حكم اللقطة إذا لم يعلم صاحبها، اللقطة: هي كل مال ضل عنه ربه والتقطه غيره، والشيء الذي لا يُعرف صاحبه إن كان آدميًا فهو لقيط، وإن كان حيوانًا فهو ضالة، وإن كان غير ذلك فهو لقطة.
حكم اللقطة
يجب تعريف اللقطة هو المناداة عليها في المجامع العامة حول مكانها كالأسواق، وأبواب المساجد، والمدارس ونحو ذلك، أو الإعلان عنها في وسائل الإعلام المباحة، ويجوز للملتقط أن يعرِّفها بنفسه، أو ينيب غيره مكانه.
مدة تعريف اللقطة
ما كان له قيمة وشأن من اللقطة يعرِّفه سنة، وأما الشيء اليسير القليل فلواجده الانتفاع به من غير تعريف كالسوط والعصا، والكسرة والثمرة ونحو ذلك مما لا تُقطع به يد السارق، مستشهدًا بما روي عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: «لَوْلا أنِّي أخَافُ أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلتُهَا». متفق عليه.
ومن وجد ضالة الغنم في مكان قفر بعيد عن العمران فله أن يأكلها، ويضمن قيمتها إن وجد صاحبها، إذ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
تعريف اللقطة عبر مواقع التواصل
يجوز تعريف اللقطة على مواقع التواصل الاجتماعي المدة الشرعية، حيث تكون أكثر انتشارًا بين الناس، ويجوز أن يسلمها لقسم الشرطة وتحرير محضر بالواقعة.
حكم اللقطة من المال القليل
فمن وجد مالًا لقطة مما له قيمة كبيرة، وجب عليه تعريفه سنة، أما اليسير مما لا قيمة له كبيرة، بحيث لا تتبعه نفس صاحبه، فيجوز أخذه والانتفاع به أو التصدق به عن صاحبه، ولا يجب تعريفه، قال الدردير المالكي -وهو يتحدث عن اللقطة التي يجب تعريفها-: "لا إن كان تافهًا لا تتلفت إليه النفوس كل الالتفات"، وقال ابن قدامة الحنبلي: "ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به، وقد روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وعائشة، وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، وطاوس، والنخعي، ويحيى بن أبي كثير، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
أحكام اللقطة
إذا ضل مال عن صاحبه، فلا يخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون مما لا تتبعه همة أوساط الناس، كالسوط، والرغيف، والثمرة، والعصا، فهذا يملكه آخذه وينتفع به بلا تعريف، لما روى جابر قال: «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرج» رواه أبو داود.
الحالة الثانية اللقطة من الحيوانات: أن يكون مما يمتنع من صغار السباع، إما لضخامته كالإبل والخيل والبقر والبغال، وإما لطيرانه كالطيور، وإما لسرعة عدوها كالظباء، وإما لدفاعها عن نفسها بنابها كالفهود، فهذا القسم بأنواعه يحرم التقاطه، ولا يملكه آخذه بتعريفه لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ضالة الإبل: «مالك ولها ؟! معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها» متفق عليه، وقال عمر: «من أخذ الضالة فهو ضال» أي مخطئ، وقد حكم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأنها لا تُلتقط، بل تترك؛ لأنها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.
ويلحق بذلك الأدوات الكبيرة، كالقدر الضخمة والخشب والحديد وما يحتفظ بنفسه ولا يكاد يضيع ولا ينتقل عن مكانه، فيحرم أخذه كالضوال، بل هو أولى.
الحالة الثالثة حكم من وجد مالًا: أن يكون المال الضال من سائر الأموال: كالنقود والأمتعة وما لا يمتنع من صغار السباع، كالغنم والفصلان والعجول، فهذا القسم وإن أمن واجده نفسه عليه، جاز له التقاطه، وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول اللقطة من الطيور: حيوان مأكول، كفصيل وشاة ودجاجة، فهذا يلزم واجده إذا أخذه أن يفعل الأحظّ لمالكه من أمور ثلاثة: أحدها: أكله، وعليه قيمته في الحال، الثاني: بيعه، والاحتفاظ بثمنه لصاحبه بعد معرفة أوصافه، الثالث: حفظه، والإنفاق عليه من ماله، ولا يملكه، ويرجع بنفقته على مالكه إذا جاء واستلمه، لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الشاة قال: «خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» متفق عليه، ومعناه: أنها ضعيفة، عرضة للهلاك، مترددة بين أن تأخذها أنت أو يأخذها غيرك أو يأكلها الذئب.
وذكر ابن القيم في الكلام على هذا الحديث الشريف: «وفيه جواز التقاط الغنم، وأن الشاة إذا لم يأت صاحبها، فهي ملك المتلقط، فيخير بين أكلها في الحال وعليه قيمتها، وبين بيعها وحفظ ثمنها، وبين تركها والإنفاق عليها من ماله، وأجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط، له أخذها».
النوع الثاني اللقطة من الفاكهة والبطيخ: ما يخشى فساده؛ كبطيخ وفاكهة، فيفعل الملتقط الأحظّ لمالكه من أكله ودفع قيمته لمالكه، وبيعه وحفظ ثمنه حتى يأتي مالكه.
