الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أصحاب الفضل في بقاء معظم أغذيتنا.. قصة علماء ماتوا من الجوع داخل مخزن الطعام

عالم الجينات وأعظم
عالم الجينات وأعظم مستكشف نباتات في العالم نيكولاي فافيلوف

الغاية تبرر الوسيلة، وفي أحلك الظروف تكسر المبررات وتتحطم المبادئ في سبيل النجاة، هكذا اعتاد البشر في حياتهم، ولكن في عالم موازى، كان لآخرين رأي مخالف، هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم لإنقاذ أجيال بعدهم، لم يأبهوا بسبل النجاة ولكن الإنقاذ والحماية كانت هي طوق نجاتهم الوحيد، ورغم وجود الدواء في أيديهم إلا أنهم فضلوا الموت على أن يخذلوا العلم الذي عاشوا لأجله، ليذهبوا ويخلد التاريخ ذكراهم.

وفي "لينينغراد" تلك المدينة الروسية التي تعرضت للحصار أيام الحرب العالمية الثانية، تعرض الأهالي للقحط والجفاف، وقطعت عنهم جميع سبل الطعام، حتى لجأوا إلى أكل نشارة الخشب، مجاعة مفزعة تعرض إليها الأهالي خلال الحصار الذي دام 900 يوم.


وبين شوارع المدينة، يقبع كنز يجهله بعض السكان، فقط من بداخله يعرفون قيمته، أقسموا على حمايته حتى لو كان الثمن أرواحهم، علماء وضعوا البشرية هدفهم، وحماية الطبيعة غايتهم، وخلود اكتشافاتهم العلمية حلمهم الوحيد.

معهد فافيلوف للنباتات، جمع العلماء به مجموعة من بذور الثمار والخضراوات والنباتات، حوالي 200 ألف نبتة قابلة للأكل، يعتبر المعهد من أكبر مستودعات التنوع الجيني للمحاصيل الغذائية في العالم كله، وكان من بين هذه المحاصيل التي احتوت عليها الخزنة الكثير من الأرز، والقمح، والذرة، والبقوليات، والبطاطا، وبالرغم من أن الكميات الموجودة كانت كافية لدعم استمرار ونجاة علماء النباتات خلال مدة الحصار كلها، إلا أنهم أفنوا عمرهم لحمايتها.



كان العلماء بمثابة الدرع الحامي للمخزن أو بنك الطعام، من الغزاة والأهالي الجائعين خارجا الذين يجوبون الشوارع بحثا عن أي طعاما يساعدهم في البقاء أحياءا، وكانت المخزون كافيا لملء 16 غرفة إلا أنهم منعوا أنفسهم من البقاء طويلا داخل هذه الغرف حتى لا يضطروا إلى تناولها.

لم يصمد العلماء طويلا، فمع مرور الأيام سقط واحد تلو الآخر حتى توفي 9 منهم من الجوع والبرد، ولكن لم تسقط بذرة أو ثمرة واحدة من مكانها، وفي مطلع عام 1942 توفي أليكسندر تشوكين عالم نبات خبير في الفول السوداني جوعًا على طاولة مكتبه وتوفي كذلك عالم النبات ديميتري إيفانونف جوعًا بينما كان محاطا ببضعة آلاف حزم من الأرز التي كان يحرسها.


معاناة العلماء وجوعهم كان السبب في دوام بعض المحاصيل الزراعية حتى اليوم، والتي كانت ستندثر بعد أكلها، ويعود الفضل لهم في الكثير من المحاصيل التي نتغذى عليها اليوم، لأن مصدرها كان الأنواع النباتية التي أنقذها هؤلاء العلماء الشجعان وعمليات التهجين التي أجريت عليها، ويعود الفضل لهؤلاء العلماء على بقاء معظم الأطعمة التي نتناولها إلى يومنا هذا، يبلغ عدد البذور في هذا البنك إلى يومنا هذا حوالي 1400 بنك من البذور.

وأسس عالم الجينات وأعظم مستكشف نباتات في العالم نيكولاي فافيلوف مخزن النباتات عام 1926، ويعد من أبرز علماء النباتات الروس على الإطلاق ويقال بأنه جمع من البذور والدرنات والفواكه من العالم أكثر من أي شخص آخر في تاريخ البشرية، ونشأ في قرية ريفية وانتقل في أوائل القرن العشرين إلى حوالي 64 بلدا تحتوي على مجموعة كبيرة من التنوع النباتي، وعينات من المحاصيل الزراعية، وبعد حوالي عقد من السفر والترحال قام فافيلوف بتأسيس محطة تجارب كجزء من المعهد المخصص للاحتفاظ ببذور النباتات.