الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد العزيز بشر يكتب.. الآلة وحدها لا تكفي .. الطبيب أولًا

صدى البلد

عندما تحدث الأدباء والكتاب أمثال ديكينز وغيره عن الثورة الصناعية وما حققته من تطور وازدهار كان الجانب المظلم من القصة يتحدث دائما عن العامل البشري الذي بدأ دوره في التقلص أمام الميكنة حتى هيء للبعض انه بصدد الاستغناء عنه تماما لكن ومع نمو التجربة تأكد بما لايدع مجالا للشك أن العقل البشري المتميز واليد البشرية المدربة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنهما بصورة نهائية وان الآلة وحدها لا تستطيع القيام بكثير من الأدوار التي يقوم بها الإنسان.

في الطب، شهد العالم في السنوات القليلة الأخيرة تطورا مذهلا في الهندسة الطبية والاستخدام التكنولوجي الذي ساهم بشكل كبير في تطور أساليب التشخيص والعلاج ومع ذلك يظل الطبيب الماهر أهم مقومات العلاج الناجح ولا يمكن لضعاف المستوى من الأطباء مهما استعانوا بالوسائل والتقنيات الحديثة تحقيق نفس النتائج والوصول لنفس القدر من الكفاءة.

إنني أتحدث هنا عن تطور مذهل في استخدام التقنيات الحديثة في مجال تخصصي الدقيق كجراح تجميل شهد مجاله طفرة تكنولوجية رهيبة في الآونة الأخيرة بل ويشهد كل يوم تطورا أكبر من سابقه ما يجعل البعض يظن أنه بامتلاكه هذه التقنيات واستخدامها أصبح قادرا على تحقيق المستحيل لمرضاه بسهولة ويدفعه ذلك لإطلاق وعود واهمة لا تلبث أن تصطدم بواقع أن الآلة وحدها لا ترقى للتعامل مع الإبداع الإلهي في هذا الجسد البشري.

في الحقيقة أستطيع ان أقول بعد خبرة تفوق العشر سنوات في هذا المجال أن لكل حالة خصوصية لا تتشابه فيها معها أي حالة أخرى وأن الأساس العلمي الذي نتعامل به مع كل الحالات التي نعالجها هو طريق ديناميكي تتغير تفاصيله باختلاف المعطيات مع كل مريض او عميل اذا صحت التسمية وهو ما تعجز عنه الآلة مهما كانت متطورة فما يحتاجه شخص ما قد يختلف عما يحتاجه آخر حتى وباستخدام نفس الآلة.

وليكون المفهوم واضحا دعونا نضرب مثالا بواحدة من أكثر عمليات جراحة التجميل انتشارا في الآونة الأخيرة وهي جراحات تنسيق القوام والتي ساهمت التكنولوجيا الحديثة في تطورها لدرجة تسمية هذه الجراحات بجراحات نحت الجسم وهنا لابد أن نؤكد على حقيقة مهمة وهي أن هذه العمليات وان كانت تعتمد على شفط الدهون إلا أنها ليست جراحات لإنقاص الوزن وكذلك لا تهدف للتخلص من هذه الدهون بل لإعادة توزيعها على مناطق الجسم المختلفة لتحقيق تنسيق القوام مع احترام شكل الجسد المثالي في أوضاعه المختلفة حركة وسكونا وعلاقة الدهون بالعضلات والجلد في وقت واحد.

هذه الجراحات شهدت تطورا تكنولوجيا كبيرا كما أسلفنا فأصبحت الأجهزة جزء هام من الجراحة باختلاف أنواعها والهدف من استخدامها فأصبح المهتمون بمثل هذا النوع من العمليات يسألون عن الليزر والفيزر والجي بلازما والبودي تايت والسكالبشور والمايكرو اير والڤايبرو والليبوماتيك وغيرها تحت تأثير الدعاية لهذه الأجهزة من أصحاب الشركات المصنعة او المستوردة لها ومن أصحاب العيادات والمراكز التي دفعت فيها أموالا طائلة لجني الأرباح من ورائها.

ومع الأسف فبالرغم من ان لكل جهاز من هذه الأجهزة استخدامات بعينها وقدرات لا يمكن تجاوزها إلا أن البعض يسوق لها كونها الحل الأمثل لكل الحالات وبدون تمييز والأخطر أنه يسوق لها على أنها بديل حقيقي عن يد الجراح الماهر.

إنني هنا اؤكد انه نعم بالطبع تساعد هذه الأجهزة وغيرها على الوصول لنتائج مبهرة ولكن بشرط أن تستخدم الاستخدام الأمثل بالضوابط العلمية المعروفة لكل جهاز منها ولا يتحقق ذلك إلا بيد خبيرة ذات خلفية علمية تساهم في هذا الاستخدام الأمثل وعليه يظل الدور الأهم في مثل هذه الجراحات هو دور العنصر البشري المتمثل في الجراح الماهر الأمين والذي يختار بدقة ما يحتاجه مريضه بما له من خصوصية وتفرد يفحص حالته بدقة وينصحه بما يحتاجه بأمانة ولا يدفعه دفعا لاستخدام ما لديه من اجهزة لمجرد تحقيق الربح.

من هنا كان لا بد من التأكيد على أن وعي المريض هو مسئوليته تجاه نفسه حتى يتمكن من الاختيار الصحيح لمن يضع فيهم ثقته فلا يقع فريسة المدعين وأصحاب المصالح مهما أغروه بما لديهم من تقنيات ومهما أوهموه بما يحققونه من إنجازات وما يقدمونه من خدمات بأسعار مبالغ فيها تدفع ثمن هذه الأجهزة وتحقق لهم أرباحا مضاعفة.
--