الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معوقات إصلاح الخطاب الديني


خلال حديثه في مؤتمر ميونخ للأمن 2019 قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: "إن الإرهاب ظاهرة تحتاج التكاتف من الجميع لمعالجة أسبابها"، وأضاف "طالبنا في مصر بإصلاح وتصويب الخطاب الديني وقلناها بشكل علني واضح إننا عندنا مشكلة"، وقال أيضا "بعض المشاهدين سمعوا مني منذ أربع سنوات أهمية تصويب وإصلاح الخطاب الديني، وكان لأول مرة رئيس دولة مسلمة يتكلم بمنتهى الوضوح أمام أكبر مؤسسة دينية وهي الموجودة في مصر".. وأنا كمفكر وباحث أقول "إما الإصلاح الديني وإما الانتحار"!

وإحقاقا للحق، بذل فضيلة شيخ الأزهر والسيد وزير الأوقاف وفضيلة مفتي الجمهورية في السنوات الأخيرة جهودا استثنائية من أجل تصحيح ذلك الخطاب، وتلقوا دعما شعبيا وإعلاميا كبيرا. 

لكن رغم تحمس القيادات والتأييد الشعبي والإعلامي الواسع لهذا التوجه، لم يتغير الكثير منذ النداء الأول للسيد الرئيس.. فاستمرت الفتاوى الشاذة واستمر الإرهاب وما زالت المفاهيم الدينية الخاطئة تتردد على المنابر.. وبات واضحا أن للمشكلة جذور عميقة مسكوت عنها، وربما هناك من يقف حائلا دون حلها.. 

في عام 2007 حدثت مشكلة كبيرة وكان يجب ألا نتركها تمر دون حسم.. رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر أفتى بجواز إرضاع الكبير وأنه يحق للموظفة إرضاع زميلها في العمل لإباحة الخلوة بينهما وخلع حجابها وكشف شعرها أمامه!.. قامت الدنيا وقعدت، وفصل الأستاذ من الجامعة، واستنكر وزير الأوقاف في وقتها الدكتور محمود زقزوق هذه الفتوى وأصدر بيانا جاء فيه "إن عدم انسجام الفتوى مع العقل أشد خطرا على الإسلام من خصومه"، ونفس المعنى أكده شيخ الأزهر في حينها الدكتور محمد سيد طنطاوي.. الجميع وقف ضد الأستاذ وهو في الحقيقة مظلوم، لأن حديث إرضاع الكبير حديث "صحيح" (مسلم 1453).. المهم، فصل الأستاذ من وظيفته، والذي فصله زميله الأزهري أيضا، رئيس الجامعة. 

إذن، في كتب التراث أحاديث لا يصدقها عقل ولا تتفق مع الذوق العام ولا مع العلم الحديث، بل وأحيانا تتعارض صراحة مع كتاب الله، وقد حذر منها الإمام ابن الجوزي بقوله "كل حديث رأيته تخالفه العقول، وتناقضه الأصول؛ فاعلم أنه موضوع" وممن اشتهروا بوضع الأحاديث نوح ابن أبي مريم واضع أحاديث فضائل سور القرآن، وغيرها كثير منتشر.. المشكلة الأكبر أن يقال بعدها "صدق رسول الله"، فكيف يصدق رسول الله في كلام لم يقله؟
 
وهذه أمثلة مؤسفة: ما الفائدة التي تعود على المسلمين من حديث في صحيح البخاري (رقم 268) يقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، وأنه أعطي قوة ثلاثين، وفي رواية أربعين؟.. أهذا مدح أم قدح؟ وكيف يراه غير المسلم؟ 

آدم كان طوله 60 ذراعا وأطوال البشر تناقصت تدريجيا بعده (البخاري3326 ومسلم2841).. لم يعثر العلماء على هياكل عظمية بهذا الحجم، ويستحيل طبيا أن تتحمل العضلات والعظام ارتفاع عشرين مترا.

ويجادل البعض دفاعا عن "الصحيحين" بالقول إن هؤلاء العظام أفنوا حياتهم في خدمة الإسلام، نأخذ منهم ما يناسبنا ونترك ما لا يناسبنا، ويكرر العبارة الباطلة "أصدق الكتب بعد كتاب الله"!..
 
وهناك أخطاء في التفاسير أيضا، فمعنى "خلق الإنسان من علق"، فسروها بأن العلقة قطعة من الدم الجامد الغليظ، لكن علميا لا يوجد دم جامد في الجنين من الإخصاب إلى الولادة، والصحيح أن العلقة ظاهريا فقط تشبه دودة العلق.. وأحيانا يتعارض حكم فقهي مع الذوق العام والمودة والرحمة بين الزوجين، كقول جمهور المذاهب الأربعة أن الزوج غير مطالب بعلاج زوجته إذا مرضت!

لا أحد يقبل الإساءة "للرموز".. لكن من هو الرمز؟ ومن يحدد رمزيته؟ نضرب في ذلك مثل الصديقين ابن تيمية وابن القيم، وهما من الحنابلة وأعمدة الفكر الوهابي. هناك من رفعهما عاليا ومنحهما لقبي "شيخ الإسلام"، و"الإمام".. لكن الأول سجن سبع مرات لتطرفه، ومات سجينا في المرة الأخيرة، وهو صاحب "الفتاوى" التكفيرية وقتل المسلم لزلات بسيطة كترك صلاة واحدة، مخالفا الآيات "لا إكراه في الدين" (البقرة 256) و "الله يحكم بينكم يوم القيامة" (الحج 69).

والثاني، ابن القيم، توأم فكره ورفيق سجنه لثلاث مرات، خرج من السجن فتجبر وكفر كل من اختلفوا معه من العلماء الكبار أمثال ابن رشد وابن حزم والرازي وابن سينا، وقال عنهم جميعا "من الملاحدة والزنادقة"! (كتاب الروح)، لأنهم في نظره أجرموا جميعا لميلهم لاستخدام العقل وسبر العلوم المختلفة. 

إذا كان مسموحا في الماضي لأي شخص أن يكون له "مسند" يضع فيه من الأحاديث ما يشاء، وسمح مؤخرا للشيخ الألباني بتصحيح الأحاديث وتضعيفها، فلماذا لا يسمح حاليا بوضع مسند جديد يواكب العصر ويمحو الشوائب التي وثقنا بعضها؟.. فلا إصلاح للخطاب الديني بغير ذلك، ودفن الرأس في الرمال انتحار.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط