الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد بشر يكتب : الأمم المتحدة واعتبارات الأمن القومي

صدى البلد

ترددت تصريحات رسمية في موقع أخبار الأمم المتحدة الرسمي في الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي فحواها " خبراء الأمم المتحدة : على مصر إنهاء الحملة ضد المتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان فورا " ويشير هذا التصريح إلى الاحتجاجات المحدودة التي حدثت في مصر في 21,20 من سبتمبر الماضي وما أطلقوا عليه التجمع السلمي للتعبير عن الرأي وتصريح أخر فحواه " مكتب حقوق الإنسان : الاحتجاز التعسفي أصبح مشكلة مزمنة في مصر " بالإشارة إلى إلقاء القبض على بعض الخارجين عن القانون في الاحتجاجات موضوع التصريحات.

وهذا المقال ليس موجها للأفراد بقدر ما هو موجه للمؤسسات والمنظمات التي تعمل على تدعيم حقوق الإنسان ونشرها وحمايتها ويدور حول تصحيح النظرة وضبط البوصلة لتوضيح الخط الرفيع الفاصل بين الأمن القومي والاستقرار كحق من حقوق الشعوب وحق التجمع السلمي والتعبير عن الرأي كحق أيضا من حقوق الإنسان والتي أصبح يساء استخدامها مؤخرا بشكل مطلق مما اضر بحقوق الشعوب.

واتضح هذا جليا في تبنيهم الدفاع عن الحق في التجمع السلمي للتعبير عن حرية الرأي على إباحته المطلقة دون أي قيود من التي نص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان وأهمها وأولها اعتبارات الأمن القومي والسلامة العامة والمصلحة العامة التي يتناساها السادة خبراء حقوق الإنسان ويحذفونها من نصوص الاتفاقات الدولية التي اعتبرتها قيدا على هذا الحق والتي تنظم هذا الحق في القانون الدولي وردت صريحة في نصوص المواد التي تناولت تنظيم مبادئ التجمع السلمي للتعبير عن الرأي مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نص المادة 21 , وأيضا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المادة 11 فقرة 2, المادة 15 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان وأخيرا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وبمطالعة نصوص هذه المواد نجد أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بلا استثناء أجمعت على أن حق التجمع السلمي والتعبير عن الرأي ليس حقا مطلقا مثلما يتعامل معه خبراء حقوق الإنسان ويروجون لتطبيقه بهذه الآلية الخاطئة ولكن له قيود وشروط وأهمها هي النص صراحة على وجوب ممارسته بما لا يضر بالأمن القومي أو بالسلامة العامة أو بالنظام العام بل وفرضت حق تنظيمه للقانون أيضا وأكدت أن يتم فرض تلك القيود بما لا يهدم الحقوق والحريات.

وتثور هنا المسألة الشائكة وهى كيف يمكن إنفاذ الحق في التجمع السلمي والتعبير عن الرأي المعروف بالمصطلح الدارج إعلاميا بالتظاهر في إطار تطبيق مفهوم الأمن القومي الذي يقيد هذا الحق بدون أن يهدم الحقوق والحريات . 

ولكي نجيب عن هذا السؤال يجب أن نحدد أولا الهدف من إقرار حق التجمع السلمي للتعبير عن الرأي ( التظاهر ) " وهو إيصال رسالة إلى السلطة سواء الحاكمة أو السلطات المدنية في النقابات مثلا, بشكل سلمى بطلبات مشروعة لتنفيذها في حال فقد قنوات الاتصال المشروعة بها ولا يوجد غير هذه الطريقة".

ولكن لإقرار هذا الحق يجب أن يتم ممارسته وفقا لقانون الدولة الذي ينظمه ووفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والذي أكد على التمكين من ممارسة هذا الحق بما لا يضر بالأمن القومي أو السلم العام ومفهومهم هو ضمان استقرار الدول الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الامنى وبما لا يضر بحقوق الغير في الحياة أو ممارسة حياتهم اليومية دون إعاقة وتعطيل ولا يمنعهم من حقهم في الوصول لممتلكاتهم أو لأعمالهم أو لاماكن تلقى العلاج وبما لا يعطل أو يقطع الطرق العامة أو وسائل النقل والمواصلات أو يمنع الغير من الانتفاع بها أو من الانتفاع بالمصالح الحكومية أو يهدد اقتصاد الدولة أو يسبب لها خسائر في المال العام أو خسائر للمواطنين في المال الخاص .

