الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليني ريفنستال والقوة الناعمة


تلعب القوة الناعمة دور البطولة فى كثير من الحروب منذ آلاف السنين، فهى ليست وليدة إطلاق مصطلح جوزيف ناى فى أواخر الألفية الثانية وبدايات الألفية الجديدة، وإنما نجدها فى كثير من الأدبيات وتاريخ الأمم حيث استخدمها الحكام البارزين فى بلاد ما بين النهرين منذ الألف الثالث قبل الميلاد مثل سرجون الأكدى وحمورابى البابلى أثناء بسط نفوذهم على دول مختلفة حيث يبقون على آلهتها ويظهرون التقدير لها وللثقافة العامة السائدة ويعمدون التقريب بالمصاهرة وحسن الإدارة، بينما يقومون بتعزيز القوة العسكرية والاقتصادية، كذلك ما فعله الإسكندر المقدونى قبل الميلاد حينما حاول فتح أقطار الأرض فسأل مستشاريه تقديم النصيحة التى تعينه على تحقيق غايته فما كان منهم سوى أن يتقرب إلى مؤلفى الأغنيات ليتخذ منهم عونًا وأداة لإحكام القبض على أفكار هذه الشعوب وتوجيه المجتمع، أيضًا لم ينجح الدين الإسلامى بالسيف وإنما بقوة القيم التى خلقت الجاذبية والإقناع بتفوق النموذج الذى يعبر عنها ،وغير ذلك الكثير من الأمثلة. 

ولعل شخصية ريفنستال لا يعرفها الكثيرون رغم الدور السياسى المهم الذى لعبته باستخدام أداة غاية فى الأهمية والخطورة وهى الأفلام الوثائقية إبان الحكم النازى والذى تزعمه هتلر وتعاون معه رفيقه وزير التنوير والدعاية السياسية جوبلز الذى عمل على تحريك الوعى الجمعى تجاه أهداف التيار النازى بقناعة وتأثير. 

وقامت لينى ريفنستال الممثلة والمخرجة الألمانية بدعم هتلر وتياره النازى وقدمت عدد من الأفلام الوثائقية بدأتها بـ "انتصار الإيمان" وأعقبه "انتصار الإرادة" ثم "يوم الحرية قواتنا المسلحة" وكانت هذه الأفلام لتمجيد هتلر وفكر التيار النازى والاشتراكية القومية، وبالتالى أعانت السياسة فى تحركها وتدفقها من أجل تحقيق أهدافها.

وعليه نتساءل أين قواتنا الناعمة متمثلة فى الإعلام والفنون التى تدعم بلدنا !! مع الفارق فى التشبيه فليس فى اتجاه معيب أو لتحقيق مصالح ذاتية وإنما لدعم بلد يستحق، وطن يعانى تأثير إعلام غربى مناهض لتوجهاته فى ظل بناء دولة مصرية حديثة، إعلام داخلى ينقصه كثير من الحنكة للدفاع عن مقدراته وتوجهاته، إعلام ليس لديه القدرة على استقطاب عموم الشعب باختلاف أطيافه وثقافاته. أما الفنون وفى مقدمتها السينما والدراما أعتقد أننا فى حاجة إلى صناعة تقوم على إنتاج الدولة لدعم القضايا الوطنية وترسيخ الهوية الثقافية وبناء الإنسان بوعى واستنارة تعتمد على الأمن الفكرى وحماية عوامل بناء الشخصية.

لقد كانت السينما والدراما من أخطر ما تعرضت له الدولة المصرية بجانب الإعلام قبل أحداث 2011 وعملت بعض الأعمال على تأجيج الاحتدام بين الشرطة المصرية والمواطن ،وخلق حالة من فقدان الثقة وزعزعة الاستقرار بين الشعب ومؤسسات الدولة، واعتمدت المؤامرة على تسخير بعض الشخصيات بمنابرهم وإبداعاتهم لصالح أهدافهم وتوجهاتهم الصهيونية لرسم سياسة جديدة تعمل على الغزو الفكرى والخضوع لثقافة الغير، وطمس الهوية ،لذلك علينا الآن أن ننتبه ونعلى من شأن أسلحتنا الناعمة فى مواجهة كل محاولات الاستقطاب والحروب النفسية التى تمارس علينا وعلى كافة الدول العربية. إن سلاح القوة الناعمة لا يقل خطورة عن التسليح بعتاد وإمكانات تعتمد على القوة الصلبة بأسلحة فتاكة لجيشنا العظيم، فالقوة الناعمة تأثيرها أخطر ويمتد لأجيال ربما حتى بعد انقضاء الحروب واستخدام القوة الصلبة. لذا يجب بجانب التسليح المشرف لقواتنا المسلحة والاستعداد القوى والتأهب لحماية حدودنا ،أن نبنى خط دفاع شرس يحمى أمننا القومى داخليًا من خلال القوة الناعمة بأشكالها المختلفة ،وكذلك القدرة على مخاطبة العالم برسائل ذات تأثير فعال وهادف بالفن والإعلام فى عصر المعلوماتية يبتر أى محاولة لغزو عقول شبابنا أو على الأقل يتصدى لها بفكر ممنهج مضاد. فالفكر لا يقاوم إلا بالفكر لتحيا مصرنا آمنة مستقرة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط