الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمين عام مؤتمر أدباء مصر: نحتاج لتجديد الخطاب الثقافي أكثر من الديني

صدى البلد

قال الشاعر حازم حسين، أمين عام مؤتمر أدباء مصر في دورته الحالية التي افتتحت منذ قليل، بمحافظة بورسعيد أن الدور الذي تلعبه الثقافة الآن أقلُّ ممَّا يُناط بها ويتوجَّب عليها، وما تزال المؤسسة الثقافية بكاملها خارج المعادلة، وهو الأمر الذي يفرض علينا البحث عن تأسيس جديد للمنظومة كلِّها، المؤتمر والهيئة والوزارة وأطر العمل، وكلُّها دون ما نصبو إليه، وما يُرتِّبه السياق ويُلقيه الظرف الراهن على عواتقنا.

وتابع:"إننا إذ نلتقي في ذلك الحيز المدهش من أرض مصر، يقع على عاتقنا أن نتلمَّس السياق الذي أفرزته بورسعيد، وعاشته وسجلته في الذاكرة الجمعية، وأن نستلهم الحالة العضوية التي تضافر فيها الوعي الفردي مع الهمِّ العام، فكانت الثقافة شريكًا أصيلًا في الجبهة، بالشعر والغناء والمُقاتلين المبدعين، ولسوف تشُوه وجوهُنا جميعًا؛ إن ظللنا على الحياد، أو أحجمنا عن المعركة بينما يُحمى وطيسُها".


وأكمل: " يجدر بالمؤتمر أن يكون منتدىً حقيقيًّا لأدباء مصر، وليس لأندية الأدب فقط، وأن يكون شريكًا في تخطيط الرؤى وصَوغ الاستراتيجيات. ومن مُنطلق تلك الجدارة، وما يُغلِّفها من تطلُّعات، أدعو وزير الثقافة إلى تشكيل لجنة فنية من كبار المثقفين وذوي الخبرة؛ لاقتراح آليات عملية لإعادة الهيكلة، سعيًا إلى مأسسة المؤتمر، وإكسابه الشخصية الاعتبارية المستقلة، مع إنجاز ما يتطلَّبه ذلك من استقلالية الميزانية، ووضع تصوُّرات عادلة للتمثيل الموضوعي، بما يُغطِّي فضاء الثقافة المصرية في نوعيَّته وثرائه، وليس في أوزانه النسبية وحصصه الجغرافية".

واستطرد: "أنحزنا في التأسيس الفكري للدورة الحالية، إلى مُساءلة الحالة الثقافية في تجلِّياتها التداولية، انطلاقًا من مفارقة العلاقة الطردية بين تنامي موجات الحراك، واتّساع الخطابات المُغلقة على يقينيات قديمة ودوائر انتماء أوّلية هشَّة، بين استهلاك الحداثة وإعادة إنتاج الأصولية، بل وتحويل شطر من نتاج الحداثة نفسها إلى أصوليات جديدة. وإذا كان ارتفاع منسوب التطرُّف مُرتبطًا بأزمة وعي حقيقية، فالأمر ليس بعيدًا عن ميكانيزمات الحراك وقادته أيضًا، والحقيقة أن تلك الحالة بكاملها ربّما تخصُّ الدولة أكثر من المجتمع، لا سيَّما أن الروافع المؤسَّسية لمنظومة الثقافة شبه مُعطَّلة، وإن سارت تسيح على غير هدى، فالمؤسف، وما لا نستطيع نُكرانه، أننا لا نملك استراتيجية ثقافية حقيقية، ومثالا فإن وزارة التخطيط خاطبت الثقافة خلال إعداد "رؤية مصر 2030" قبل سنوات؛ لوضع خُطَّة شاملة للقطاع، لكن الخطاب انزلق إلى أدراج المجلس الأعلى للثقافة ولم يخرج، وبالتبعية لم تتضمَّن الاستراتيجية شيئا ذا قيمة عن الثقافة، جرى ذلك في وقت يتفرَّغ فيه المجلس لتنظيم الندوات والأماسي على طريقة أندية الأدب، بينما يُفترض فيه أن يكون عقلا وبيت خبرة، لا مُتعهِّد حفلات وأفراح. تلك الوضعية المؤسفة تفرض على الدولة التدخل؛ لإصلاح حال المجلس، وإعادة هيكلة لجانه وآليات عمله، أو إلحاقه بمجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، ليُنجز ما يتعيَّن عليه إنجازه بعيدًا عن البنية العتيقة واللجان المُلتئمة على طريقة ملوك الطوائف".

من الباب نفسه، لا يصحُّ أن تُبدِّد المؤسَّسات طاقتها وتأكل نفسها، كما يحدث في ملف النشر الذي تنشط فيه كلُّ أجنحة الوزارة، دون مُبرِّر مثلا لأن يكون المجلس الأعلى أو صندوق التنمية أو قطاع الفنون التشكيلية ناشرين، بينما تملك الوزارة ناشرًا عملاقًا ومُتخصِّصًا مثل هيئة الكتاب، وإلى الآن ما تزال توصيات لجنة توحيد النشر خارج التطبيق.

واكد: "يتعيَّن النظر أيضًا إلى فلسفة العمل الثقافي في المركز والأطراف، وإلى عدالة توزيع المحتوى والمُخصَّصات. تملك هيئة قصور الثقافة زهاء ستمائة موقع، لكن ميزانيتها لا تتناسب مع حجمها، وبينما ينفق البيت الفني للمسرح ملايين على عدة عروض، تعمل فرق المحافظات بقروش وملاليم، حتى يعرضوا أسبوعًا أو عشرة أيام، وإذا كان المنطق والضرورة يقتضيان دعم صُنَّاع الثقافة على جبهة الحرب الحقيقية، في القرى والنجوع وعلى مقربة من معاقل الانغلاق والتطرُّف، فمن الواجب أيضًا أن تتدفَّق الفرق الكبرى وعروض الأوبرا والبيت الفني إلى الأقاليم بانتظام، وليس بالصدفة أو الهوى"، موضحا ربما يكون المؤتمر فرصة لتذكرة الدولة أن مصر المثقفة الواعية هي أنجع ما نُحارب به الإرهاب، وأن الثقافة استثمار وصناعة ثقيلة، ومن الخطأ أن ننظر إليها باعتبارها خدمة أو ترفيهًا.

واشار: "إذا كانت الدولة قد أنجزت أمورًا ملموسة في معركة الإرهاب، وأوشك الرصاص أن يتوقَّف تمامًا بعدما حُوصر الإرهابيون في كلِّ مسلك، فإن معركة الوعي أصعب وأطول، وما لم نتجهَّز لها بالرؤى والأفكار والتمويل الكافي، فإننا نغامر بإهداء المُتطرِّفين مَعينًا لا ينضب من الأرواح التي تتشقَّق عطشًا للمعرفة والثقافة والتنوير، وللأسف تنفذ الأفكار السوداء من شقوقها؛ لتزحم علينا الواقع، وتُهدِّد باختطاف المستقبل".

وأنهى: "نتحدَّث كثيرًا عن حاجتنا إلى تجديد الخطاب الديني، وهو حديثُ حقٍّ، لكن الأولى أن نتجاوز الفرع إلى الأصل، وأن نعمل على تجديد الخطاب الثقافي؛ باعتباره الغلاف الجامع لكل الخطابات الجزئية، لذا أطالب الحكومة، ممثلة في الوزير المُختصِّ، بالتخطيط لمؤتمر مُوسَّع حول الثقافة، يُعهَد إليه بوضع ركائز تأسيسيَّة لصياغة استراتيجية ثقافية شاملة وبصيرة، إذا اتّفقنا أن الثقافة مِفتاح كلِّ مُغلق، فلا عبور إلا بالوعي والبأس، ولا فوز ما لم يأمن المحاربون على واقعهم ومستقبلهم.