الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السفير هادي التونسي يكتب.. عمر الشريف الأسطورة

صدى البلد


أسطورة فنية عالمية لأكثر من خمسين عاما. شخصية عالمية الأسلوب و الفكر و الثقافة و مصرية أصيلة حتى النخاع ,أحبه مئات الملايين من البشر علي اختلاف قومياتهم وأديانهم وانبهروا به يمثل شخصيات أبطالهم و مواطنيهم التقليديين, فرأيناه مصريا, و بدويا, و تركيا, و يهوديا, و قديسا, , و إيطاليا, و يونانيا, وروسيا, و نمساويا و شاهدناه عاشقا رومانسيا, و بطلا تاريخيا, و أميرا أوروبيا,و ثائرا لاتينيا, و حكيما تركيا, و قائدا عربيا, فما هذا الثراء في الشخصية!, و ما تلك الجاذبية و القبول! و هل كان للعامل النفسي دخل في إصابته بالزهايمر و وفاته ؟ لا أدعي انني اعرفه بل مثل الملايين تابعت اخباره و لقاءاته, و ربما لا أملك إجابات قاطعة, لكنه كشخصية عامة ساحرة يغري بالمحاولة و استقاء العبر.
نشأته الارستقراطية منذ ثمانين عاما لأبوين مصريين من أصل لبناني كاثوليكي في الإسكندرية متعددة الاعراق والاديان حينئذ اضافة الي تعليم متميز بمدارس لغات عالمية المستوى وطموح والدته أصرت أن تجعله نجما, فكان متوقعا و هو من جيل جمع بين أفضل ما في الشرق والغرب من قيم و أساليب وصفات  أن يشق طريقه في حياة دفعته موهبته فيها الي شهرة, زادتها محليا زوجته النجمة السينمائية الأشهر التي أحبها و ظل وفيا لذكراها حتى بعد دخوله الي العالمية وانفصالهما ووفاتها. بل توفاه الله بعدها باشهر.
التربية المفتوحة و التعليم المتميز و المناخ السائد ساعدوه علي امتلاك عقل حر ناقد محب متواضع , فهو أنضج من أن يتعصب و أصدق من أن يغتر بمباهج الحياة الثرية و المجد و الشهرة في الغرب أو ان يغترب عن نفسه بالذوبان في مجتمعاته و القبول بعروض عديدة لاكتساب جنسيات اخري ,فظل علي اعتزازه بمصر التي احبها و أحن اليها حتى عاد يعيش فيها رغم شهرته و امكانياته. بل و مثل مسلسلا يقول انه يروي قصته بإسم حنان و حنين عن عائد من الخارج, و قام بدور سياسي من خلال اتصالاته مهد لزيارة الرئيس السادات للقدس.
يقول أنه لم يكن يحلم بالشهرة الدولية بل كان قانعا بدوره كزوج سعيد يحلم بأسرة كبيرة في وطنه حتي التقطته هوليوود, و أغرته محبة ملايين النساء فلم يشأ ان يستمر في زواجه نفاقا للمرأة الوحيدة التي أحبها و ظل رافضا للزواج بغير مصرية تشاركه الفكر و التقاليد و اسلوب الحياة و المرح, و بقي متحضرا في التعامل مع طليقته بعد الانفصال و نادما عليه رغم كل مغريات المجد و الحياة الرغدة المخملية لنجم بشهرته في الخارج.
يسألونه عن سبب شهرته فيقول انه كان محظوظا, فهو إذن لا يريد ان يتكبر, و داخله يشعر بالعرفان و التفاؤل, فهل كانت الشهرة لمجرد الوسامة و الأناقة و القدرة علي التواصل بدفء الصوت و رقي و عالمية الأسلوب و تميز الموهبة,و تشعب العلاقات ام أيضا ان وراء ذلك بساطة تنبذ التكبر و صدق يتواصل مع البسطاء و وفاء لأسرته و وطنه و فكر و ثقافة و ثقة و تفرد و أصالة تأبي التقليد والانقياد, و نفس حرة كريمة تبحث عن ذاتها ؟ لكن لماذا إنتهت حياته بهذا الشكل ؟
يقول عمر أنه و قد كبر لا يريد ان يجتر الذكريات بل ان يعيش الحاضر بقوة, بما يعني بعمق الوعي و رفاهة الحس, فهل كان ذلك دافعا حقيقا أم يخفي عجزا عن استعادة مجد و صحة و زوجة و وطن أحبه لكن الناس تغيروا؟ و هل دفعه ذلك لا وعيالي تعمد النسيان فأصبح العامل النفسي مهيئا للاصابة بمرض لعنته النسيان؟ و هل ابدل المرض شعورا بالاعتزاز و التمكن و الحرية و القدرة علي الإسعاد بإحساس بالعجز و اليأس و المهانة و الإحتياج, فأصبح من الصعب التعايش مع حاضر نقيض للماضي, و كان الامتناع عن الطعام ثورة لنفسه الحرة علي قدر اعطاه الكثير و سلب منه أحب ما كان يتمناه و أعز ما كان لديه؟
صدقت يا عمر, فمع قدر لا يعرف الاستثناء, و حياة هي منحة مؤقتة, يزول منها كل حال, فلا مفر من العيش في الحاضر بعمق الوعي و رفاهة الحس, مع التسليم بقضاء الله و حكمة الحياة, لكن علي الا يكون الحاضر مهربا من السلام مع الماضي, و علي ألا يكون الموت اعتراضا علي وحدة النفس و تدهور الحياة و الصحة. و لعلنا نحن
المصريين نعترف بجميل انك جعلت الملايين في العالم يتوقعون في بعض منا صفاتك, و يتفتحون لتقاليدنا و إمكانياتنا,و لزيارة بلادنا و أثرت الإعجاب بتمسكك بمصريتك في كل الظروف فاخترت مصر وطنا, و إخترت شعبها لمحبتك, و أخترت حبك الوحيد منها, و تـميزت, و ابدعت, ووفيت, و جعلت من نفسك قدوة و أملا لمن يستلهم التميز و الطموح و البساطة و التواضع و الوفاء و الأصالة و العالمية.
وداعا يا عمر, يا رمز جيل, و فخر شعب.