الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حصاد 2019.. أردوغان يغرق في مستنقع الحرب الليبية.. ثروات شرق المتوسط تشعل جشعه بلا حدود.. مصر شوكة في حلق السلطان.. والجيش الوطني يبدد أوهامه

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

إدانات إقليمية ودولية تستنكر اتفاق الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة السراج
التدخل التركي العسكري المباشر في ليبيا بدأ مع معركة تحرير طرابلس الأولى
إندبندنت: مصر تتحول إلى محور إقليمي للغاز وتفرض عزلة مؤثرة على تركيا
مغامرة أردوغان المتهورة في ليبيا ترتب كلفة فادحة على الاقتصاد التركي
الدعم التركي لميليشيات حكومة الوفاق رهان على حصان خاسر


ورطت تركيا نفسها في مشاحنات مع دول عدة في جوارها الإقليمي، نتيجة أنشطتها الاستفزازية وتعديها على ثروات لا حق لها فيها بمنطقة شرق البحر المتوسط، وكذلك تدخلها المتزايد لدعم وإسناد الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس بليبيا.

ومنذ السابع والعشرين من نوفمبر الماضي بدأت سلسلة تصعيدات خطيرة من جانب تركيا، بدأتها بتوقيع مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فايز السراج، إحداهما حول التعاون الأمني والأخرى لترسيم الحدود البحرية وتحديد مناطق استغلال الثروات بين شواطئ البلدين.

وأثار الاتفاق الأخير موجة عالية من الإدانات والاستنكارات إقليمية ودولية، حيث اعتبرت أطراف عديدة أن الاتفاق يتعدى على حقوق دول أخرى، وبالتحديد اليونان وقبرص، في استغلال ثروات بحرية لا يحق لتركيا الاستيلاء عليها، وبالتالي فهي اتفاقية باطلة لمخالفتها القانون الدولي ولا تنتج أي التزامات على أطراف ثالثة.

وردًا على الاستفزازات التركية المتصاعدة والاتفاق الصارخ في انتهاكه للقانون الدولي، أعلن قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في 11 ديسمبر إطلاق "المعركة الحاسمة" لتحرير العاصمة طرابلس، وحققت قوات الجيش تقدمًا ملحوظًا على أكثر من محور على الأرض، في ظل سيطرة جوية ومدفعية يتمتع بها على طرابلس.

وفي 18 ديسمبر أعلن أردوغان أن بلاده ستعزز التعاون مع ليبيا ومستعدة لتقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق، إذا ما طلبت الأخيرة، وفي اليوم التالي نقلت وسائل إعلام ليبية عن مصادر مطلعة أن حكومة الوفاق قررت في اجتماع لها طلب الدعم النوعي واللوجستي من تركيا.

على أن توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة السراج وما تلاه من تصعيدات، جاء كحلقة أخيرة في سلسلة استفزازات متصاعدة من جانب تركيا وحكومة الوفاق شهدها عام 2019.

في أبريل الماضي أطلق الجيش الوطني الليبي عملية لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الإخوانية المسلحة الموالية لأنقرة، وطوال الفترة منذ أبريل حتى نهاية العام أسقط الجيش طائرات مسيرة تركية الصنع استخدمتها الميليشيات في محاولة صد تقدمه، وتبين أن تركيا أرسلت بعض الأطقم العسكرية لتشغيل الطائرات المسيرة وتدريب الميليشيات على استخدامها.

الأهم من ذلك أنه منذ إطلاق الجيش الوطني عملية تحرير طرابلس في أبريل، بدأ التدخل التركي العسكري المباشر في ليبيا يسفر عن نفسه في وقائع كان يصعب بشدة التعتيم عليها.

وفي مايو الماضي، انكشف أمر السفينة أمازون، التي أقلعت من ميناء سامسون التركي محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، لترسو في ميناء طرابلس الواقع تحت سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق.

وفي أواخر يونيو، عثرت قوات الجيش الليبي على هويات لضباط أتراك يشكلون فريق خبراء عسكريين يعمل في غرفة عمليات عسكرية بالعاصمة طرابلس لمساعدة ميليشيات حكومة الوفاق. وكان من بين أفراد هذا الفريق التركي متخصصون في الاتصالات والتنصت وتحديد المواقع وتشغيل الطائرات التركية بدون طيار من طراز "بيرقدار"، التي شاركت في غارات على مواقع للجيش الليبي.

وإثر ذلك، أصدر الجيش الوطني الليبي، أوامر بضرب السفن والأهداف الاستراتيجية التركية في المياه الليبية، ووقف الرحلات من وإلى تركيا، مشيرًا إلى تدّخل أنقرة في المعارك بإرسالها الأسلحة والذخائر إلى ميليشيات الوفاق.

وأمر القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، بضرب السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية وكافة الأهداف الاستراتيجية التركية في ليبيا من شركات ومقار ومشروعات، ردًّا على غزو تركي غاشم تتعرّض له ليبيا.

وفي أغسطس دمر الجيش الليبي سفينة قبالة سواحل بنغازي على متنها مقاتلون أجانب وكميات من الأسلحة كانت في طريقها لدعم ميليشيات حكومة الوفاق، واتهم الجيش الليبي تركيا بإرسال يخوت خاصة إلى ميناء مصراتة لنقل الأسلحة والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا.

وأثارت أنقرة حفيظة دول إقليمية، فضلًا عن الاتحاد الأوروبي، بإرسالها سفنًا للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الخالصة القبرصية، مهددةً باستخدام القوة العسكرية لمنع دول أخرى من التنقيب في المياه التي تدعي لنفسها الحق في استغلال ثرواتها.

وذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أن أردوغان رسم سياسته التدخلية في شرق المتوسط وليبيا، مدفوعًا بمزيج من الطمع في ثروات الغاز الهائلة في شرق المتوسط وهاجس العزلة الإقليمية والدولية أمام مصر، ذلك أن اكتشاف حقل غاز ظُهر في المياه المصرية، وهو الأضخم في البحر المتوسط، ينبئ بتحول مصر إلى أكبر محور للغاز الطبيعي في الشرق الأوسط.

وجاء انعقاد منتدى غاز شرق المتوسط، الذي استضافته مصر في يوليو الماضي بمشاركة الدول المالكة لحقول الغاز في شرق المتوسط باستثناء تركيا، ليعزز شعور الأخيرة بالعزلة والتهميش، ومن ثم فقد تمادت في تبني سياسات هستيرية سعيا لكسر طوق هذه العزلة الإقليمية، غير منتبهة لما تتورط فيه من انتهاكات للقانون الدولي ومراكمة لعداوات جوارها الإقليمي.

وأضافت الصحيفة أن التدخل التركي عسكريًا في ليبيا هو تحرك موجه ضد مصر بالمقام الأول، ويمكن اعتباره أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه أردوغان في سياسته الخارجية.

إن التورط العسكري المباشر في مستنقع الحرب الليبية يشكل تحديًا مستحيلًا أمام الجيش التركي، فأنقرة لا تملك حاملات طائرات أو مقاتلات حديثة أو منظومات دفاع إقليمي صاروخية أو مقاتلات قادرة على الطيران لمسافات بعيدة والقيام بدوريات قتالية بعيدًا عن الساحل التركي، كما أن أسطول ناقلاتها الجوية وطائراتها المسيرة قصيرة المدى، وتفتقر إلى صواريخ جو - سطح طويلة المدى.

من ثم فإن أردوغان يزج بالجيش التركي في حرب أهلية تتضاءل فيها احتمالات النصر أمام الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، بالنظر إلى ميل الميزان العسكري لصالح الجيش الوطني الليبي.

وفضلًا عن ذلك، فإن إرسال بعض القوات للقتال إلى جانب ميليشيات طرابلس لن يكون كافيًا لإنقاذ تلك الأخيرة، لكن الأخطر أن ذلك سيجعل من تركيا طرفًا مباشرًا في الحرب الأهلية الليبية، وهو ما سيرتب كلفة فادحة على أنقرة، إذ من المحتمل أن تعرض نفسها لعقوبات دولية على تدخلها في دولة أخرى، في وقت يعاني فيه اقتصادها من أزمة مزمنة، وفي وقت تجد فيه أنقرة نفسها معزولة إقليميًا ودوليًا بسبب سياستها الخارجية الاستفزازية.

لقد بات استقرار حكومة الوفاق في السلطة في طرابلس هشًا للغاية، مع إطلاق الجيش الوطني عملية تحرير العاصمة، وفي هذ الإطار يغدو إرسال تركيا قوات عسكرية لإسناد ميليشيات طرابلس بمثابة رهان على حصان خاسر.

يصح ذلك في الوقت الذي أصبحت ليبيا حجر زاوية في استراتيجية تركيا لتوسيع نفوذها في شرق المتوسط والمنطقة والعالم، وشرعت وسائل الإعلام الموالية لحكومتي أنقرة وطرابلس تهيئ جمهورها لتدخل تركي أوسع نطاقًا في الصراع الليبي.

من هنا بدأت تحركات الجيش الوطني الليبي لتحرير طرابلس تتم على خلفية من الغضب الإقليمي والدولي حيال اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق، ولذا فمن المستبعد أن تعارض القوى الدولية عمليات الجيش الوطني، بالنظر إلى رفض الاتحاد الأوروبي للاتفاق، واستعداد روسيا وفرنسا لإحباط أي مشروع قرار قد يدين تحركات الجيش الوطني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ويرى محللون أن الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يضع حدًا لطموح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التوسع الإقليمي هو تهديد حقيقي باستخدام القوة من جانب الدول المتضررة من تحركاته في شرق المتوسط واتفاقه البحري مع حكومة الوفاق، أي اليونان وقبرص بالأساس، تدعمهما الدول الحليفة والقادرة على التصدي للمطامع التركية، وعلى رأسها مصر وفرنسا وإيطاليا، وبذلك فقط يمكن إجبار أردوغان على التخلي عن سياسة حافة الهاوية وتبني نهج أكثر اعتدالًا في سياسته الإقليمية والخارجية.