وأنه لا يرتكب خلال هذا التجمع السلمي اى جريمة جنائية منصوص عليها في القوانين الداخلية للدولة وبالتالي يخرج هذا التجمع السلمي من تحت مظلة حماية القانون الدولي العام ولايمكن الاستمرار بوصفه بالسلمية آنذاك ويحق لسلطات الدولة مواجهته بالفض بكافة السبل لديها للحفاظ على الأمن القومي واستقرارها ولا يعد هذا التصرف انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان .

في بعض الدول المتحضرة حق التظاهر مقيد بقانون يلزم بالحصول على تصريح ومحدد مكانه بالوقوف فوق الرصيف وفى حالة نزول المتظاهر عن الرصيف ولو بالخطأ يتم اعتقاله فورا ومحاكمته ولا نسمع للسادة الخبراء صوتا ؟.

أما في الدول العربية منذ عام 2011 حتى الان إذا قام المتظاهر بمقاومة السلطات التي تؤمنه واعتدى عليها وعلى الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطريق بل إذا حمل السلاح وأرهب المواطنين يجد مئات المنظمات الحقوقية التي تدافع عن انتهاكه للقانون الدولي لحقوق الإنسان وليس القانون الداخلي فقط وهو ما يعد جريمة في حق الإنسانية وحقوقها الأساسية ارتكبها العاملون في مجال حقوق الإنسان بما اضر بحقوق شعوب كاملة بما يعد ازدواجية في المعايير ويرسخ معايير خاطئة دعمها وترويجها هو انتهاك فعلي للقانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره المتزنة التي أقرتها معاهداته وإعلاناته مما أدى إلى هدم ثلاث دول ووقوعها في براثن الفوضى وأضرت بحقوق شعوب وجعلتهم مشردين وكانت نقطة الانطلاق أن بعض الفوضويين وجدوا من يساندهم ويضغط على دولهم للسماح لهم بالمزيد منها مما افقد القانون الدولي لحقوق الإنسان جوهره وحوله لسلاح للانتحار القومى للشعوب بالترويج الناقص لمبادئه ودعم مخالفته من الإفراد والجماعات.

والسؤال الآن : إلى متى سيظل خبراء حقوق الإنسان والعاملون عليها ينتهكون القانون الدولي لحقوق الإنسان بتجزئته لأغراض أصبحت سياسية أكثر منها حقوقية ودخول العمل الحقوقي نطاق العمل السياسي يهدمه ويحوله لسلاح انتقامي يهدم ولا يبنى ويهدف للتدخل في الشئون الداخلية لدول وانتهاك سيادتها مما يفقد الهدف السامي من حقوق الإنسان وتدعيمها جوهره.

هل تقصى السادة خبراء حقوق الإنسان من أن التظاهرات التي أطلقوا التصاريح اللاذعة بشأنها عن ما إذا كانت احتفظت بسلميتها وفقا للمعايير الدولية للقانون الدولي لحقوق الإنسان أم خرجت عنها ؟ وهل التزم المتظاهرون بالقانون والامتناع عن انتهاك حقوق الغير وممتلكاتهم أم لا قبل إطلاقهم تصاريح ضاغطة على الدول دون تحقق فعلى على ارض الواقع من حقيقة ما حدث كما يملى عليهم واجبات ومقتضيات العمل الحقوقي الحقيقي ؟.

على العاملين والخبراء والمهتمين دوليا بدعم حقوق الإنسان إعادة النظر في أسلوب تناولهم لقضاياه والكف عن انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان بتجزئته والتعامل بمعايير مزدوجة في تطبيقه ومراجعة الاتفاقيات الدولية التي تنظمه والقيود الواردة عليه قبل كتابة تقاريرهم وإعلان مطالباتهم بشأن قضاياه حتى يظهرون التزامهم بأقل مبادئ الحيادية والنزاهة والشفافية .