الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماذا وراء الاتفاق الأمريكي ـ الطالباني؟


لم يكن الاتفاق المهم الذي وقع مؤخرًا بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية مفاجئًا، فهو يأتي في سياق رغبة حثيثة للرئيس دونالد ترامب لسحب القوات الأمريكية من ساحات الصراع المزمنة وفي مقدمتها أفغانستان،  وهذا مايفسر قوله عقب توقيع الاتفاق إنه  "يوفر إمكانية لإنهاء الحرب في أفغانستان وإعادة الجنود إلى الوطن".
الواضح أن الرئيس ترامب ينظر لهذا الاتفاق من منظور "الصفقة"، الذي يحكم توجهاته في السياسة الخارجية، لذا فهو يرى في الاتفاق مجرد صفقة تتيح سحب القوات الأمريكية وعودة الجنود في غضون 14 شهرا، ونص الاتفاق على تخفيض عدد القوات من نحو 13 ألفا إلى 8 آلاف و600 عسكري في غضون 135 يوما، مقابل رفع العقوبات الأمريكية عن أفراد حركة طالبان، وإجراء تبادل معتقلين بين حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية، وتعهد "طالبان" بعدم استهداف المصالح الأمريكية، وعدم استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة أو ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم القاعدة، وتعهدها كذلك بعقد محادثات سلام مع حكومة كابل للتوصل إلى اتفاق سلام داخلي.
لم يتحدث ترامب عن انتصار أو هزيمة عسكرية سواء للجيش الأمريكي أو لحركة "طالبان"، بل تعامل مع الأمر باعتباره أمرا واقعًا يتيح له تنفيذ أحد اهم تعهداته الانتخابية بعودة الجنود الأمريكيين من ساحات القتال، وبما يوفر له الفرصة لتدشين حملة اعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية بالتأكيد على الوفاء بعهوده الانتخابية.
الاعلام الامريكي يبدو غير راض عن الاتفاق ويزعم أنه منزوع الضمانات، وأنه لا يوجد ما يضمن تنفيذ بنوده، سواء تلك المتعلقة بتحقيق السلام في أفغانستان أو بمنع التحالف بين "طالبان" و"القاعدة" مجددًا، وهذا صحيح إلى حد ما، والمؤكد أن ذلك لم يغب عن بال المفاوض الأمريكي الذي ركز ـ باعتقادي ـ على اتفاق خروج وليس على البحث عن ضمانات لا يمكن الوثوق بها، فالولايات المتحدة باتت على دراية كافية بتعقيدات الساحة الافغانية وليست على استعداد للبقاء أكثر من ذلك بغية تحقيق أهداف لم تنجح في تحقيقها طيلة نحو عقدين تقريبًا.
في مجمل الأحوال، هناك تحولات نوعية فارقة في السياسة الأمريكية نحو أفغانستان، فالرئيس ترامب أجرى مكالمة هاتفية هي الأولى من نوعها بين رئيس للولايات المتحدة وزعيم في حركة طالبان، حيث أعلن المتحدث باسم الحركة أن الرئيس الأمريكي "تحدث هاتفيا لمدة 35 دقيقة مع نائب زعيم الحركة للشؤون السياسية عبد الله غني بارادار، في ظل حضور زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي لأفغانستان، وعدد من أعضاء طالبان المشاركين في المفاوضات مع واشنطن"، وجاء في بيان الحركة أن ترامب "أعرب عن سعادته للتحدث هاتفيا مع بارادار”، وقال إن الأخير يقاتل "من أجل وطنه"، وقد أكد البيت الابيض إجراء هذه المكالمة، ووصفها بأنها كانت "جيدة جدا"، وقد نقل الإعلام الامريكي وصف الرئيس ترامب حركة "طالبان" بـ "المحاربين" وقوله خلال حوار تلفزيوني عبر برنامج على قناة "فوكس نيوز" : "إنهم محاربون ومقاتلون وقد فعلوا ذلك لآلاف السنين"، وأضاف أن طالبان تواجه صعوبة في الحفاظ على السيطرة الكاملة على العديد من القبائل في أفغانستان، ما يعني أن الولايات المتحدة باتت على دراية كافية بتعقيدات المشهد الأفغاني وعلى قناعة بأن الخروج من تعقيدات هذا المشهد بأقل الخسائر هو الحكمة بعينها.
والحقيقة أن كلمات الرئيس ترامب بحق حركة طالبان وقياداتها هو أكبر مكافأة حصلت عليها في هذا الاتفاق، فالحديث عن "محاربين" لا عن "ارهابيين" وكذلك حديث وزير الخارجية بومبيو عن ان "طالبان" قادرة على إحلال السلام في أفغانستان متى أرادت ذلك، يستحق التأمل ويدعو لانتظار ماوراء الكلمات وما ينتظر الحركة في المستقبل المنظور من تطورات في حال نجحت في الوفاء بالتزاماتها في هذا الاتفاق، فمثل هذه الأحاديث ومن قبلها الجلوس مع الحركة رسميًا على مائدة تفاوض يعني اعترافًا أمريكيًا ضمنيًا بدورها المحوري الذي لاغنى عنه في المعادلة الأفغانية، لاسيما أن الاتفاق قد تم توقيعه بحضور دولي لافت، تمثل في مسؤولين يمثلون ثماني عشرة دولة ومشاركة أربع منظمات دولية.
لم تنس الولايات المتحدة أن حركة "طالبان" كانت تأوي قادة "القاعدة" وتوفر لهم الملاذ لهم الذي اتاح لهم التخطيط والتنفيذ في اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وبالتأكيد لم يتحول عدائها لتوجهات الحركة المتشددة باتجاه المرأة ورؤيتها الأصولية الضيقة إلى قبول وصداقة، فالأمر كله يتمحور حول "صفقة" قد تتم وقد لا تتم بشكل كامل، ولكنها في جميع الأحوال تؤدي الغرض المطلوب سياسيًا بدعم موقف الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط