الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الأقفهصي يكتب "الوجوه المُنَضَّرة بتراجم الجمهرة"

صدى البلد


عَلِمَ أن التاريخ مرآة تنطبع فيها صور الأعمال، وتنجلي بها أحوال وحكايات الرجال؛ إذ به يُعرف سِيَرُ من مضى، ويُخبَرُ به عمن فات وانقضى؛ فرأى أن يجلو المرآة ليطبع فيها أعلام الأزهر، ويكشف بها عن مجدهم وحالهم الأنور.

ذلك هو الشيخ الجليل، والعالم النبيل؛ فضيلة الدكتور أسامة السيد الأزهري، الذي قَيَّضه الله تعالى لنا بمحض إفضاله، وفيض نواله، ليستخرج لنا هذا الكنز الدفين، والجوهر الثمين "جمهرة أعلام الأزهر في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين" ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. فوهب الله تعالى عالمنا الجليل همة الشباب، ورزقه الحكمة والصوب:

ماضي العزيمة فِعلًا ليس يُدركهُ فيما يهمُّ به عذرٌ ولا تعبُ

فاعتصر واستخرج ما في سير هؤلاء الأعلام الأزهريين الأجلاء، من القيم المركزية، والمعاني النبيلة، والأخلاق الرفيعة، والآثار العلمية، والأدوار المجتمعية،.. وغير ذلك من نتاج العقل الأزهري عبر هذه الحقبة، مما يُعدُّ صورة جليلة لأثر الأزهر الشريف في كل بلد من البلدان.

فجاءت الجمهرة مملؤة بالبركات والنفحات، مُعطَّرة بطيب النسائم والعبرات، محفوفة بالفتح والتوفيق من قِبَل رب الأرض والسماوات، ليشهد التاريخ حافلًا بما ما مضى لِما هو آت.

وقد تعمدت اختيار عنوان هذا المقال؛ وذلك للدلالة على أنَّ ما أحدثته هذه الجمهرة بين أوساط أساطين الأزهريين، ليس في حفظ ماء وجوههم ورفع الحرج والضوائق عن صدورهم فحسب؛ بل لِما حملَتْهُ لهم هذه الجمهرة من معنى البشارة، وحققته فيهم من الإعجاز والإثارة، فارتسمت على وجوههم السعادة والنضارة، فكما أن المؤلف الجليل رسم على بياض الأوراق أثرًا مشهودًا، انتقشت على صفحات قلوب الأزهريين ذكرًا محمودًا؛ فطاب بها خاطرهم، وقرَّ بها عين ناظرهم، فكان لها الذكر الجميل، والأثر الجليل، والأجر الجزيل، لا ينكره ذو بصر، أو من له أدنى حظ من النظر:

كالشمس في كبد السماء وضوؤها يغشى البلاد مشارقًا ومغاربًا.

فمن نظر إليها بناظرة التبصر، وباصرة التدبر والتفكر: يجد أنها حوت في باطنها من النفائس ما يشاكل الدر المنثور، ونوادر العرائس ما يستحق أن يُكتَب بالنور على وجنات الحور. ولكن ليس المقصود من هذا المقال أن نتكلم عن هذه الدرر والأسرار؛ بل أردت أن أُبين بعضَا من الأثر العظيم الذي أحدثته هذه الجمهرة منذ خروجها للنور، وليس ذلك على مستوى الأزهريين في كل الأقطار فقط؛ بل على مستوى الوطن الأمين الذي حوى الأزهر، فنضَّرت وجه مصر الذي كان الأزهر ورجاله أثر من آثارها، ردًا للجميل ووفاءً وقضاءً للدَّين؛ لأن مصر هي التي أهدت إلى الأزهر كثيرًا من مقومات نجاحه.

كما أنها نضَّرت وجه الأزهر نفسه؛ جدرانًا وبنيانًا، بحيث إذا ما تلمست جدرانه، وتحسست أركانه؛ وجدت وكأن الدم جرى في عروقه والحياة سرت إلى روحه، فانتفض من سكتته، وهبَّ من ركضته ورفع قامته مفتخرًا مسرورًا بهذا العمل العظيم.

كما أنها عنوان برٍّ ووفاء لرجال عظماء، رحلوا عن دنيانا وقد بذلوا المهَجَ في خدمة العلم، وقبسوا من سراجه قبسًا من الحلم والبصيرة، فأتوا شعوبهم وأممهم بمعادن العلم والحكمة. 

ويُعدَّ هذا العمل الجليل أول تاريخ شامل لرجال الأزهر الشريف، وهو باكورة يمكن أن تتراكم عليها أعمال المؤرخين من الأجيال القادمة.

فنسأل الله العظيم وهو أكرم مسؤول أن يُمكِّن لشيخنا الخير والنجاح، ويُمهِّد له طرق الإصلاح والفلاح، وأن يديمه لنا بدرًا ساطع النور، على مرِّ الأيام وتعاقب الدهور.