الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تركيا تعيش حقبة جديدة بعد هزيمة أردوغان للمرة الثانية في انتخابات إسطنبول.. إمام أوغلو يوجه صفعة قوية للإسلام السياسي والعدالة والتنمية بعد اكتساح الأصوات أمام يلدريم.. والفساد يضرب القضاء

أردوغان خسر معركة
أردوغان خسر معركة إسطنبول

أردوغان وإسطنبول.. هزيمة تسقط عرش الرئيس التركي
فوز إمام أوغلو بالانتخابات المحلية للمرة الثانية يدخل تركيا حقبة جديدة ويضع أردوغان أمام اختبار حرج
الأكراد يجددون دعمهم لإمام أوغلو نكاية في الرئيس وديمقراطية الزائفة.. والقضاء يعيش أسوأ أوقاته


دخلت تركيا، اليوم الأحد، حقبة جديدة للمرة الأولى منذ تولي الرئيس رجب طيب أردوغان مقاليد الحكم في البلاد، إذ حقق مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، فوزًا تاريخيًا في انتخابات إسطنبول المُعادة، بنسبة 54 في المئة وبفارق 7 في المئة على منافسه ومرشح أردوغان لبلدية إسطنبول بن علي يلدريم الذي نال نسبة 45,1 في المائة.

وحقق أوغلو بذلك تقدما بأكثر من 775 ألف صوت بزيادة كبيرة مقارنة مع مارس، عندما فاز بفارق 13 ألفا فقط، حيث اعتبر أن فوزه في انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول يشكل "بداية جديدة بالنسبة إلى تركيا"، ووعد بالعمل مع الرئيس من أجل إسطنبول، فيما قال: "سأعمل بجد بدون تمييز ضد أي كان". 

وختم مرددا شعار حملته "كل شيء سيكون على ما يرام"، وهو نفس الشعار الذي تحول إلى إيقونة خلال الفترة الماضية وبات يقض مضاجع نظام أردوغان وأنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم. 

وكان يلدريم قد خسر في الانتخابات البلدية التي جرت 31 مارس الماضي، لصالح المرشح عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، فيما أقرّ يلدريم بهزيمته التي تنهي ربع قرن من هيمنة العدالة والتنمية الحاكم فيما تعتبر اسطنبول مركز نفوذ حيوي اقتصاديًا وسياسيًا ثقلًا انتخابيًا مهمًا للأحزاب التركية المتنافسة.

وأدلى 10 ملايين و560 ألف و963 ناخب بأصواتهم في 39 مقاطعة تابعة لمدينة إسطنبول.

وترشح لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المعادة 4 منافسين هم أكرم إمام أوغلو مرشح تحالف "الشعب" المكون من حزبي الشعب الجمهوري والخير، وبن علي يلدريم مرشح تحالف "الجمهور" المكون من حزبي العدالة والتنمية (الحاكم) والحركة القومية، ونجدت غوتشر من حزب السعادة وإلكر يوجل من حزب الوطن، إلا أن يلدريم وإمام أوغلو يعتبران أبرز المنافسين على رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.

وقبل أيام من إعادة الانتخابات شنّ أردوغان هجومًا عنيفًا على أغلو متهمًا إياه بـ"الإرهاب" وأنه على صلة بشبكة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، ناهيك عن أن حملات أردوغان الدعائية لم تهدأ منذ الانتخابات السابقة التي دفع بشدة لإعادتها على أمل إزاحة مرشح المعارضة، لكن نتائج الإعادة حسمت الأمر ولم تبق للرئيس التركي هامشًا واسعًا من المناورة على خلاف الظرف السابق الذي توفر له للانقلاب على نتائج الانتخابات بدعوى وجود مخالفات انتخابية وموظفين في مكاتب الاقتراع موالون لغولن.

وفي الوقت الذي تواجه فيه البلاد استقطابًا بسبب سياسات أردوغان التشددية وتوسيع سلطاته بعد الاستفتاء الدستوري والتنكيل بالأكراد، فضلًا عن الاقتصاد الضعيف ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، والتورط في الحرب السورية وما نتج عنها من موجات الهجرة الجماعية، رأي الشعب التركي في أوغلو فرصة للتخلص من الحكم الديكتاتوري؛ إذ أن كل التكهنات تشير إلى أنه سوف يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وحاول نظام أردوغان أن يلوث إمام أوغلو بكل السبل المتاحة، وصفوه باليوناني والإرهابي وأنه من أنصار الانقلاب وأنه عميل للولايات المتحدة، في حين يرى البعض أن هزيمة مرشحه تعتبر نهاية صعوده السياسي المطرد على مدار ربع القرن الماضي.

وبحسب شبكة "سكاي نيوز" الإخبارية، فإن أردوغان يعتقد أن من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا، وهو ما يعني أن خسارة المدينة مرة ثانية ستمثل حرجًا لأردوغان وقد تضعف ما بدا حتى وقت قريب أنها قبضته الحديدية على السلطة، علما أنه تولى منصب رئيس بلدية إسطنبول في التسعينيات.

من جانب آخر، يحاول الحزب الحاكم في تركيا كسب أصواتهم في اسطنبول مجددًا بعد السماح لمحامي الزعيم الكردي عبدالله أوجلان بمقابلة موكلهم منتصف شهر مايو الماضي، وهو ما كانت تمنعه أنقرة لنحو ثماني سنوات منذ العام 2011.

ويهدف الأكراد في تركيا من خلال حزبهم الرئيسي إلى كسر هيمنة حزب "العدالة والتنمية" وحليفه في "الحركة القومية" عبر التصويت لصالح مرشح المعارضة.

من جانب آخر، اعتبر رئيس حزب "الديمقراطي الكُردستاني ـ تركيا"، محمد أمين كارداش، أن أصوات الأكراد هي التي حسمت المعركة الانتخابية في اسطنبول، لذا فتحت حكومة أردوغان الطريق أمام زيارات محامي أوجلان لمسئولي حزب "الشعوب الديمقراطي" من سجنه في جزيرة إمرالي.

وقال كارداش قبيل الانتخابات في تصريحات لقناة "العربية": "أننا "في 31 مارس الماضي، صوّت رفاقنا لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري في اسطنبول وفق الاتفاق مع حزب الشعوب الديمقراطي. وهذا التصويت سيتكرر يوم الانتخابات". 

وبحسب صحيفة "زمان" التركية فقد اتهم قياديون أكراد، أردوغان، بمحاولة بث الفرقة والشقاق بين الكرد، عبر ترديده أن أوجلان يطلب من الأكراد الحياد، خلافا للزعيم الكردي المعتقل أيضًا صلاح الدين ديمرتاش، الذي طالبهم بدعم مرشح المعارضة، وحديث أردوغان عن تضارب مواقف الرجلين.

أصدر برفين بولدان وسزائي تمللي، رئيسا حزب الشعوب الديمقراطي، بيانا مشتركا قالا فيه إن محاولة أردوغان تأليب حزبهم على أوجلان، تعكس مدى اليأس الذي وصل إليه قبل انتخابات إسطنبول، وأن حزبهم لم يغير استراتيجيته حتى الآن وموقفه من الانتخابات لم يتغير.

في سياق متصل، كشفت وسائل إعلام عالمية أن خسارة إسطنبول، التي تعتبر عاصمة تركيا الاقتصادية والتي يحكمها تيار الإسلام السياسي منذ ربع قرن، حيث قالت صحيفة "فايناشيال تايمز" البريطانية إن حزب العدالة والتنمية كان يتميز بقوة انتخابية كاسحة على مدار 17 عامًا، لافتةً إلى فوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو في الانتخابات التي عقدت في 31 مارس تسبب في صدمة غير مسبوقة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، فضلًا عن تآكل ثقتهم المعتادة في أنفسهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الجمهورية السابق عبد الله جول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أعربا عن انزعاجهما من قرار اللجنة العليا للانتخابات بإلغاء نتائج إسطنبول التي فاز فيها إمام أوغلو، مستشهدة بتصريحات للعضو السابق باللجنة التنفيذية المركزية لحزب العدالة والتنمية أورهان جان التي قال فيها: "هناك حالة انزعاج كبيرة. في رأيي وبنظرة اقتصادية ليبرالية، فإنه في حال ظهور حزب جديد، فإنه من الممكن أي يجذب دعم وتأييد الطبقة الراقية والمتوسطة من حزب العدالة والتنمية، وكذلك مؤيديه".

في الوقت ذاته، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن أسلوب أردوغان الاستبدادي في الإدارة والمحسوبية داخل الحزب الحاكم، يقوض الثقة في جميع قطاعات الدولة في تركيا، وأن عمليات التطهير المستمرة، وممارسات استنزاف العقول أفسدت القضاء، مؤكدةً أن القضاة الذين ما زالوا في وظائفهم أصيبوا بالشلل بسبب مناخ الخوف.

وأوضحت الصحيفة أن منتقدي الرئيس التركي يتهمونه بالعمل على إخضاع المحاكم. ولعل أهم مثال على ذلك هو مجلس القضاة والمدعين العامين، وهو أقوى هيئة قضائية في البلاد، وهو الذي يقوم بتعيين وعزل القضاة، ويطبق التدابير التأديبية وينتخب القضاة في المحكمة العليا، لكن هذا المجلس نفسه سقط في قبضة أردوغان منذ استفتاء عام 2017، الذي وسّع سلطات الرئاسة ومنحه سيطرة فعلية عليه.