الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكورونا .. هل كشف حقيقة إسرائيل ؟!


انتشار فيروس الكورونا في أكثر من نصف دول العالم ، كارثة عالمية ، لكن لها إسقاطاتها الخاصة في كل دولة تضربها .. ولو ركزنا على إسرائيل ، التى تدخل مرحلة التفشي بشكل أو آخر ، فإن له أبعادا مختلفة منها السياسية والأمنية والعلمية والعسكرية والاقتصادية ، تضع إسرائيل بكل ترويجاتها على المحك في كل هذه المناحى وغيرها !

★البعد السياسي

خلال هذه الآونة ، قبل وبعد تكليف الرئيس الإسرائيلى روؤڤين ريڤلين ، الجنرال بينى جانتس رئيس ائتلاف أزرق أبيض المهزوم في انتخابات مارس ٢٠٢٠ ، بتشكيل الحكومة الإسرائيلية عقب حصوله على أغلبية الموصين باسمه "٦١مقعدا.. ٣٣ أزرق أبيض و١٥ القائمة العربية المشتركة و٧ إسرائيل بيتنا و٦ تحالف العمل وميرتس"، زادت الدعوات من كل القوى السياسية والجهات السيادية الإسرائيلية وحتى قوى دولية بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ ، للم الشمل الإسرائيلى بحجة مواجهة خطر الكورونا .

لكن واضح أن هناك خطابا معلنا، وخطابا آخر خفيا، حيث يتم الترويج لحكومة الطوارئ ، لكن ترفضها قوى وأسماء كثيرة ، من ضمنها بعض مجموعات الليكود وحلفاء مسير أعمال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أحزاب الصهيونية الدينية مثل شاس ويهودت هاتوراة ويميناه ، الذين رفض رؤساؤهم مجرد الالتقاء بجانتس ، عندما أرسل لهم دعوات للقائهم ، أو حتى حينما اتصل ببعضهم ، والمزاج الغالب حتى الآن بين ما أسميه بيمين نتنياهو ، رافض لحكومة طوارئ تجمع كل القوى السياسية ، رغم مطالبات الرئيس الإسرائيلى ريڤلين بضرورة تشكيل هذه الحكومة لأن الإسرائيليين في حالة استنزاف ولن يقبلوا هذا الانقسام لنصفين ومن حقهم الحصول على حكومة في ظل هذه التهديدات التى يتعرضون لها ، وفق تعبيره .

الملاحظ أن الرفض الغالب قادم من معسكر "يمين نتنياهو" ، رغم أن رئيس حزب الليكود الفائز وغير المكلف، عرض مشروع قانون لهذه الحكومة لكنه اشترط أن يكون رئيس الوزراء خلال أول عامين .. مما يشير إلى أن هناك خلافا كبيرا في معسكر نتنياهو ، من شأنه ألا يبعد سيناريو الانتخابات الرابعة بشكل كبير ، حتى أنه بالفعل هناك استطلاعات رأي تدور في هذا النطاق ، والمفارقة إنها ترشح فوز الليكود بفارق يصل لتسع مقاعد عن أزرق أبيض .

من أهم عناصر الخلاف بين المعسكرين ، حول حكومة الطوارئ ،  دعم القائمة العربية المشتركة لجانتس ، حيث يشن يمين نتنياهو حملة بشعة ضد "فلسطينى إسرائيل" وحليفيهما الجديدين جانتس وليبرمان ، ويهتمونهما بدعم الإرهاب وتدمير القومية اليهودية ، ولا يقل الهجوم على عرب ٤٨ عن الهجوم على أفيجدور ليبرمان رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" ، فقط اختلاف في هوية الهجوم من الإرهاب إلى تشويه القومية الدينية اليهودية ، والنتيجة واحدة هى رفض التعامل معهما ، وبالتالى مع جانتس !

السؤال الآن ، هل لو لم يتحالف جانتس مع "المشتركة" وليبرمان ، كان سيقبله معسكر "يمين نتنياهو" في حكومة طوارئ بحجة ضربات الكورونا ؟! ، في الإجمال هناك انقسام حول الإجابة على هذا السؤال في إئتلاف "يمين جانتس" وفي معسكر "يمين نتنياهو" ، فنصف قيادات أزرق أبيض يريدون هذه الحكومة في مقدمتهم جانتس وجابي إشكنازى والنصف الآخر يرفضونها وفي مقدمتهم يائير لابيد وبوجى يعالون التى يرونها محاولة من نتنياهو للهروب من السجن .. ونفس الانقسام ولكن بشكل أقل موجود في معسكر يمين نتنياهو ، فقط يريدون من جانتس تنفيذ كل شروطهم ، وفي مقدمتها أن يتولى نتنياهو العامين الأولين وأن يحصن نفسه خلالهما وآلا يسقطه كل معسكر "يمين جانتس" بما فيهم ليبرمان والمشتركة .

بشكل عام ، وحتى الآن ، لم ينجح الكورونا في لم الشمل السياسي الإسرائيلى ، كما يريد الإسرائيليون الذين يعانون من ضربات الفيروس المعقدة ، ويبدو أن الوصول لمصل ضد الفيروس القاتل ، أسهل من انهاء الانقسام السياسي المحتدم .

