الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مونيكا وليم تكتب: السودان .. بعد التقاط الأنفاس

مونيكا وليم
مونيكا وليم

قد شهد المشهد السوداني تطورات متسارعة متمثلة في تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي الحرية والتغيير وذلك عقب التوقيع على الاتفاق السياسي بينهما والتي نصت بنوده على تشكيل مجلس السيادة من 11 عضوا و 5 عسكريين يختارهم المجلس العسكري و 5 مدنيين تختارهم قوي التغيير إضافة إلى ذلك شخصية مدنية تتم اختيارها بالتوافق بين الجانبين، وذلك بعد أن أصبح الوضع السوداني شديد التعقيد عقب الاطاحة بنظام البشير الذي ارتكزت فلسفة حكمه على اللعب على التناقضات المجتمعية والطبقية بين الشعب السوداني.

ويمهد هذا الاتفاق إلى دخول السودان إلى حقبة اكثر استقرار فقد أدى عبدالله حمدوك اليمين الدستوري لرئاسة الوزراء، كما أدى عبد الفتاح البرهان اليمين الدستورية كرئيسا للمجلس السيادي، الا ان الثورة لم تنتصر لمجرد تشكيل هياكل السلطة بل نجاحها يتمثل في تجاوز اي منعطفات طارئة في الداخل بين القوي السياسية الوطنية من جهة وبين عرقلة تدخلات القوي الخارجية في المشهد السوداني وذلك تلافيًا لتكرار المشهد الليبي الذي أدى إلى انقسام القوي الوطنية والاستقواء بالخارج مما ساهم في دخول البلاد في دائرة مفرغة نتيجة للتوازن القوي بين الطرفين.

فقد انقذ هذا الاتفاق الدولة السودانية من ازمة محققة وذلك في حال ان استمر الفراغ السياسي داخل السودان، حيث تنامي التخوف من استغلال هذا الفراغ من قبل أطراف عدة داخلية فضلا عن الأطماع الخارجية المتمثلة في قوي اجنبية تسعي للسيطرة على الثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي للسودان حيث الساحل السوداني الواقع على البحر الأحمر والذي يعد( قريب من الحرب التي تدور في اليمن مما جعل السيطرة على تلك المنطقة أمرا مهما بل و ساهم في دخول تلك الورقة إلى دائرة التنافس بين القوي الخارجية ,فقد وقعت كلا من تركيا وقطر في مارس ٢٠١٩ عقودا بقيمة ٤ مليارات دولار المساهمة في تطوير هذا الميناء وبذلك ضمنت تركيا وجودا عسكريا في البحر الأحمر فضلا عن توقيع اتفاقية مع شركة تركية مملوكة للدولة، تسمح لها بالتنقيب عن الذهب ومعادن أخرى في ولاية البحر الأحمر شرقي السودان والتي تتمثل اهميتها الاستراتيجية كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة على البحر الأحمر، وتصل مساحتها إلى 20 كم مربع، وتحتوي على أكثر من 270 قطعة أرض سكنية.

وذلك في مقابل الموقف الخليجي المتمثل في الإمارات والسعودية الداعم للمجلس العسكري حيث قدمتا مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار للسودان منذ الاطاحة بالبشير في ابريل، الأمر الذي ساهم في تصاعد النفوذ السعودي والإماراتي على المجلس العسكري السوداني من الدعم العسكري الذي يتم تقديمه من جهه السودان في اليمن في مواجهة الحوثيين الذين يحظون في نفس الوقت بدعم إيراني، كما أنه يوجد انتشار للقوات السودانية في السعودية مما يشكل نقلة نوعية في السياسة الخارجية السودانية إزاء التقارب من السعودية , إلي جانب الدعم المصري المستمر للسودان باعتبارها عمقًا استراتيجيًا و امتدادًا للأمن القومي المصري.

وباستعراض التجربة السودانية مع القوي الدولية التي إن لم تكن العامل الأساسي في الانقسام بين الشمال والجنوب، فهي بمثابة الدور المحفز، حيث ساعدت الدول العظمي في زيادة اشتعال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وذلك خلال إدخال النفط السوداني في حرب موارد بين القوي الخارجية التي استغلت تلك الاضطرابات السياسية في السودان، الأمر الذي يدفعنا لتبني قناعة متعلقة بقوة تأثير الفاعلين السياسيين في تشكيل الخريطة وترسيم الحدود بين الدول الأفريقية ، فقد كمنت المصلحة الأمريكية في تحقيق الانفصال للاستحواذ على النفط السوداني و تم على إثر ذلك بيع شركة النفط شيفرون الأمريكية وذلك حماية لمصالحها التي اصبحت مهددة جراء التقلبات السياسية المتلاحقة بالسودان، وقد استغلت الصين في المقابل هذا الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وعوضت السودان عما تم فقده من موارد مالية بعد انسحاب الولايات المتحدة والتي تملك تقنيات جيولوجية متعلقة بالاستكشاف النفطي ، وقد ساعد الوجود الصيني حينها السودان علي مد الخط النفطي الثاني عام ٢٠٠٦ و ذلك لنقل النفط السوداني إلى موانئ البحر الأحمر مما ساهم بدوره في تمكن السودان من تصدير نصف مليون برميل يوميا من صادراته النفطية مما دفعها للاستغناء عن الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، الأمر الذي اثار حفيظة الإدارة الأمريكية مما دفعها لاستخدام النفط الجنوبي كمدخل لعودتها لتحقيق الأمن في جنوب السودان حيث أن اتفاق (نيقاشا) عام 2005 قد أسس ركائز اساسية لعودة الولايات المتحدة الأمريكية من البوابة الجنوبية التي مثلت في الوقت نفسه مخرج للصينين.

لذلك اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية سياسات عقابية ازاء السودان منها فرض عقوبات علي السودان بحجة دعمها للإرهاب بالإضافة إلى ذلك فرض عقوبات اقتصادية شاملة.

فقد تزامن اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على الموارد النفطية في السودان مع تصاعد وتيرة الصراع في دارفور الأمر الذي استغلته الولايات المتحدة الأمريكية كورقة ضغط لتعزيز نفوذها في السودان فقد حاولت القوي الدولية اتخاذ بعض الأمور كذريعة لتواجدها في السودان والتأثير على مجريات الأمور حيث استغلت الصين استثماراتها في النفط السودان كورقة لتعزيز تواجدها ، في الوقت التي أرادت فيه الولايات المتحدة ان تمسك بورقة انتهاك حقوق الإنسان في دارفور.

الخلاصة: أن الأهمية السياسية للاتفاق الموقع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي الحرية والتغيير تكمن بالأساس في سد الطريق امام القوي الخارجية وذلك الي جانب دوره في تعزير الأمن والاستقرار الداخلي و تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوداني وذلك وفقا للوثيقة الدستورية.