الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. قاسم المحبشي يكتب: الأهرامات التي تدهشني دائما!

صدى البلد

سكنت في الدور الحادي عشر في حي المطابع بشارع فيصل، وذات صباح صعدت على سطح العمارة باحثًا عن دفء شمس قاهرية حانية في هذا الشتاء البارد. أجلت نظري في ارجاء المدينة وعمارتها عالية الطوابق فإذا بي ألمح قمة الهرم الكبير شامخة في آخر فضاء المدينة. فأطلقت شهقة ممزوجة بالدهشة والفرح ( يا للروعة ها هي إحدى معجزات الدنيا السبع بالقرب مني) اهرامات الجيزة تقع على هضبة الجيزة في محافظة الجيزة على الضفة الغربية لنهر النيل. بنيت قبل حوالي 25 قرنا قبل الميلاد، ما بين 2480 و2550 ق. م وهي تشمل ثلاثة أهرام هي خوفو، خفرع ومنقرع. 

تم بناء هذا الهرم بحوالي 2،300،000 قطعة حجرية، حيث يزيد وزن بعض هذه القطع على 50 طنا، ولقد تم بناء هذا الهرم بطبقتين من الحجارة وهي؛ الأحجار الأساسية الداخلية وأحجار الغلاف الخارجي، حيث كانت الحجارة الداخلية خشنة ومحفورة محليًا، بينما كانت حجارة الغلاف الخارجي مصنوعة من الحجر الجيري الأملس ذي المظهر المشرق للغاية، ولكن لسوء الحظ تآكلت معظم هذه الطبقة الخارجية منذ فترة طويلة. 

تداعت إلى ذهني صور من كتاب السر الذي قرأته قبل سنوات، يحكي عن رحالة قطع الصحراء الكبرى بحثا عن الأهرامات ومحاولا اكتشاف أسرارها. عقدت العزم فورًا على الذهاب اليها صباح اليوم التالي سيرًا على الأقدام. البارحة نمت مبكرًا وصحوت في السادسة فارتديت الفانلة الشتوية التي وصلتني لتوها من أخي العزيز صالح ابومهيب في كوانجوا ومطرزة بألوان العلم المصري الذي أحبه.. خرجت من الشقة السابعة صباحا لم أستقل المصعد، كعادتي في نزول درج العمارات العالية إذ أجدها فرصة لممارسة الحمية الصباحية الرياضية بحسب نصيحة طبيب التخسيس وبأقل جهد ممكن. 

قطعت شارع عبيدة بن الجراح في دقيقتين إلى شارع فيصل فاتجهت يمينًا قاصدا أخر شارع فيصل. مشيت نصف ساعة ولم أرَ الاهرامات ... سألت أحد المارة أين هي الاهرامات؟ قال لي : بعيدة من هنا بدك تركب عربية إلى أخر شارع فصيل تنزل وتتجه يسارا سوف تراها وتمشي باتجاهها. رغم أنني شعرت بالتعب بعد انقطاع طويل عن المشي الا أنني قطعت عهدا على نفسي بأن لا اركب عربة للذهاب إليها. شكرت الرجل المحترم ومضيت في سبيلي باتجاه الاهرامات بعد نصف ساعة شاهدتها فرحت وكأنني أكتشفها لأول مرة بحياتي .. 

أحسست بمشاعر إيجابية ومنحت نفسي جائزة استراحة .. دخلت كافيتريا جميلة في نهاية شارع فيصل وأنا أطير من الفرح. طلبت "شاي" فاحتسيته بسرعة. ثم مشيت باتجاه الأهرامات وما أن وصلت عند اسوارها حتى أخذ المطر ينهمر مصحوبًا برياح شديدة قطعت الشارع بسرعة باتجاه هضبة الجيزة المرتفعة عن المدينة. وجدت أول نقطة سيطرة أمنية أسفل الهضبة. لم يوقفني أحد. كان شابا يجري اتقاء المطر نظر إلىّ متعجبًا وصرخ إلى أين ذاهب حجي؟ قلت له: إلى الاهرامات! قال لي: الا ترى المطر والعاصفة مفيش اهرامات اليوم! لم يثنني كلام الشاب عن المضي إلى هدفي فمشيت تحت المطر ، فإذا برجل ستيني ينده لي من حنطوره المغطى بقطعة قماشة مزركشة يجره حصان أبيض.. قال اصعد أوصلك الاهرامات بخمسين جنيها فقط. رفضت هذا العرض المغري وفضلت السير بالقدمين وتلك لحظة نادرة بالنسبة لي وأنا أحب ممارسة الأشياء الجديدة.. أسرعت الخطى حتى وصلت مكتب قطع التذاكر في بوابة الهرم الجنوبية وجدته مكتظا بالزوار الأجانب من مختلف الجنسيات ..

