أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء أن الإمبراطور جستنيان حرص فى القرن السادس الميلادى على تحصين مداخل سيناء.
وقال أنه بني عدة نقاط للحراسة على رؤوس التلال الهامة بين العريش ونخل بوسط سيناء، للدفاع عنها ضد أخطار الفرس الذين احتكروا تجارة الحرير، فأمّن الطرق ما بين مصر وفلسطين وتحكم فى طرق التجارة القادمة من الهند والدول العربية والمتجهة إلى أوروبا،ودير سانت كاترين أشهر أديرة العالم أنشئ كدير محصّن لنفس الغرض.
وحدد ريحان الفترة البيزنطية فى مصر كما اتفق عليها المؤرخون من عام 297م إلى 641م عصر دخول الإسلام إلى مصر،وارتبط هذا التاريخ بالإصلاحات الإدارية للإمبراطور دقلديانوس التى تم تنفيذها فى 297م ووضعت نهاية لكون مصر ولاية خاصة من ممتلكات الأباطرة،اي لم تعد تحت الحكم المباشر للإمبراطور، وأصبحت تتساوى من ناحية الوضع الإدارى مع باقى ولايات الإمبراطورية الرومانية الشرقية.
وكشف ريحان تاريخ أربعة حصون أثرية هامة بسيناء،اولها حصن ودير الوادى بطور سيناء المسجل بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 987 فى 30 مارس 2009 باعتبار منطقة حفائر دير الوادى – قرية الوادى- محافظة جنوب سيناء من الأراضى الأثرية.
وقد أنشئ كحصن رومانى أعيد استخدامه كدير محصّن فى عهد الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى ،متوافقًا مع خطته الحربية لإنشاء حصون لحماية حدود الإمبراطورية الشرقية من غز الفرس،وأعيد استخدامه كأحد الحصون الطورية فى العصر الفاطمى، كما ورد فى عهود الأمان من الخلفاء المسلمين المحفوظة بدير سانت كاترين كما عثر به على تحف منقولة هامة من العصر الفاطمى.
وأوضح أن حصن ودير الوادى تحفة معمارية فريدة، وعلى بعد 3كم من هذا الدير يقع حمام موسى ذو المياه الكبريتية الدافئة،وكشف عنه فى حفائر جنوب سيناء من 1985 - 1993وظل عامرًا حتى العصر الفاطمى،ثم تحول إلى مقبرة للمسيحيين القاطنين بالمنطقة.
والحصن بنى بالحجر الجيرى والرملى المصقول والمشذب جيدًا،وهو الوحيد بسيناء يحتفظ بكل عناصره المعمارية من القرن السادس الميلادى حتى الآن،وله سور دفاعي عرضه متر ونصف وتدعمه ثمانية أبراج مربعة ويحوى أربعة كنائس ومعصرة زيتون من حجر الجرانيت الأسود، وبئر مياه ورحى لطحن الحبوب وفرن للخبز.
وهناك أيضًا حصن الفرما،حيث قال ريحان أن الفرما تضم آثارًا عديدة رومانية ومسيحية وإسلامية،وقد كشف بالفرما عن قلعة لها سور كبير ومسرح رومانى بالطوب الأحمر و الأعمدة الجرانيتية، ومدرجاته بالطوب اللبن وغطيت بالرخام الأبيض،ويتسع لحوالى تسعة آلاف متفرج،وهو المسرح الرومانى الوحيد المكتمل للعناصر المعمارية.
ونوه إلى أن الفرما تضم قلعة حصن الطينة على البحر المتوسط الذى بناها الخليفة العباسى المتوكل على الله وتولى بناؤها عنبسة بن إسحاق أمير مصر فى سنة 239 هـ 853 م عندما بني حصن دمياط وحصن تنيس.
وقدم ريحان رؤية لتطوير منطقة الفرما ضمن مشروع تطوير شرق بورسعيد،على أن يشمل التطوير إحياء محطات رحلة العائلة المقدسة من رفح إلى الفرما، بأعمال ترميم للآثار المكتشفة على طول الطريق وإعدادها للزيارة كمواقع للسياحة الثقافية والدينية وتزويدها بالخدمات السياحية.
وتمهيد الطرق لتيسير الدخول للموقع الأثرى بالفرما،والذى يبعد عن الطريق الرئيسى طريق القنطرة – العريش 5كم ،وإنشاء ميناء بحرى بها ومطار والترويج لها داخليًا وخارجيًا لإنعاش منطقة شمال سيناء سياحيًا،لتكون سيناء بأكملها منظومة متكاملة من المقومات السياحية المتنوعة، وتحويل هذه المحطات لمراكز تجارية وصناعية كما كانت فى سابق عصرها.
وأكد ريحان أن شمال سيناء كانت فى الماضى محطات للتجارة بين الشرق والغرب من القرن الأول حتى القرن السابع الميلادى،وكان بها أنشطة تجارية محلية وبعضها كانت موانئ هامة وبعضها كانت نقاط عسكرية لحماية قوافل التجارة وطريق الرحلة المقدسة للمسيحيين إلى القدس عبر سيناء.
وبعضها كانت نقاط جمارك وكان بها صناعات مثل النسيج والزجاج وبناء السفن والصيد وحفظ الأسماك وكانت تمثل مراكز تجارية للتجارة مع فلسطين وشمال أفريقيا وقبرص وآسيا الصغرى واليونان وإيطاليا.
وقال:هناك أيضا الحصن البيزنطى بجزيرة فرعون،والذي تم بناؤه فى عهد الإمبراطور جستنيان، لحماية التجارة البيزنطية، وقد تم الكشف عن كنيسة بيزنطية داخل الجزيرة،حفظت كاملة حين أنشأ صلاح الدين الأيوبى لقلعته الشهيرة على الجزيرة عام 567هـ 1171م.
وهناك فنار فوق التل الجنوبى بجزيرة فرعون لإرشاد السفن التجارية عند رأس خليج العقبة،وقد ترك حامية من الجنود لإدارة وحراسة الفنار، لذلك أنشأ لهم أماكن معيشة وغرف حراسة فى مبنى محصّن من الحجر الجرانيتى، المقطوع من نفس التل وبلاطات من الحجر الجيرى فى الأسقف.
وقد أعيد استخدام هذا المبنى فى عهد صلاح الدين كتحصين جنوبى لقلعته وأحاطه بسور دفاعى، والمبنى من الخارج كان مغطى بالملاط، ويتضح ذلك من بقايا بالجدار الغربى،وهذا يدل على أهمية المبنى المخصص لقائد الحامية.
أما حصن ودير سانت كاترين،اكد ريحان أن الإمبراطور جستنيان لم ينشئ الدير على أساس دينى صرف،لكنه كجزء من خطته الحربية،حيث بني تحصينات على الحدود الشرقية للإمبراطورية من حدود سوريا إلى شمال أفريقيا، لتحمى طرق التجارة ضد قبائل الصحراء والجبال الوعرة.
وكان السبب المباشر لبناء دير سانت كاترين الإستجابة لمناشدة الرهبان حول الجبل المقدس، ولكنه وجدها فرصة لتحقيق أهدافه في تأمين الحدود الشرقية للإمبراطورية، والدفاع عن مصر ضد أخطار الفرس.
وأضاف ريحان:جستنيان استطاع أن يحافظ على الحدود الشرقية للإمبراطورية من الزحف الفارسى أثناء حكم كسرى الأول (531- 579م)،لذلك قام بتشييد مجموعة من المبانى لحراسة الممرات أسفل جبل سيناء ،وهذه المبانى كان لها استخدام مزدوج كأديرة وحصون وكان يقوم بحراستها الرهبان.