الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الخضراوات والتجار ونار الأسعار


ليس كل من باع واشترى تاجرا, فالتجارة مهنة محترمة لها أصولها الرفيعة وقواعدها السامية منذ قديم الازل , فهى مهنة مبنية على الصدق والامانة , ولها حساباتها التى تراعى كل شيء, تراعى حق الله فى عباده فى عدم استغلال حاجتهم الى السلع وبخاصة فى وقت الازمات , فالتجارة مهنة الانبياء , مارسها سيدنا محمد النبى الامين قبل البعثة المحمدية , واشتهر فيها بالتاجر الصادق الأمين , ومارسها من بعده الكثير والكثير من الاتقياء والصالحين , من اتقى الله فيها صار من أهل الجنة , وما صلح حال التجار فى بلد الا وانخفضت الاسعار وما فسد حالهم الا وارتفعت الاسعار.

وهذه الايام فى ظل موجة الحر الشديدة , التهبت أسعار عدد كبير من الخضراوات والفاكهة بدعوى ان موجة الحر أهلكتها , والحقيقة هى ان موجة الحر ما كانت الا مطية بعض المستغلين ممن اعتادوا على التربح الظالم من وراء استغلال حاجة الآخرين اليهم , فما رفع الاسعار غير موجة الاستغلال والطمع التى طالت العديد من التجار منذ فترة وطال بقاؤها , فتضرر منها الفلاح وتضرر منها المستهلك فى نفس الوقت .

فالمزارع بحاجة الى بيع منتجاته من الخضراوات والفاكهة بسرعة لأنها سريعة التلف , وبخاصة فى ظل ارتفاع درجات الحرارة , وهو ما يجعله يقع تحت رحمة أدعياء التجارة من المستغلين الذين أبخسوهم أثمان منتجاتهم, حتى وصل الحال ببعض المزارعين الى ترك بعض المحاصيل كالفلفل والطماطم تأكلها الاغنام لأن السعر المعروض عليهم لا يغطى تكاليف جمع المحصول , ولا يجدون ثلاجات تبريد لتخزين منتجاتهم أو منفذ بيع مباشر فى أماكن قريبة من المستهلكين .

وعلى الجانب الآخر تجد الاسعار كالنار الملتهبة فى أسواق التجزئة , لأن الخضراوات والفاكهة تصل الى تجار التجزئة بأسعار مضاعفة , نتيجة استغلال تجار الجملة الذين يشترون المنتجات بأسعار بخسة ثم يبيعونها بأسعار مضاعفة , فهم يستغلون كلا الطرفين , المنتج الاول وهو المزارع والمستهلك النهائى الذى يشترى من تاجر التجزئة, والغريب ان المتاجرين بكلا الطرفين يحققون ثروات ضخمة فى هدوء وبعيدًا عن أية أعباء لا من الدولة التى تفتش ليل نهار على صغار التجار وصغار المنتجين , فهم أثرياء بعيدًا عن أعين الرقابة , فما الحل الذى يُبرد نار الاسعار ويقلل خسائر المنتجين؟

الحل بالنسبة للجانب الضعيف وهو الفلاح أو المنتج يكمن فى تكوين اتحاد منتجين فى كل تجمع زراعى , وهى فكرة معمول بها فى العديد من دول العالم , اتحاد فنى وتسويقى وليس اتحادا سياسيا مثل الكثير من مسميات الاتحادات الشكلية , وذلك من أجل تنسيق جهود صغار الفلاحين فى شراء خامات ومستلزمات انتاج بصورة جماعية تضمن تخفيض التكلفة عليهم , وفتح منافذ بيع مباشرة للمستهلكين النهائيين لبيع جزء من الانتاج بسعر عادل , وكذلك انشاء ثلاجات حفظ مشتركة بينهم , وبذلك يضمنون عدم خضوعهم لأى ضغوط , سواء ضغط ارتفاع مستلزمات الانتاج او ضغط الخوف من تلف السلع أو ضغط استغلال كبار المتاجرين من أدعياء التجارة الذين يبخسونهم أثمان منتجاتهم .

أما المستهلك النهائى فعليه دور هام وان كان غير مؤثر بقوة لانه للاسف الحلقة الاضعف فى المنظومة نتيجة عدم مرونة آليات العرض والطلب , وهو الشراء من الاسواق مباشرة حتى ولو كانت بعيدة فى حالة ارتفاع الاسعار, لأن تاجر التجزئة ان لم يجد من يشترى منه سوف يرفض الشراء من تاجر الجملة باسعار مرتفعة ليبيع بأسعار أكثر ارتفاعًا لا يقدر عليها المشترى , مما يضطر تاجر الجملة الى تخفيض الاسعار .

هذا دور المزارعين والمستهلكين , أما دور الدولة وهو الدور الاهم على الاطلاق بما تملكه من سلطات وإمكانيات وآليات, فهى مطالبة بتسهيل قواعد وقوانين تكوين اتحادات المنتجين , وتوفير الاراضى المناسبة لإقامة ثلاجات التخزين ومنحها الموافقات السريعة بعيدًا عن التعقيدات المميتة فى هذا المجال , وكذلك فرض مراقبة ذكية على الاسواق , والتدخل لضبط الاسواق خلال ساعات معدودة من حدوث أى خلل , وعدم ترك طرفى المعادلة وهما الفلاح المنتج والمواطن المستهلك تحت رحمة قلوب قست وصارت كالحجارة أو أشد قسوة .


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-