الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ميلاده.. كيف تأثر جبران خليل جبران بسجن والده

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران

مال جبران خليل جبران الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، منذ الطفولة إلى الوحدة والتأمل وأحلام اليقظة، وظل في مراهقته منطويًا على نفسه، بعيدًا عن الأقارب والجيران، كان جبران خليل جبران، سريع البديهة، متواضعًا و طموحًا، وكان شديد الرغبة بالشهرة ولو عن طريق الانتقاد، فقد سر بانتقاد المنفلوطي لقصته "وردة الهاني"، كان لجو بوسطن الذي نشأ فيه لأثر في إذكاء ثورته على التقاليد، والنظم البالية في المجتمع الشرقي، وذلك عندما أحس بالتناقض بين جو الحرية الفكرية الاجتماعية السياسية في بوسطن، وبيئته الشرقية.

رافقت جبران خليل جبران أحلام اليقظة من الطفولة حتى الرجولة فادّعى لمعارفه - وخاصة ماري هاسكل- أنه ينحدر من أسرة أرستقراطية غنية عريقة، وكان واسع الثقافة فقد قرأ لشكسبير وللشعراء الرومنسيين ولا سيما بليك كيتس، شلي، نيتشه، ولعله حاكى في قصائده النثرية قصائد الشاعر الأمريكي والت ويتمان مبتكر هذا الفن، كما يبدو أثر الفلسفة الأفلاطونية في رومنسيته وتصوفه، وأثر الإنجيل بارز في تناجه، فقد خصّ المسيح بكتابه "يسوع ابن الإنسان"، كما تأثر بالتصوف الشرقي الهندي منه المسيحي و الإسلامي، فآمن بوحدة الوجود والتقمص، وبالحب وسيلة لبلوغ الحقيقة، فضلًا عن قراءته الأساطير اليونانية والكلدانية والمصرية.


ميلاد جبران خليل جبران وهجرته
ولد جبران لعائلة مسيحية مارونية، كان والده يعمل كبائع في صيدلية، حتى فقد عمله لكثرة الديون المتراكمة عليه وأنشغاله بلعب القمار، وكانت والدته هي "كاميليا رحمه" التي أنجبته وعمرها 30 عامًا، لم يتلقى جبران التعليم الرسمي، وكان يتعلم العربية والكتاب المقدس من كاهن القرية.

في عام 1891 تم إلقاء القبض على والده وسجنه بتهمة الفساد المالي وتمت مصادرة جميع ممتلكاته، أما عائلته التي بقيت مشردة عاشت فترة من الوقت في منزل أحد اقاربهم، وبسبب تصرفات الوالد غير المسؤولة ابتعدت العائلة عنه، حتى بعد خروجه من السجن بعد ثلاث سنوات إلا أن العائلة هاجرت إلى الولايات المتحدة في 25 يونيو 1895.

سكنت عائلة جبران في بوسطن، بالخطأ تم تسجيل اسمه في المدرسة خليل جبران، هناك، بدأت أمه العمل خياطة متجولة، كما فتح أخوه بطرس متجرًا صغيرًا، أما جبران فبدأ بالذهاب للمدرسة في 30 سبتمبر 1895.

وضع جبران في صف خاص بالمهاجرين للتركيز على تعليمهم الإنجليزية، وفي نفس الوقت بدأ جبران بارتياد مدرسة فنون القريبة حيث نمّت مواهبه الفنية، وتعرف جبران على فريد هولاند داي المصور الفوتوغرافي الذي شجع جبران ودعمه في مساعيه الإبداعية، بدأ جبران بتزيين الكتب ورسم الصور الشخصية، في النهاية بدأ داي بتقديم جبران إلى أًصدقائه في عام 1898 تم استخدام إحدى رسماته كغلاف لأحد الكتب، وعندما لاحظت والدته أنه بدأ ينجذب إلى الثقافة الغربية قرروا إرساله إلى لبنان حيث سيكون بإمكانه أن يتعلم عن تراثه الشرقي.

عودة جبران خليل جبران إلى بيروت
في 1898 عند سن الخامسة عشر، عاد جبران إلى بيروت ودرس في مدرسة إعدادية مارونية ومعهد تعليم عال يدعى الحكمة، بدأ مجلة أدبية طلابية مع زميل دراسة، ثم انتخب شاعر الكلية، كان يقضي العطلة الصيفية في بلدته بشرّي ولكنه نفر من والده الذي تجاهل مواهبه.

وجد جبران عزاءه في الطبيعة، وصداقة أستاذ طفولته سليم الضاهر، ومن علاقة الحب بينه وبين سلمى كرامة التي استوحى منها قصته "الأجنحة المتكسرة" بعد عشر سنوات.

بقي في بيروت سنوات عدة قبل أن يعود إلى بوسطن في 10 مايو 1902، وقبل عودته بأسبوعين توفيت شقيقته سلطانة بالسل في سن الرابعة عشرة، وفي العام التالي توفي بطرس بنفس المرض وتوفيت أمه بسبب السرطان. وأما شقيقته ماريانا فقد عملت في متجر للخياطة.