انتظرت دقائق واشتريت تذكرة الدخول المخفضة للعرب كما علمت إذ يتم معاملة العربي مثله مثل المصري تماما. ثلاثون جنيها فقط قيمة التذكرة.. كانت زخات المطر تنهمر بغزارة انتظرنا بمكتب قطع التذاكر لحظات حتى خفت وانطلقنا باتجاه الهرم الكبير بسرعة حوالي 400 متر مساحة صخرية قطعناها حتى بلغنا درجات هرم خوفو الأكبر طولًا وحجمًا 148 مترًا ويعود بناؤه إلى نحو سنة 2560 قبل الميلاد حيث شيد كمقبرة لفرعون الأسرة الرابعة خوفو واستمر بناؤه لفترة 20 عامًا. ويقال إن قاعدته هي بحجم طوله بالضبط. 

صعدت مع السياح إلى قلب الهرم ولم أكن اعرف أن الدخول إلى السرداب يحتاج تذكرة، حينما هممت بالدخول أوقفني الحارس وطلب مني تذكرة بـ ثمانين جنيها من مكتب التذاكر ذاته. وبسبب بعد المسافة واستمرار المطر اكتفيت بالجلوس مقابل بوابة السرداب الذي سبق وأن دخلته قبل ست سنوات في زيارتي الأولى لمصر الحبيبة.

نظرت إلى الأعلى وتمنيت أن أصعد إلى قمة الهرم وأنا أحب صعود الجبال ولكن صعود الأهرامات غير مسموح حفاظًا عليها. التقطت صورة تذكارية ونزلت أتجول في الأسفل. انقشعت الغيوم عن شمس نيلية دافئة حانية بعد المطر. وجدت دليلا سياحيا أرشدني إلى معاينة قبر أم الملك خوفو، اسمها حتب حرس، على عمق 27 مترًا تحت الأرض دخلتها بذات التذكرة وأنا منحني بسبب ضيق الممر. أذهلني تصميمه ومكثت في قاعه لحظات فإذا بفتاتين سائحتين أجنبيتين علمت منهما أنهما من اسبانيا دخلتا بعدي إلى قبر الملكة أم خوفو. 

سبحان من خلقهما وكأنهما من حور العين. خرجت على الفور وتركتهما لأخذ راحتهما في القاع ثم ذهبت إلى سفينة نقل الحجارة الضخمة ونزلت قبر كبير مهندسي الاهرامات هميونو مهندس الملك خوفو. وشاهدت مواقع المركب وأخذت صورة تذكارية ذكية تحاكي سيزيف اليوناني حامل الصخرة . كانت الساعة العاشرة والنصف والشمس مشرقة ودافئة جدا حينما نزلت باتجاه ابو الهول محطتي الأخيرة. شاهدت براعم المستقبل زرافات وزرافات من التلاميذ والتلميذات مع مدرسيهم في زيارة الاهرامات يغمرهم الفرح في يوم ممطر.كان صباحا ممتعا وجميلا. خرجت من الاهرامات إلى أول شارع فيصل وعدت إلى شقتي فرحًا بهذا الإنجاز السياحي الرياضي الجميل بأقل التكاليف. اخبرني عداد الخطوات بأنني مشيت 15000 خطوة قرابة عشرة كيلو مترات. تلك هي المرة الثانية التي أزور فيها اهرامات الجيزة.كانت أجمل وأمتع من الزيارة الأولى بكثير وهناك أشياء واشياء جميلة أخري شاهدتها لا يتسع المجال لذكرها هنا والآن.

فكان ما كان مما لست اذكره ** فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر!
من كل تلك التفاصيل الحميمة الجميلة استلهمت قصيدة المطر فكانت سانحة

كنانة كمثل اسمها😍

جميلة بالغيم والمطر
حميمة بالنهر والبشر
في موجها حنين للسلام
في خصبها وغيثها ثمر
مدينة الأنوار والحمام
وملتقى القارات والسفر
كنانة كمثل اسمها
وكل من سكن بها آمن
فريدة في عالم المدن
هيجر شمسها في النهار
حامي وقيد مستعر
وطول ليلها سمر
بهية في الصباح
وبالمساء تنافس القمر
لا تعرف السأم والضجر
أميرة المدن ودرة الدرر
جمالها في السلم
يخلب الألباب والبصر
وفي الحروب والمحن
جحيمها ونارها شرر
في صيفها ينضج الثمر
وفِي شتائها ثلوج تنهمر
ربيعها يأتي ويترك الأثر
إذ تزهر الأوراق أريجها عطر
وفِي خريفها مطر
مطر .. مطر.. مطر
تاريخها زاخر ومزدهر
هي قبلة الرُحال والحضر
كطائر العنقاء تعاود النهوض
لا تعرف النواح والحزن
بأجنحة ثلاثة تعلو وتنتصر
قاهرة جناحها الكبير
وجيزة الجناح والمقر
قليوبية تنمو وتزدهر
رحيبة فسيحة جميلة
تحفها المروج والشجر
حورية الأنهار
ومضرب المثل
بأهلها الكرام
والسلم والسلام
والأمن ها هنا
ليس له مثل
هنا الأمان والأمل
يا ليت مثلها اليمن
شكرا لانني هنا
جابتني الرياح والقدر
مطر .. مطر.. مطر