النوع الثالث: سائر الأموال ما عدا القسمين السابقين، كالنقود والأواني، فيلزمه حفظ الجميع أمانة بيده، والتعريف عليه في مجامع الناس.
ولا يجوز له أخذ اللقطة بأنواعها إلا إذا أمن على نفسه عليها وقوي على تعريف ما يحتاج إلى تعريف، لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق؟ فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف، فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر، فادفعها إليه»، وسأله عن الشاة؟ فقال: «خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب»، وسئل عن ضالة الإبل، فقال: «مالك ولها؟! معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها» متفق عليه.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «اعرف وكاءها وعفاصها»: الوكاء: ما يربط به الوعاء الذي تكون به النفقة، والعفاص، الوعاء الذي تكون فيه النفقة.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ثم عرِّفها سنة»، أي اذكرها للناس في مكان اجتماعهم من الأسواق وأبواب المساجد والمجامع والمحافل، «سنة» أي: مدة عام كامل، ففي الأسبوع الأول من التقاطها ينادى عليها كل يوم، لأن مجيء صاحبها في ذلك الأسبوع أحرى، ثم بعد الأسبوع ينادى عليها حسب عادة الناس في ذلك.
«وإذا كانت هذه طريقة التعريف في العهد الماضي فإنّ الملتقط يعرّف اللقطة بالطرق المناسبة في هذا العصر، والمهم حصول المقصود وهو بذل ما يُمكن للوصول إلى صاحبها».
والحديث يدل على وجوب التعريف باللقطة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «اعرف وكاءها وعفاصها»: دليل على وجوب معرفة صفاتها ، حتى إذا جاء صاحبها ووصفها وصفًا مطابقًا لتلك الصفات، دُفعت إليه، وإن اختلف وصفه لها عن الواقع لم يجز دفعها إليه.
وفي قول صلى الله عليه وسلم: «فإن لم تعرف، فاستنفقها»: دليل على أن الملتقط يملكها بعد الحول وبعد التعريف، لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها: أي حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، فإن جاء صاحبها بعد الحول، ووصفها بما ينطبق على تلك الأوصاف، دفعها إليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن جاء طالبها يومًا من الدهر، فادفعها إليه».
ملخص أحكام اللقطة
وتبين مما سبق أنه يلزم نحو اللقطة أمور:
أولًا: إذا وجدها، فلا يُقْدم على أخذها إلا إذا عرف من نفسه الأمانة في حفظها والقوة على تعريفها بالنداء عليها حتى يعثر على صاحبها، ومن لا يأمن نفسه عليها، لم يجز له أخذها، فإن أخَذَها ، فهو كغاصب، لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه، ولما في أخذها حينئذ من تضييع مال غيره.
ثانيًا: لابد له قبل أخذها من ضبط صفاتها بمعرفة وعائها ووكائها وقدرها وجنسها وصنفها ، والمراد بوعائها ظرفها الذي هي فيه كيسًا كان أو خرقة، والمراد بوكائها ما تُشدّ به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والأمر يقتضي الوجوب.
ثالثًا: لابد من النداء عليها وتعريفها حولًا كاملًا في الأسبوع الأول كل يوم، وبعد ذلك ما جرت به العادة، ويقول في التعريف مثلًا: من ضاع له شيء ونحو ذلك، وتكون المنادة عليها في مجامع الناس كالأسواق، وعند أبواب المساجد في أوقات الصلوات، ولا ينادي عليها في المساجد لأن المساجد لم تبن لذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد، فليقل لا ردها الله عليك».
رابعًا: إذا جاء طالبها، فوصفها بما يطابق وصفها ، وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ولقيام صفتها مقام البينة واليمين، بل ربما يكون وصفه لها اظهر واصدق من البينة واليمين، ويدفع معها نماءها المتصل والمنفصل، أما إذا لم يقدر على وصفها، فإنها لا تدفع إليه ، لأنها أمانة في يده، فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها.
خامسًا: إذا لم يأت صاحبها بعد تعريفها حولًا كاملًا، تكون ملكًا لواجدها، لكن يجب عليه قبل التصرف فيها ضبط صفاتها، بحيث لو جاء صاحبها في أي وقت، ووصفها ردها عليه إن كانت موجودة، أو ردَّ بدلها إن لم تكن موجودة، لأن ملكه لها مراعى يزول بمجيء صاحبها.
عُشر اللقطة
إذا دفع صاحب المال -اللقطة- نسبة أو شيئًا للملتقط عن طيب نفس منه من غير أن يكون مكرهًا من قبل السلطة فإنه لا مانع من أن يأخذها الشخص الذي أعطيت له، لأن للمكلف الرشيد أن يتصرف في ماله ويعطي من شاء، ويجوز لمن أعطي عطاء مباحًا أن يقبله.
وإن كان صاحب المال يدفع تلك النسبة عن غير طيب نفس منه، فلا يبيح أخذ أموال الناس بغير طيب أنفسهم، ولا يجوز للملتقط أن يشترط على صاحب المال أن يأخذ مبلغا بعينه «10% مثلًا عشر اللقطة» حال رد الشيء الملتقط إليه مرة أخرى.
والدليل على جواز إعطاء الملتقط جزءًا من المال، حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أتى إليكم معروفًا، فَكافئوه، فإنْ لم تَجدوا، فادْعوا له».