الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ومضى عام على احتلال عفرين


عفرين الصغيرة بجغرافيتها وخضارها المتجدد على مدار السنة، والذي تاريخها ضارب في عمق التاريخ والتي كانت يوما ما عاصمة الحوريين، ها هي مرة أخرى يتم احتلالها من قبل زبانية الجشع العثماني منذ عام مضى.

شُرّد أهلها وأذاقوهم المرّ ليس إلا لكونهم كردًا فكروا بأن يعيشوا ذاتهم بعيدًا عن التبعية وإملاءات الأنظمة الشوفينية التي لا تقبل بوجود الآخر وتعمل على إقصائهم حينما مجرد أن يفكروا أن يكونوا ذاتهم الطبيعية.

عفرين التي أوت عشرات الآلاف من النازحين من مختلف المدن والقرى السورية التي شهدت صراع الأطراف للوصول أو الحفاظ على السلطة التي أعمت قلوبهم وبصيرتهم. 

هذه المدينة التي نفضت عن جسدها غبار نظم الاستبداد البعثي وراحت تبحث عن رداء يليق بها وبطبيعتها المجتمعية المتشكل من كافة الألوان والقوميات والأديان. اختارت أن تتزين بألوان الطبيعة ومياهها المتدفقة وتسهر على أنغام جميل هورو وبافي صلاح وملحمته درويشي عبدي.

سنوات عدة من الحرية لم يروها تليق بهذه المدينة طواغيت الظلام وهمجيو العصر. أرادوا أن يحتلوها ووأدِها كي لا تنتشر حريتها في المدن الأخرى التي ما زالت تئن تحت صيحات الوحوش المتأسلمة. أُحتلت عفرين قبل الميلاد من قبل اليونانيين وبعدهم احتلها الرومانيين والآن يتم احتلالها للمرة الثالثة على يد العثمانيين الجدد ومرتزقتهم من الجيش الانكشاري الذي تم تشكيلهم من قبل السلطان أردوغان. هي نفسها المرتزقة التي جمعها السلطان عبد الحميد وتخلص من أعدائه في ذاك الوقت، والآن أردوغان يسير على خطاه في تنفيذ المجازر بحق الشعوب التي تتطلع للكرامة والحرية.

شعب هذه المدينة الذين قاموا الغزاة اليونانيين والرومانيين منذ مئات السنين وهم مستمرون بنفس المقاومة لطرد الانكشاريين الجدد من مرتزقة أردوغان الذين حملوا السلاح يوما من أجل إسقاط النظام في دمشق، إلا أنهم غيروا وجهتهم حينما طلب ذلك دجالهم وخليفتهم الذي يعيث في الأرض فسادا. رحل كل الغزاة وبقيت عفرين خضراء لم تتشح بالسواد يومًا، وسيرحل أردوغان ومرتزقته يومًا ما وستبقى عفرين كما هي وكما عرفها أهلها.

احتلت عفرين باسم الاسلام على نقيق مريدي السلطان أردوغان بقراءة سورة (الفتح)، كما فعل من قبله صدام حينما ضرب جنوب كردستان أيضًا مستغلًا الدين الحنيف وذلك بقراءة سورة (الأنفال) واسم القادسية وكأنه يفتح بلاد الكفرة. التاريخ مدرسة العقلاء إن هم اتعظوا منه. لكن يبقى الغباء هو من يتحكم بعقول من يتمسكون بالسلطة. ذهب صدام ولكن بقيت كردستان والكرد وكذلك سيزول ويفشل أردوغان كما سابقيه وتبقى عفرين حرة.

عفرين كانت ضحية السياسة عديمة الأخلاق التي تعيشها كافة الأنظمة التي تبحث عن مصالحها وأطماعها، إن كان على المستوى الدولي أو الإقليمي وحتى المحلي. حينما تفقد السياسة أخلاقها لا يتبقى شيء اسمه مجتمع انساني ونظم ديمقراطية. إذ، تتحول هذه النظم إلى دول شوفينية فاشية والمجتمع يتحول إلى مجتمع نمطي استهلاكي بعيد عن الانسانية ويكون الانسان وحش أخيه الانسان. 

عملت روسيا على مقايضة الغوطة بعفرين وكذلك بعقود السيل الأزرق للغاز الروسي الذي يمر من تركيا نحو أوروبا ولتذهب تطلعات الشعوب في الكرامة إلى الجحيم، وكذلك لعبت القوى الدولية والتي تتغنى بحقوق الإنسان ليلًا ونهارًا دور القرود الثلاث (صمٌ، بكمٌ، عميٌ). وحتى أمريكا التي تتحالف مع الكرد في شرق الفرات كانت تتفهم مخاوف تركيا في احتلالها لعفرين تحت حجج وأكاذيب ليس لها أساسًا من الصِحة.

إنه زمن العهر الأخلاقي الذي توشحت به الأنظمة السلطوية التي تبحث عن مناطق نفوذ لها في منطقة الشرق الأوسط. إنها الفوضى الهدامة التي تعتمد على تهجير الشعوب والمجتمعات والتغيير الديموغرافي من أجل أطماعها في المنطقة. فلا روسيا الحفيد غير الشرعي للسوفيتات سابقًا ولا أمريكا التي نشأت على مبادئ ويلسون ولا معظم الدول العربية التي تعتنق الاسلام، عملوا أي شيئ لوقف الغزو التركي وبقوا متفرجين كيف يتم اغتصاب عفرين أمام أعينهم وهي تصرخ بأعلى صوتها، لكن لا من مغيث.

عفرين، لا داعي للصراخ فلن يسمع صوتك أحدًا، لأن أذنهم تملؤها غبار المال ولن يراك أحدًا لأن عيونهم أصابها عمى السلطة. هو شعبك فقط وفقط الذي شرب من مياهك هو من سيحررك ثانية من وحوش العصر. إنهم أحفاد سيدنا ابراهيم وكاوا وأوجلان من سيشمر عن ساعديه ويقارع المرتزقة الذين أتوا من كل فجٍ عميق. 

شعبك الذي هزم داعش أعتى إرهابيي العالم ونظف ترابك منهم وجعلهم كعصف مأكول هو من سيحررك وينفض عنك غبار الاحتلال. شبابك وبناتك من الكرد والعرب والسريان والآشور الذين سطروا أروع ملاحم البطولة أمام داعش ومرتزقة أردوغان هم وحدهم سيكون لهم شرف التحرير رافعين راية العيش المشترك وأخوة الشعوب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط