أوضحت محكمة النقض في أحد الطعون المنظورة أمامها ما هو الاجتهاد شرعا.
جاء في حيثيات الحكم ان الاجتهاد في الاصطلاح فقهاء الشريعة الاسلامية هو بذل الفقيه وسعه الاستنباط الحكم الشرعى العلمى من الدليل الشرعى، وما كان من النصوص قطعى الثبوت والدلالة فلا محل للاجتهاد فيها، ولا مجال للاجتهاد في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وانما يكون الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص او ما ورد فيه نص غير قطعى الثبوت او غير قطعى الدلالة والنصوص الشرعية هى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثانى للتشريع.
ومتى كان النص واضحا جلى المعنى قاطعا في دلالته على المراد منه فانه لا يجوز الخروج عليه او الانفلات منه بدعوى تأويله، فلا اجتهاد في مقابلة النص، وهذا هو مفاد النصوص الشرعية لقوله تعالى :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخبرة من امرهم ومن يعص الله ورسولة فقد ضل ضلالا مبينا " " انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون " ، " انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا تكن للخائنين خصميما " ،" اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء "، " وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ، وآيات القرآن العظيم في هذا المعنى كثيرة.
وقد نقل ابن عبد البر عن ابى حنيفة قوله " إذا صح الحديث فهو مذهبى " وهو ما نقله الامام الشعرانى عن الائمة الاربعة، وقال الامام الشافعى " اذا صح الحديث فاضربوا بقولى الحائط ... ولا قول لاحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وآيات الكتاب العزيز قاطعة في الامر باتباع السنة النبوية ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلت طاعته من طاعة الله، قال تعالى " فلا ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ، " قل اطبعوا الله والرسول فان تولوا فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله ورسول ان كنتم تومنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا " ، " واطيعوا الله ورسوله ان كنتم تؤمنين " ، " يا ايها الذين |آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ".
وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التى تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقرنها بطاعة الله تعالى ، ومن عارض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يقول الامام احمد - فذلك فعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم فان لم يجدوا لفظا متشابها يردونه به استخرجوا من المحكم وصفا متشابها يردونة به.
في حين ان المنهج القويم الذى سلكه الصحابة والتابعون والائمة انهم يردون المتشابهة الى المحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر به المتشابة ويبينه فتتفق دلالته مع المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا لانها كلها من عند الله، وما كان من عد الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، يقول تعالى" فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " والسنة النبوية لا تعارض القرآن الكريم، فهم إما أن تأتى موافقه له من كل وجه، واما ان تكون بيانا لما اجمله وتفسيرا له.
وإما ان تكون موجبه لحكم سكت عنه القرآن، وفى هذه الحالة الاخيرة تكون تشريعا يجب طاعة النبى صلى الله عليه وسلم فيه، لقوله تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه " ولو ردت السنة النبوية التى لم ترد في القرآن الكريم لا بطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أن مخالفة السنة مخالفة للقرآن الكريم الذى أمر باتباعها، وعلى هذا اجماع علماء الامة لم يشذ منهم في ذلك أحد، والقول بغير ذلك مخالفة لاصول الشريعة بما يتعارض مع كون السنة التى صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيا من عند الله والمصدر الثانمى للتشريع، وهو ما يتنافى مع اصل العقيدة وما هو معلوم من الدين بالضرورة ، لقولة تعالى" وما ينطق عن الهوى ان هى إلا وحى يوحى علمه شديد القوى " وغير ذلك من آيات الكتاب العزيز الدالة على هذا المعنى.