الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأسس العلمية لمدة الحمل


مدة الحمل هي الفترة ما بين الإخصاب والولادة، طولها يختلف من حيوان لآخر، وهي ظاهرة عند الثدييات فقط، لأنها فصيلة متطورة تختلف عن الطيور والزواحف والأسماك والحشرات التي تبيض، وعن الأوليات التي تتكاثر بالانشطار.

ذكر القرآن الكريم معجزة الحمل ضمن معجزات أخرى في سورة المرسلات "فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم" (21-22).. فما طول هذا "القدر المعلوم" وعلى أي أساس يتحدد؟

بداية الحمل مفهومة، وهي اتحاد نصف خلية من الأب (الحيوان المنوي) مع نصف خلية من الأم (البويضة) لتنشأ خلية كاملة جديدة تسمى نطفة الأمشاج تحمل في طياتها برنامج ذاكرة مخزون تلتزم بتنفيذه وهو تسليم كائن حي بعد زمن محدد، وليكن طفلا بعد تسعة أشهر في حالة الإنسان. 

أما نهاية الحمل فعملية معقدة وما زال العلماء يحاولون فهمها.. أحد الأبحاث أشار إلى أن مدة الحمل تخضع لمعادلة رياضية، وأنها تتناسب طرديا مع حجم المولود، والدليل على ذلك الأمثلة التالية للأحجام ومدد الحمل بالأيام لعدد من الثدييات (نزولا): الفيلة 645، الأبقار 284، الإنسان 266، الشمبانزي 237، الغنم 148، الكلاب 60، الأرانب 33، الفئران 20.. ومن يتأملها جيدا يجدها صحيحة ومنطقية.

ثم يأتي العامل المهم وهو سرعة اعتماد المولود على نفسه.. لماذا مولود الزراف والخيل والغنم يقف على أرجله مباشرة بعد الولادة، وفراخ الأوز والبط يمكنها العوم خلف أمهاتها بعد الفقس بساعات، وصغار السلاحف المائية تفقس وتخرج من الرمال جريا باتجاه الماء؟ بينما جنين الإنسان يولد في غاية الضعف ولايستطيع حتى رفع رأسه قبل شهرين والوقوف بعد 9 أشهر والمشي بعد سنة؟.. لماذا هذا الفارق الكبير بين الإنسان والحيوانات الأخرى؟
صاغ العلماء عدة نظريات لتفسير أسباب ضعف المولود البشري، بعضها يتعلق بالأم وبعضها يتعلق بالجنين. بالنسبة للأم هناك سببان يحتمان خروج الجنين قبل اكتماله: أولهما ضيق الحوض وممر الولادة، ما يجعلها لا تتحمل مرور رأس طفل أكبر من ذلك، والسبب الثاني أن متطلبات الجنين كبيرة لو استمر داخل الرحم أكثر من تسعة أشهر، ولا تستطيع الأم مجاراته من حيث التجهيز والإمداد.
أما بالنسبة للجنين، فهو يخرج ومخه وأعصابه وعضلاته لم تتهيأ بعد، ولا يمكنه البقاء في الرحم أكثر من ذلك في انتظار اكتمال نموها البطيء جدا.
وهناك نظرية تطورية تقول أن الكثير من الحيوانات حياته مصممة ومبنية على الجري، إما مفترس أو هارب من الافتراس، وكلاهما عليه الوقوف والجري بأسرع ما يمكن، ومن يومه الأول.
هذا يقودنا إلى المثل الشعبي "كل تأخيرة وفيها خيرة" وإن كان لا يصدق في معظم الأحيان، إلا أنه يصدق تماما على مولود البشر.. لأن ما يحققه الطفل من قدرات ومهارات بعد فترة الضعف الطويلة التي ذكرناها، يفوق بملايين المرات ما يحققه حيوان يستطيع الوقوف والجري بعد ولادته مباشرة.
نعود إلى عملية الولادة وكيف تحدث.. حتى الآن لا أحد يعرف من يبدأ الولادة الأم أم الجنين.. إما أن الأم هي التي تطرد الجنين، أو أنه هو الذي يطلب الخروج، أو الاثنان معا!
المعروف منذ زمن طويل أن هرمون الأوكسيتوسين المسبب لانقباضات الرحم مهمته طرد الطفل، يرتفع مستواه في دم الأم قبل الولادة بساعات، وكلما زاد منسوبه كلما قويت وتسارعت انقباضات الرحم حتى تكتمل عملية دفع الجنين إلى الخارج، لكن بعض العلماء وجد أن هرمون الأوكسيتوسين يرتفع في دم الجنين قبل ارتفاعه في دم الأم بعدة أيام وليس ساعات.. من هنا صيغت نظرية جديدة تقول أن الجنين هو الذي يحفز أمه أو "يجر شكلها" طلبا للخروج، لتبدأ هي في إفراز هرمونها وتقوم بالولادة، وهذه طريقة.
الطريقة الأخرى أن الجنين يرفع من إفراز مادة تسمى "السيرفاكتانت" الخاصة بفتح حويصلات الرئة استعدادا لعملية التنفس، وهذه المادة تتسرب إلى دم الأم وتصل الرحم والغدة فوق الكلوية.. وصولها للرحم يسبب التهابه وإثارته، ووصولها للغدة فوق الكلوية يزيد من إفراز الكورتيزول المحفز للرحم أيضا.
إذن، حتى أوائل عام 2019، تأكدت ثلاثة أسباب لبدء الولادة: سبب من الأم وهو هرمون الأوكسيتوسين، وسببان من الجنين، أحدهما بنفس الهرمون والثاني بمادة السيرفاكتانت، والجنين هو الذي يبدأ.
ولا يكتمل الحديث عن الولادة دون ذكر الولادات القيصرية، وهي إحدى مشكلات العصر وفي ازدياد، حيث يقرر الطبيب موعدها ولا رأي للأم أو الجنين فيها، وينظر إليها كثير من العلماء على أنها طرد للجنين بغير رضاه وفي وقت هو غير مستعد فيه، ويقولون أن الأصح علميا أن جرس الإنذار لا بد أن يصدر من الجنين أولا، تماما كما تعطي الفرن جرس إنذار عند استواء كيكة بداخلها. وعلى الجميع أن يصدق الجنين، أكثر مما يصدق الفرن!..

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط