الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من محنة إلى منحة.. قصة سوري بفرنسا فاز بلقب أفضل طباخ لاجئ في العالم

صدى البلد

من قلب الألم يولد الأمل، ومن رحم المشقة تولد المسرة، وهربا من دمار الحرب ورائحة الدخان، سافر الفتى السوري من بلدته التي ترعرع فيها، إلى بلاد غريبة لم يعرف حتى نطق لغتها، لم يأبه أو يعير أي شئ اهتمامه سوى النجاة بروحه من طلقات الرصاص المتطايرة في كل مكان تزهق الأرواح مع كل طلقة.

ترك مطعمه في سوريا بلا هدف إلى فرنسا، وعقب ثلاثة سنوات من التخبط في الغربة، فاز السوري محمد الخالدي بجائزة أفضل طباخ لاجئ في العالم، ضمن المهرجان الخاص بجوائز المطاعم العالمية "World Restaurant Awards" لعام 2019، واختير الخالدي من لجنة تحكيم مؤلفة من 100 شخص، تضم خبراء في الطبخ ومحترفين، من 37 دولة حول العالم، ضمن المسابقة التي أقيمت في باريس.

حول محنته إلى منحة، فمنذ سنوات، ركب الخالدي وعائلته قاربا متهالكة، ليبحر بهم وسط الأمواج العتيقة التي كشرت عن أنيابها أمامهم، وتمكن خفر السواحل الايطالي من إنقاذهم، ومن إيطاليا إلى فرنسا، عجز عن التواصل مع الآخرين بسبب لغته، ولكن لم يمكث مكتوف الأيدي حتى انضم إلى منظمة "الطباخون المهاجرون" في فرنسا، وهو مشروع يديره فرنسيون يهدف إلى تغيير الصورة النمطية عن المهاجرين.



وخلال إقامته في فرنسا، عمل على نقل ثقافته بلاده في المطبخ، من خلال الأطباق التي تتميز بها سوريا على المائدة مثل الحمصي والديري، بل سعى أيضا إلى تحديث وتطوير تلك الأطباق بطريقة عصرية لتتلائم مع ثقافة الغرب في الأكل، مثل طبق اللحم بالكرز والكوسة المحشي بطريقة تختلف عن التي عهدها في بلاده.

جذبت طريقته في المطبخ بفرنسا الأعين تجاهه، وتسابق على أطباقه العديد لاكتشافها، وفتح أبواب المطبخ الفرنسي بمصراعيه للمطبخ السوري ودمجها معا، رائحة أطباقه غطت على عطور باريس فتسابق الزبائن لتذوقها واكتشاف سرها. 

وأجريت النسخة الافتتاحية من المهرجان في العاصمة الفرنسية باريس، الأسبوع الماضي، مسقط رأس المطعم الغربي، وتم تكريم بعض من أكبر المطاعم في العالم، إلى جانب طباخين أجانب على مستوى كبير في مجال الطبخ، وتحددت جائزة المطاعم العالمية قبل شركة “IMG”، وهي شركة رائدة في مجال الفعاليات والإعلام والأزياء والرياضة، وتعمل في أكثر من 30 دولة.



وتم اختيار الفائزين من قبل لجنة تحكيم مؤلفة من 100 عضو من صحفيين في المطاعم وأصحاب نفوذ ومحترفين في مجال الطهي من 37 دولة مختلفة، وخلال المهرجان العالمي تم تسليط الضوء على الإبداع من خلال جائزة "التفكير الأصيل"، في حين تم الاحتفال بالمؤسسات الأكثر تواضعًا مع جائزة "الوجهة خارج الخريطة"، ووزعت جوائز أيضًا لطريقة نشر المأكولات عبر تطبيق "إنستجرام"، والجرائد والصحف التي تتناول موضوع الطبخ والمطابخ العالمية.

كما شارك الخالدي في عدة مهرجانات سابقة أبرزها “ريفوجي فود فيستيفال”، الذي فتحت فيه عشرة مطاعم في باريس مطابخها أمام سبعة طهاة لاجئين من سوريا والشيشان وسريلانكا وإيران والهند وساحل العاج، “لتغيير النظرة” السائدة حول قضية المهاجرين، ويعد بذلك أول سوري وعربي يشارك في مهرجان الأنوار والموضة والذوق الرفيع “taste of Paris” الدولي، والذي سيشارك فيه 40 من أمهر الطهاة في العالم، مايو المقبل في قصير “غراند” في باريس.

واليوم، يعطي الخالدي في العقد الثالث من عمره، دروسًا في الطبخ بمعظم دول أوروبا، يتحدث فيها أطباق بلاده وثقافته، وعن الزعتر وعالم التوابل والبهارات، وبعض النقاط التي يتميز بها المطبخ السوري، بجانب عمله على حفلات خيرية مع “يونيسف”، عرّف فيها الأطفال على عادات السوريين وطرق الأكل والطبخ (الأكل بالملعقة واليد وأنواع الطهي)، ويحضر حاليًا لإطلاق كتابين الأول يتحدث عن تقنيات الطبخ السوري من خلال تحويل الوصفة إلى تقنية، والثاني اسمه "هجرة الطعام"، ويتناول كيفية تبدل ثقافة البلد والإرث الحضاري مع الهجرة إلى بلاد أخرى.

وببراعته، استطاع الخالدي أن يخلد سيرته في شوارع فرنسا، ليكون علامة هناك وقدوة للاجئين، لتوضع صورته أمام مدخل "متحف اللوفر" كمثال على قدرة اللاجئين على الاندماج والعطاء غير المحدود في الدول الأوروبية، ليحظى الخالدي بشعبية في باريس، ويغدو الطباخ المفضل لدى فئة من مشاهير العاصمة، وكان المصمم كنزو الشهير اختاره في وقت سابق لتحضير المأكولات خلال عروض أزيائه.