الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الرسالات السماوية والاعتراف المتبادل


ما بين حماقة قتل المُصلين المسلمين فى مساجد نيوزيلندا باسم المسيحية، وقتل المُصلين المسيحيين فى كنائس سريلانكا باسم الإسلام، يوجد شئ مشترك بين الجريمتين، ألا وهو اللإنسانية وإنكار حق الناس فى الحياة، وإنكار حق الناس فى عبادة الله خالقهم طبقًا لمعتقداتهم الدينية التى يؤمنون بها، فى عبث لا إنسانى بات يضرب الكثير من مناطق العالم، ويكاد يشعل حروب على أسس طائفية تزيد من معاناة البشر فى الحياة، وتحرق معها كل حضارة بناها الإنسان، وهادمة فى طريقها أكرم ما خلق الله فى الكون وهو بُنيان الإنسان نفسه.

فالعمليات الإرهابية فى السنوات الأخيرة مبعثها الأساسى هو الجهل العميق بالآخر، وهذا الجهل نتج عنه تكفير متبادل بين بشر جميعهم يؤمنون بوجود الله، فى مفارقة لا معقولة، فتجد الكثير من اليهود لا يعترفون بأن الإسلام والمسيحية رسالات سماوية وأن الإنجيل والقرآن من عند الله، والكثير من المسيحيين لا يعترفون بأن الإسلام رسالة سماوية، وأن القرآن من عند الله، والكثير من المسلمين على الرغم من أنهم يؤمنون بأن اليهودية والمسيحية رسالات سماوية لا يعترفون بالتوارة والإنجيل لاعتقادهم بتحريفهما، فمن يؤمن بالله يُكفر من يؤمن بالله، فى واحدة من أغرب سلوكيات الكثير من البشر فى الدنيا .

ومن المؤسف أيضًا أن الجهل والإنكار المتبادل للمعتقدات بين الكثير من المؤمنين بالله من أتباع رسالات الأرض إلى السماء، زاد فى السنوات الأخيرة، وبات شيئا لا يمكن إنكاره أو تغطيته بلقاءات شكلية بين الممثلين الرسميين لأتباع الرسالات السماوية، أو نشر شعارات إعلامية أو عقد مؤتمرات سطحية، فنظرة سريعة على الحسابات والصفحات والمواقع الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى والقنوات الإعلامية الخاصة وما تبثه من كراهية وإنكار لعقيدة الآخر، تؤكد لك أن الواقع على الأرض مختلف تمامًا ومثير للفزع والخوف على مستقبل الجميع.

أضف إلى ذلك ما يسببه ذلك من أوجاع وآلام لجميع المؤمنين بالله، وعلى الرغم من أن المفترض أن يكون ما بينهم هو التراحم والمودة وليس القطيعة والجفاء، فما بينهم جميعًا من قواسم مشتركة أكبر مما بينهم من اختلاف فى فهم الدين، فالمؤمنون بالله على النهج اليهودى أو المسيحى أو الإسلامى جميعهم يؤمنون بوجود الله، وبأن الله هو خالقهم جميعًا، وخالق هذا الكون بكل ما فيه، ويؤمنون بأن من يفعل الخير يدخل الجنة، ومن يفعل الشر يدخل النار، والكل مؤمن بأن الحياة الدنيا القصيرة التى نعيشها ليست هى نهاية المطاف، وأن هناك حياة أخرى طويلة تنتظرنا ما بعد الموت، ولا يعلمها أحد إلا الله.

وهذه الحياة الأخرى التى لا يعلمها أحد إلا الله مذكورة فى كل الكتب السماوية الثلاث، ولا يوجد خلاف عليها وعلى وجودها، إنما الخلاف إن وجد فهو على فهم أمور عقائدية لن يحكم فيها أحد غير الله، لأنه سبحانه وتعالى هو الذى وضع العقائد الصحيحة للناس، وهو وحده يعلم الفهم الصحيح والفهم الخاطئ لها، أضف إلى ذلك أن الله لم يقل لأتباع أى رسالة سماوية أن الجنة صغيرة ولا تسع سواهم، فجنة الله واسعة ولا يعرف مداها أحد إلا الله.

أضف إلى ذلك أن معظم الاختلاف فى فهم الدين هو حول ما سيكون عليه مصير الإنسان فى الآخرة ، وفى الآخرة الحكم لله لوحده، والكل خلق الله، فلماذا يُعطى بعض اليهود أو المسيحيين أو المسلمين لأنفسهم الحق فى الحُكم على مصير باقى خلق الله فى أمور هى من اختصاص الله وحده ؟ لا أحد منهم يجرؤ على منح نفسه صلاحيات رئيس أو مسئول أمنى فى الدنيا، ويمنح الواحد منهم حق من حقوق الله الخالصة له وحده، وهو حق الحُكم على عباده يوم القيامة وتحديد من سيدخل الجنة ومن لن يدخلها.

فمن عجائب البشر أنك تجد شخصا ما يحكم على شخص آخر بأنه سيتم حرمانه من دخول الملكوت لأنه ليس مسيحيًا، والشخص الذى حكم عليه بأنه لن يدخل الملكوت يحكم عليه هو بأنه لن يدخل الجنة لأنه ليس مسلمًا، وكأن الله فوضهم بالوقوف على أبواب الجنة والملكوت ومنحهم حق الدخول والمنع، ناهيك عن أنهم هم أنفسهم لا يعلمون إن كانوا من أهل الجنة أم لا، ومن أهل الملكوت أم لا ، إلا من أغتر منهم بعمله أو زين له الشيطان أعماله حتى أوهمه أنه من القديسين الاتقياء أو الأولياء الصالحين، فالدنيا ملك لله، والآخرة ملك لله، والله وحده هو من يحكم بين عباده يوم القيامة.

ومن هنا وجب على قادة الرسالات السماوية الثلاث فى العالم تحمل مسئولية الأمانة الملقاة على كاهلهم والاجتماع معًا، والاعتراف المتبادل بينهم بأن كل الرسالات والكتب السماوية جاءت من عند الله، اعتراف يتم نقله بإخلاص إلى أتباعهم فى دور العبادة، لا اعتراف على الملأ يتبعه إنكار فى دور العبادة، وإن لم يستطيعوا فعل ذلك لأمور تخصهم، فعلى الأقل عليهم الاجتماع، وتأكيد أن بينهم جميعًا قواسم مشتركة وهو أنهم جميعًا يؤمنون بالله، وأن الله هو خالقهم جميعًا، وأن كل المؤمنين بالله أخوة فى الإيمان بالله، سواء كانوا مؤمنين بالله على اليهودية أو مؤمنين بالله على المسيحية أو مؤمنين بالله على الإسلام، وأن الاختلاف فى فهم بعض الأمور العقائدية بينهم لا يمنع كونهم أخوة متحابين عن صدق لا عن رياء، عندها فقط سنحمى كل المؤمنين بالله من بعض الجهلاء بحقوق عباد الله فى الحياة بأمان وعبادة الله فى سلام، ونسأل الله السلام لكل البشر على وجه الأرض.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط