الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَر


بينما أقود سيارتي ذات صباح، مستمعًا للمذياع كعادتي ليُسَّري عني بكل ما لذ وطاب من أخبار المحروسة وربوعها، فإذا بآيات من الذكر الحكيم تستوقفني وكأني أسمعها للمرة الأولى، حيث يقول المولى عز وجل:﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾.

أخذت أحدث نفسي طويلًا عن رحمة الله عز وجل بالإنسان، سواء كان متكامل البناء الإجتماعي وينعم بأسرة متكاملة، أو اختبرته الأيام وأخذت منه ولم تعطه في صباه، كما حدث مع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذي أصابه اليتم وهو في المهد، فأحبه الله وسخر له من يأويه من العباد، وعلى رأسهم عمه أبو طالب؛ وكان عائلًا فأغناه، وجعل الله خديجة (رضي الله عنها)، شريفة القوم، هي التي تسعى للزواج منه، فشكر الله فزاده من فضله؛ وكان يذهب بين الفينة والأخرى ليخلو بنفسه في جبال مكة المكرمة باحثًا عن الله، فهداه عز وجل وجعله نبيًا.

والشاهد في تلك الآيات القرآنية أن الله أول ما تحدث فيها تحدث عن اليتيم، الذي قد يحرم من أحد أبويه أو كلاهما في المهد أو الصبا، ولا يجد من يأخذ بيده إلى أن يرسل له الله عز وجل من ينقذه من براثن اليتم، ويعوضه عن فقدان حنان الأبوين.

وقد كان التبني من خصال العرب؛ وكان للمُتبنى نفس حقوق الإبن، وأصبح مُحرمًا على الأب المُتبني أن يتزوج من طليقة أو أرملة ابنه بالتبني؛ وهو ما أبطله القرآن الكريم من خلال وقائع طلاق زيد بن حارثة لزينب بنت جحش وزواج النبي منها، رغم أنها طليقة ابنه بالتبني.

ولمرارة الشعور باليتم، فقد حث النبي محمد المسلمين مرارًا على حسن معاملة اليتيم وكفالته، فقد قال:«أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بأصبعيه الوسطى والسبابة».

وفي الكتاب المقدس نصَّت شريعة موسى (عليه السلام) على أن:‏ «لا تسئ إلى أرملة ما ولا يتيم».‏ (‏سفر الخروج ٢٢:‏​٢٢،‏ ٢٣‏)؛ حيث كانت الأرامل واليتامى الذين يتحدث عنهم الكتاب المقدس يمثلون الناس الأفقر؛‏ ذلك لأنه بعد موت الزوج والأب،‏ أو كلا الوالدَين،‏ قد يصبح أفراد العائلة الباقون مهمشين ومُعدَمين.‏ كما قال:«لا تعوّج حكم الغريب واليتيم إذا حصدت حصيدك في حقلك ونسيت حزمة في الحقل فلا ترجع، لتأخذها للغريب واليتيم والأرملة تكون، لكي يباركك الرب إلهك في كل عمل يديك». وبذلك أكد موسى على أن الناموس يحمي حقوق اليتيم.
ونعود للقرآن الكريم حيث ورد تعبير اليتيم أو اليتامي في أكثر من موضع يوصي الله فيه المسلمين بالإحسان إليهم والحفاظ على حقوقهم وعدم أكل أموالهم وغير ذلك من الواجبات الشرعية نحوهم، منها قوله عز وجل:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾؛﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾؛﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾

أتذكر جيدًا، منذ ما يزيد عن خمس وأربعين عامًا كان لي زميل في المرحلة الابتدائية، قُتل أباه في واقعة ثأرٍ، وجاء الخبر لابنه ونحن في الفصل، فأخذنا نلتف حوله ونربت على كتفيه وهو يبكي بحرقة الفراق. وكان أبي –رحمه الله- عندما يأتي إلى المدرسة يسدد لزميلي اليتيم مصروفاته الدراسية أيضًا، ويقول لي "أصله يتيم"...ولم أكن أعي تلك العبارة وقتها لحداثة سني، إلى أن توفي زوج أخت لي تاركًا طفلة ذات ثلاثة أشهر، حملتها إذاك على يدي ودموعي تتساقط لشعوري وقتها بيتم تلك الطفلة...نعم هناك ما يمكن أن نسميه "مرارة اليتم"، التي لا يتجرعها إلا من يقطرها في فمه.

أكرر ما بدأت به حديثي للكافة:﴿فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر﴾.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط