعليم، والتحقت بأحد مكاتب المحامين بالقرية للعمل كمساعدة، لتصبح بمثابة النحلة التي تدور في الحقل بكل نشاط، تذهب للعمل وترسم البردي وتستذكر دروسها وأخيرا تجهز لزواجها، لتحصل على شهادتي الإعدادية والثانوية.
مشوار طويل قطعته سناء، لم يمنعها الزواج من استكمال حلمها، رحلة بدأتها منذ عام 1997 لتنتهي عام 2011، لتتوج أخيرا ببكالوريوس الحقوق جامعة بني سويف، بدأت في الدراسات العليا، ليتم تعيينها في المركز أمام قريتها لتكون فخرا لأسرتها وأطفالها، لتقوم بعدها بفتح فصول محو أمية لنساء القرية وتعليمهن القراءة والكتابة ومساعدتهن لإكمال تعليمهن.
حكاية الحاجة سعاد.. حرمتها أسرتها من التعليم فاستكملت دراستها فى الـستين لقراءة المصحف
قصة "سعاد رمضان" لسان حال نساء إحدى قرى العياط، فبعدما رضخت لأوامر أهلها في إخراجها من المدرسة، انصاعت بعدها لقرار زواجها وهي في الثالثة عشر من عمرها، لتظل حبيسة قرارات أسرتها.

واليوم، كبرت الطفلة وشابت، وأصبحت على مقربة من الستين عاما، والدة ٧ أولاد، زوجت جميعهم ولم يتبق سوى ابن واحد، عاشت العجوز حياتها في سبيل تربية أولادها، تصف مشوارها مع أبنائها قائلة: "قلت نفسي إني شمعة، أنورلهم وأنا اتحرق عادي بس المهم أنورهم ويطلعو نضاف".
وبعد سنوات طويلة، قررت سعاد الإفصاح عما بداخلها، قائلة: "حلمي الوحيد إني أمسك المصحف وأقرأ فيه"، لتواجه أسرتها برغبتها في الالتحاق بصفوف محو الأمية في قريتها لتتمكن من القراءة والكتابة، ليدعمها أولادها وزوجها.
واليوم وبعد ثلاثة أشهر فقط، تمسك الحاجة سعاد المصحف في فرحة غامرة، تقلب صفحاته بعيون تفيض بالدموع فرحا، أخيرا تمكنت من إقامة صلاتها بسور وآيات جديدة غير تلك القصيرة التي حفظتها عن ظهر قلب من أسرتها، أصبحت قادرة على كتابة اسمها واسم أولادها، استطاعت قراءة العناوين وأن تذهب إلى مقصدها دون أن تضل الطريق.