بداية شهرة جبران خليل جبران
جبران فنانًا بارعًا، خاصة في الرسم والألوان المائية، حيث التحق بـ"مدرسة الفنون أكاديمية جوليان"، في باريس خلال الفترة (1908 إلى 1910)، حيث اتبع أسلوب رومانسي على الواقعية الصاعدة وقتها، وأقام جبران معرضه الفني الأول لرسوماته وهو في الواحد والعشرين من عمره في عام 1904 في بوسطن في استوديو دايز (بالإنجليزية: Day's studio)، وفي هذا المعرض التقى مع إليزابيث هاسكل، وهي مديرة محترمة، حيث استمرت صداقتهما لبقية حياة جبران، وأنفقت هاسكل مبالغ كبيرة لدعم جبران وقامت بتحرير جميع كتاباته الإنجليزية.

ولا تزال طبيعة علاقتهم غامضة، بينما يؤكد بعض كتاب السيرة أنهما كانا عشيقين ولكنهما لم يتزوجا بسبب اعتراض عائلة هاسكل، أنخرط جبران وهاسكل لفترة وجيزة لكن جبران ألغى العلاقة، فلم ينوي أن يتزوجها حيث كان له علاقات مع نساء أخريات.

ولاحقًا تزوجت هاسكل من شخص آخر، واستمرت في دعم جبران ماليًا واستخدمت نفوذها لمتابعه ودعم حياته المهنية وأصبحت محررة له، وعرضته على الصحفية شارلوت تيلر وعلى أستاذة اللغة الفرنسية إميلي ميشيل التي أصبحت من أصدقاءه المقربين.

وفي عام 1908 ذهب جبران لدراسة الفن في باريس لمدة عامين، والتقى فيها شريكه في الدراسة الفنية وصديقه الدائم يوسف حويك، وأصبحت معظم أعماله المنشورة بعد عام 1918 باللغة الإنجليزية، حيث أصدر كتابه الأول في عام 1918 لشركة النشر Alfred A. Knopf بعنوان The Madman "المجنون" الذي يحتوي على مجموعة من الأمثال المكتوبة في خليط بين الشعر والنثر.

أدب جبران وإعجابه بـ فرنسيس مراش
كان جبران معجبًا كبيرًا بالشاعر والكاتب فرنسيس مراش، بعد أن درس أعماله في مدرسة الحكمة في بيروت، وفقًا للمستشرق شموئيل موريه، فإن أعمال جبران تعكس صدى "مراش" وتعكس العديد من أفكاره، وقد ذكر سهيل بشروي و"جو جنكينز" كيف ترك "مفهوم ماراش للحب العالمي" انطباع عميق في جبران على وجه الخصوص، حيث أن جبران غالبًا ما يستخدم اللغة الرسمية والمصطلحات الروحية في شعره؛ كما تكشف إحدى قصائده في كتاب النبي: "ولكن دعونا نوجد مسافات في جماعكم ودع رياح السماوات ترقص بينكما. نحب بعضنا بعضًا ولكن لا تجعل رباط الحب: فليكن بحرًا متحركًا بين شواطئ نفوسك. "

كان في كتاباته اتجاهان، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على عقائد الدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة النقية، ويفصح عن الاتجاهين معًا قصيدته "المواكب" التي غنتها المطربة اللبنانية فيروز باسم "أعطني الناي وغنّي".

الحب عند جبران خليل جبران
عرف عن جبران علاقته العاطفية والفكرية بالكاتبة والأديبة مي زيادة، حيث تعارفا عبر المراسلة ولم يلتقيا أبدًا. بدأت العلاقة بينهما حين راسلته مي عقب اطلاعها على قصته الأجنحة المتكسرة، وأبدت إعجابها بأفكاره وآراءه وناقشته فيها. استمرت علاقتهما زهاء 20 عامًا حتى توفي جبران في العام 1931.

ويقول جبران عن الحب:
الحب كلمة من نور خطّتها يد من نور على صفحة من نور.
في الأمس أطعنا الملوك وحنينا رقابنا أمام الأباطرة.. لكن اليوم نركع فقط أمام الحقيقة.. لا نتبع سوى الجمال ولا نطيع سوى الحب.
لا تفكر أنك تستطيع أن توجه الحب في مساره فالحب إن وجدك جديرًا به هو الذي يوجه مسارك. هو الحب ذا يستهزئ بي.. ها قد جعلني سخرية.. وقادني حيث الآمال تعد عيوبًا والأماني مذلة.

توفي جبران خليل جبران في نيويورك في 10 أبريل 1931وهو في الـ 48 من عمره.،كان سبب الوفاة هو تليف الكبد وسل، وكانت أمنية جبران أن يُدفن في لبنان، وقد تحققت له ذلك في 1932، دُفن جبران في صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم متحف جبران.