★البعد العلمى

وبذكر مصل الكورونا الإسرائيلى ، والترويجات الكثيرة في هذا الإطار ، ما بين الحقيقة والمبالغة ، فالأمر حاكم ومهم جدا بالنسبة لإسرائيل لأنها دائما ما تصور نفسها في مصاف الدول الكبري علميا ، وبالفعل هناك محاولات كثيرة في هذا الملف يعمل عليها عدة مراكز أبحاث إسرائيلية أشهرها مركز "نيس تسيونا" ومركز جلعاد  ، الذي تم تكليف علمائهما المدنيين والعسكريين بالعمل على قدم وساق في هذا الإطار ، وراجت أنباء مبالغ فيها في وسائل الإعلام وغيرها من القنوات المفتوحة حول اقتراب إسرائيل من هذا المصل ، بل وذهبوا أبعد من ذلك ، بطرح سؤال على صفحات السوشيال ميديا الإسرائيلية بعدة لغات منها اللغات العربية والفارسية والكردية ، حول فكرة هل تقبل العلاج بالمصل الإسرائيلى ،أم تترك نفسك لتموت انتظارا لمصل عربي أو مسلم ؟! ، وروجوا لفكرة قبول كبيرة لهذا المصل الإسرائيلى المبالغ في تصويره حتى الآن .

وبعيدا عن المصل وترويجات التقدم العلمى الإسرائيلى الكبير المبالغ فيه، يبدو أن الأداء الإسرائيلى لا يقل سوءا في البعد العلمى لاختبار الكورونا عن البعد السياسي ، فمعدل الإصابات يتزايد بشكل كبير جدا ، على غير المتوقع ، حتى إن إسرائيل صعدت من درجات سيناريوهات المواجهة بسرعة جدا ، وأشركت أجهزة الموساد والشاباك في خطة الإنقاذ في غير ملفاتها الأساسية ، فالموساد تم تكليفه بسد العجز الذي تعانى منه المنشآت الطبية الإسرائيلية ، من الأجهزة والمعدات الطبية ، ومنها أجهزة كشف الإصابات وتحاليل البي سي آر ، بينما تم تكليف الشاباك بالتتبع والتجسس التكنولوجى للمخالطين للمصابين والموجودين في العزل ، بالذات بعد تكرار محاولات الهروب ، وبعد تجاوز معدلات الإصابة المئة يوميا ، واقتراب المنظومة الصحية الاسرائيلية للانهيار !

★البعد الأمنى والعسكرى

ويبدو أن البعد الأكثر نجاحا حتى الآن في اختبار الكورونا الصعب ، هو البعد العسكرى والأمنى ، حيث تفيد الأرقام المرصودة أن هناك تراجعا تاما في الهجمات والقلاقل من كل الجهات المهددة لإسرائيل ، إن كانت غزة والضفة أو سوريا وحزب الله وإيران ، وكأن الكورونا معاون كبير لإسرائيل في هذا البعد ، ووصل الأمر إلى تنسيقات مع الضفة وغزة في مواجهة الكورونا ، الذى وصل للضفة فور وصوله لإسرائيل ، فيما يخدم الحصار غزة ، ولم يصلها حتى الآن ، لكنها تعد لذلك ببناء مركز لعزل المصابين على الحدود مع اسرائيل .

لكن هناك حالة قلق في الجيش إلاسرائيلى غيرت من آلية عمله واستراتيجياته الداخلية والخارجية ، فتم وقف التدريبات والمناورات مع الجيوش الأسيوية وبعدها الأوربية ، وحتى الأمريكى ، وتم عزل عدد كبير من الجنود والضباط العائدين من مناورات أسبوية ، أخرها مع الجيش التايلاندي، فيما تعد إسرائيل للبعد الأمنى والعسكرى في السيناريو الأسوأ حتى لا ينهار جيشها وشرطتها مع إعلانها حالة الطوارئ بالذات مع زيادة عدد المصابين في الجيش والشرطة ، واقتراب الوصول لحالات الوفاة مع انهيار حوالى ثمانية حالات من بين المصابين .

ومن الأمور التى لها تأثير على البعد الأمنى ، هو الانهيار الاقتصادى الواضح في البورصة والعديد من القطاعات وبالذات الطيران والسياحة والمقاولات ، التى تعتمد على عدد كبير من العمال الفلسطينيين والأجانب يصلون إلى حوالى ٨٥ ألف عامل من الضفة وغزة والصين وبلغاريا وملدوفا وإستونيا في قطاع المقاولات فقط بخلاف الخدمات ، حيث تم منعهم من دخول إسرائيل بسبب إجراءات الكورونا ، وخصصت الحكومة الإسرائيلية لهذه الخسائر ميزانيات مفتوحة ، فيما سرحت شركات إسرائيلية كبرى عمالها وموظفيها مع تحمل إعانة بطالة فقط، ومنها شركة العال للطيران ، التى سرحت حوالى ثلثى موظفيها .

★المحصلة

اختبار الكورونا على أبعاده المختلفة ، السياسية والعلمية والعسكرية والأمنية والاقتصادية ، أصعب على إسرائيل مما تصوره البعض ، لكن هذا المشهد العام لا يخدم سوى نتنياهو ، الذي تأجلت محاكمته بسبب الكورونا ، وليس بعيدا عن أن يكون رئيسا للوزراء لمدة عامين في حكومة طوارئ ، مع شريكه الجديد جانتس .

 لكن بعيدا عن نتنياهو ، هل ترضى المؤسسات الإسرائيلية الحاكمة أن تظهر إسرائيل في صورة الكيان المرتعش عكس كل الترويجات المعتادة التى تدور في طريق مضاد لذلك ، أم يهدئهم قليلا إن العالم كله مرتعش أمام الكورونا .. أم نسير في ركب المعلومات الصينية ، وتكون إسرائيل شريكا لأمريكا في حربها البيولوجية بتخليق فيروس الكورونا ، كما إتهمت الصين أمريكا عدة مرات .. وهل تجازف إسرائيل بعلاقتها بالصين من أجل أمريكا، في مقابل تدمير إيران مثلا ؟! .. السيناريوهات كلها مطروحة وموضوعة في الاعتبار .


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط