الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: موسم الليمون!

صدى البلد

لم يعد هناك وجود للمقولة المعروفة "العدد في اللمون" الآن، ذلك المثل الشعبي المتداول الذي كان يستخدم إذا أردت الحصول على عدد كبير من سلعة معينة مقابل ثمن مادي بخس، فستجد بغيتك في الليمون، ومع أن هذا المثل قيل قبل أن يصيب الجنون أسعار الليمون نفسه ويصبح "موسم الليمون" الذي سجل أعلي نسبة ارتفاع مقارنة بالسلع الأخري ومنها الأهم والأساسي، ذلك الأمر الذي يذكرني بأغلبية ما يحاط بِنَا وما نواجه من أمور، وإن كنت سأتحدث عن مجال الإعلام كمثل نسبة الي ما رأيته في الأيام الماضية القلائل وبالأحرى في شهر رمضان من عرض برامج متكلفة ومحدودة ومع ذلك ينقصها أهم شيء وهو المحتوي الإعلامي اللائق، بعد ان كان المشاهد يملك الحرية في مشاهدة ومتابعة ما يروق له والتنقل من برنامج الي آخر، وأصبحنا نري أشياء غير مفهومة منها الخوض في الأعراض التي تخص بعض الفنانين والمشاهير يقدم عبر الشاشات الإعلامية ويدخل كافة البيوت المصرية والعربية. 


ولا أعلم علي أساس تذاع تلك البرامج في حين انها ضعفت وقلت المجهودات التي كانت تبذل في التحضير لنوعية البرامج الهادفة وغاب المحتوي الجيد عن كثير من البرامج في السنوات الأخيرة، حتي البرامج التي كانت تعبر عن المواطنين و تندرج تحت مسمي البرامج الاجتماعية التي تهتم بمشاكل المجتمع لم تعد متواجدة علي الساحة الإعلامية، ومنذ عام 1980 وحتي 2010 كانت تقدم بشكل كبير خلال شهر رمضان ولكن الآن أصبحت لا تقدم ولا نعرف ما سبب منعها رغم أنها كانت تحصل علي نسبة كبيرة من المشاهدة وتحقق نجاحا جيدا.

فقد كانت البرامج الفضائية سابقًا بها شكل ومحتوي إعلامي جيد لذلك كانت ناجحة لكونها قريبة من الشارع وتعرف ما يطلبه الجمهور، وحتي برامج الترفيه وما تسمي بالكوميديا التي كانت تذاع بدون أن تجعل الضيف في شكل غير لائق ويتلفظ بألفاظ خارجة كما يحدث في البرنامج الشهير لرامز جلال الذي يعرض كل شهر رمضان من كل عام بنفس النوعية وأحيانًا الضيوف و"اللعبة" التي بات لا يغفل عنها الجميع، تلك الأضحوكة التي يمارسها رامز وتتعالي معها أصوات ضحكات البعض منا ممن هم علي علم ومعرفة أنه برنامج "مفبرك"، فقد أصبح الفارق كبيرا بين البرامج التي تذاع حاليًا والتي كانت تبث قديما وتحرص علي أدق التفاصيل وإسعاد الجمهور لكن الهدف يكمن في جمع المال وزيارة نسبة المشاهدة "بيزنس" ليس إلا، حتي وإن كان ذلك علي حساب الخوض في الأعراض والحياة الشخصية واتباع سياسة العري الفكري والإعلامي والأخلاقي والمجتمعي.

وقد كثرت تلك النوعية من البرامج وهي المشكلة الأكبر عندما يقل المعروض الإعلامي ويضطر المشاهد الي متابعة ما هو معروض أو مفروض عليه ان يشاهده بمعني أدق بهذا المستوي المتدني وفِي نفس الوقت يحقق نسبة مشاهدة ليست قليلة، وهو ما يجعلني أتوقف قليلا عنده، فعلي الجانب الآخر من المفترض ان البرامج الاعلامية تشكل علي حسب ما يتطلبه المشاهد وما يحتاجه السوق الاعلامي، مما يتضح ان بَعضُنَا أصبح علي شغف بمعرفة أسرار وحياة الآخرين بل والخوض في تفاصيلهم وأعراضهم علنًا، والسؤال إذن هل أصبح منا من ينقصه العقل والدين بهذه الصورة المسيئة التي تجعل برنامجا مثل " شيخ الحارة" للمذيعة بسمة وهبة ينجح بزيادة نسبة المشاهدة، وان كنت لا أري أي محتوي إعلامي يذكر كما تعلمنا في سطور بعض الكتب و درسنا عن أخلاقيات المهنة علي أيدي أساتذة كبار متخصصين، وعن اتباع المهنية والشفافية والميل دائما الي المصلحة العامة وإظهار الحقائق وعرض برامج مفيدة مهمة تليق بالمشاهدين وتحترم أسرهم وعقولهم وطبيعتهم.

ومن المعروف ان تطبيق المصداقية والشفافية من سمات البرنامج الناجح الهادف، حتي الأحداث المهمة التي تثار في البلاد والتي تتطلب ان تٌعرض وتناقش علي أكمل وجه كالحادث الإرهابي الأخير الذي تعرض له كمين البطل ١٤ بشمال سيناء وضاع علي أثره شهداء من أفراد الشرطة لم نر برنامجا واحدا تصدر المشهد وقام بتغطية إعلامية للحادث بدقة حتي وإن كان من باب التصدي للإشاعات وتداول المعلومات المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتلك الفوضي الإعلامية التي أصابت كافة برامج الاخبارية والتوك شو وتناول عرض المحرمات والمشاحنات بين الضيوف وبعضهم البعض ليس إلا أفسد الذوق العام، وأصبح لا يشبه إلا موسم الليمون الآن....غالِ دون داع ومحدود ولا قيمة له..!

ولكن تلك النوعية من البرامج التي تبث عبر شاشات التلفاز والتي تحمل الكثير من الأخطاء الإعلامية التي نرفضها وأيضا بعض التجاوزات التي لا تصلح أن يراها جمهور كبير من المشاهدين تتطلب ان يكون علي أصحاب القرارات في بثها مراجعة الشكل والمحتوي الذي يقدم حتي نضمن نجاح العمل والمنظومة الاعلامية بعرض كل ماهو مفيد وصالح وهام للمجتمع، غير تلك الحالة من الفوضي الكثيرة التي نجدها في كافة البرامج بصفة عامة، علي الرغم انه من المفترض أن يكون لها شروط وان يخطط لها جيدا من حيث ما يذاع، ولكن ما نراه هذه الأيام أفسد الكثير وجعل المشاهد يهجرها بصرف النظر عن نسبة المشاهدة المزيفة من البعض الذي أحب التدخل في شئون الآخرين وأخريات أشبعهن معرفة فضائح المشاهير وَيَا أسفي علي انتشار هذه النوعية من المشاهدين أيضًا، فالبعض ينقصه الكثير والمجتمع أصبح في أمس الحاجة الي إعادة تأهيل.

والحكمة تقتضي وتقول.. لا داعي لشراء الليمون الذي جن جنونه وإن كان حجم الاستفادة منه لا يتعدي في كونه أحد مكونات "طبق السلطة" فهناك من الأحماض بدائل، وإن كنّا في غني عن إصابة القولون بالحموضة، ولا داعي من متابعة تلك النوعية من البرامج التي تشبه "البيض المدحرج" علي طاولة السحور في أحد المطاعم والكافيهات التي يصل قدر الفاتورة بها الي ألف جنيه، تلك البرامج التي تتطلب العزوف عن مشاهدتها لأننا بكل بساطة السبب الأكبر في نجاح تلك التجربة الدخيلة علي الإعلام والبعيدة كل البٌعد عن أخلاقيات وأساسيات المهنة وأحكام وشروط كل ما يعرض علي الشاشات، وكفانا أننا نعيش في وقت اختفي فيه البرامج الهادفة المجدية التي كانت تناقش الأحداث وتكشف الحقائق وأصبحنا في زمن المسخ والعري الإعلامي، فلا يحتمل الأمر أن نكون العامل الأكبر بصفتنا جمهور يساعد في البعد عن القيم والأخلاق وانتشار أفكار هادمة والخروج عن المألوف والمسموح في شكل معروض إعلامي يضر بمصلحة المجتمع .